وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُم بِهِ عِندَ رَبِّكُمْ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (76)

ثم ذكر حال منافقي أهل الكتاب فقال: { وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا } فأظهروا لهم الإيمان قولا بألسنتهم, ما ليس في قلوبهم، { وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ } فلم يكن عندهم أحد من غير أهل دينهم، قال بعضهم لبعض: { أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ } أي: أتظهرون لهم الإيمان وتخبروهم أنكم مثلهم, فيكون ذلك حجة لهم عليكم؟ يقولون: إنهم قد أقروا بأن ما نحن عليه حق, وما هم عليه باطل, فيحتجون عليكم بذلك عند ربكم { أَفَلَا تَعْقِلُونَ } أي: أفلا يكون لكم عقل, فتتركون ما هو حجة عليكم؟ هذا يقوله بعضهم لبعض.
وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُم بِهِ عِندَ رَبِّكُمْ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (76)

وقوله : ( وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا ) الآية .
قال محمد بن إسحاق : حدثنا محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة أو سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : ( وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا ) أي بصاحبكم رسول الله ، ولكنه إليكم خاصة . ( وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا ) لا تحدثوا العرب بهذا ، فإنكم قد كنتم تستفتحون به عليهم ، فكان منهم . فأنزل الله : ( وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم ) أي : تقرون بأنه نبي ، وقد علمتم أنه قد أخذ له الميثاق عليكم باتباعه ، وهو يخبرهم أنه النبي الذي كنا ننتظر ، ونجد في كتابنا . اجحدوه ولا تقروا به . يقول الله تعالى : ( أولا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون ) .
وقال الضحاك ، عن ابن عباس : يعني المنافقين من اليهود كانوا إذا لقوا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم قالوا : آمنا .
وقال السدي : هؤلاء ناس من اليهود آمنوا ثم نافقوا . وكذا قال الربيع بن أنس ، وقتادة وغير واحد من السلف والخلف ، حتى قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، فيما رواه ابن وهب عنه : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال : " لا يدخلن علينا قصبة المدينة إلا مؤمن " . فقال رؤساؤهم من أهل الكفر والنفاق : اذهبوا فقولوا : آمنا ، واكفروا إذا رجعتم إلينا ، فكانوا يأتون المدينة بالبكر ، ويرجعون إليهم بعد العصر . وقرأ قول الله تعالى : ( وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون ) [ آل عمران : 72 ]
وكانوا يقولون ، إذا دخلوا المدينة : نحن مسلمون . ليعلموا خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره . فإذا رجعوا رجعوا إلى الكفر . فلما أخبر الله نبيه صلى الله عليه وسلم قطع ذلك عنهم فلم يكونوا يدخلون . وكان المؤمنون يظنون أنهم مؤمنون فيقولون : أليس قد قال الله لكم كذا وكذا ؟ فيقولون : بلى . فإذا رجعوا إلى قومهم [ يعني الرؤساء ] قالوا : ( أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ) الآية .
وقال أبو العالية : ( أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ) يعني : بما أنزل الله عليكم في كتابكم من نعت محمد صلى الله عليه وسلم .
وقال عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قتادة : ( أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم ) قال : كانوا يقولون : سيكون نبي . فخلا بعضهم ببعض فقالوا : ( أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ) .
قول آخر في المراد بالفتح : قال ابن جريج : حدثني القاسم بن أبي بزة ، عن مجاهد ، في قوله تعالى : ( أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ) قال : قام النبي صلى الله عليه وسلم يوم قريظة تحت حصونهم ، فقال : " يا إخوان القردة والخنازير ، ويا عبدة الطاغوت " ، فقالوا : من أخبر بهذا الأمر محمدا ؟ ما خرج هذا القول إلا منكم ( أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ) بما حكم الله ، للفتح ، ليكون لهم حجة عليكم . قال ابن جريج ، عن مجاهد : هذا حين أرسل إليهم عليا فآذوا محمدا صلى الله عليه وسلم .
وقال السدي : ( أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ) من العذاب ( ليحاجوكم به عند ربكم ) هؤلاء ناس من اليهود آمنوا ثم نافقوا وكانوا يحدثون المؤمنين من العرب بما عذبوا به . فقال بعضهم لبعض : ( أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ) من العذاب ، ليقولوا : نحن أحب إلى الله منكم ، وأكرم على الله منكم .
وقال عطاء الخراساني : ( أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ) يعني : بما قضى [ الله ] لكم وعليكم .
وقال الحسن البصري : هؤلاء اليهود ، كانوا إذا لقوا الذين آمنوا قالوا : آمنا ، وإذا خلا بعضهم إلى بعض ، قال بعضهم : لا تحدثوا أصحاب محمد بما فتح الله عليكم مما في كتابكم ، فيحاجوكم به عند ربكم ، فيخصموكم .
وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُم بِهِ عِندَ رَبِّكُمْ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (76)

قوله تعالى : وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم أفلا تعقلون أو لا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون
قوله تعالى : وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا هذا في المنافقين . وأصل لقوا : لقيوا ، وقد تقدم ( وإذا خلا بعضهم إلى بعض ) الآية في اليهود ، وذلك أن ناسا منهم أسلموا ثم نافقوا فكانوا يحدثون المؤمنين من العرب بما عذب به آباؤهم ، فقالت لهم اليهود : أتحدثونهم بما فتح الله عليكم أي حكم الله عليكم من العذاب ، ليقولوا نحن أكرم على الله منكم ، عن ابن عباس والسدي . وقيل : إن عليا لما نازل قريظة يوم خيبر سمع سب رسول الله صلى الله عليه وسلم فانصرف إليه وقال : يا رسول الله ، لا تبلغ إليهم ، وعرض له ، فقال : أظنك سمعت شتمي منهم لو رأوني لكفوا عن ذلك ونهض إليهم ، فلما رأوه أمسكوا ، فقال لهم : أنقضتم العهد يا إخوة القردة والخنازير أخزاكم الله وأنزل بكم نقمته فقالوا : ما كنت جاهلا يا محمد فلا تجهل علينا ، من حدثك بهذا ؟ ما خرج هذا الخبر إلا من عندنا ! روي هذا المعنى عن مجاهد .
قوله تعالى وإذا خلا الأصل في " خلا " خلو ، قلبت الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ، وتقدم معنى خلا في أول السورة . ومعنى فتح حكم . والفتح عند العرب : القضاء والحكم ، ومنه قوله تعالى : ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين أي الحاكمين ، والفتاح : القاضي بلغة اليمن ، يقال : بيني وبينك الفتاح ، قيل ذلك لأنه ينصر المظلوم على الظالم . والفتح : النصر ، ومنه قوله : يستفتحون على الذين كفروا ، وقوله : إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح . ويكون بمعنى الفرق بين الشيئين .
قوله تعالى : ليحاجوكم نصب بلام كي ، وإن شئت بإضمار أن ، وعلامة النصب ، حذف النون . قال يونس : وناس من العرب يفتحون لام كي . قال الأخفش : لأن الفتح الأصل . قال خلف الأحمر : هي لغة بني العنبر . ومعنى ليحاجوكم ليعيروكم ، ويقولوا نحن أكرم على الله منكم . وقيل : المعنى ليحتجوا عليكم بقولكم ، يقولون كفرتم به بعد أن وقفتم على صدقه . وقيل : إن الرجل من اليهود كان يلقى صديقه من المسلمين فيقول له : تمسك بدين محمد فإنه نبي حقا . ( عند ربكم ) قيل في الآخرة ، كما قال : ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون . وقيل : عند ذكر ربكم . وقيل : عند بمعنى " في " أي ليحاجوكم به في ربكم ، فيكونوا أحق به منكم لظهور الحجة عليكم ، روي عن الحسن . والحجة : الكلام المستقيم على الإطلاق ، ومن ذلك محجة الطريق . وحاججت فلانا فحججته ، أي غلبته بالحجة . ومنه الحديث : ( فحج آدم موسى ) . أفلا تعقلون قيل : هو من قول الأحبار للأتباع . وقيل : هو خطاب من الله تعالى للمؤمنين ، أي أفلا تعقلون أن بني إسرائيل لا يؤمنون وهم بهذه الأحوال ; ثم وبخهم توبيخا يتلى فقال : أولا يعلمون الآية . فهو استفهام معناه التوبيخ والتقريع . وقرأ الجمهور يعلمون بالياء ، وابن محيصن بالتاء ، خطابا للمؤمنين . والذي أسروه كفرهم ، والذي أعلنوه الجحد به .
وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُم بِهِ عِندَ رَبِّكُمْ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (76)

القول في تأويل قوله تعالى : وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا
قال أبو جعفر: أما قوله: (وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا)، فإنه خبر من الله جل ذكره عن الذين أيأس أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم من إيمانهم - من يهود بني إسرائيل، الذين كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون - وهم الذين إذا لقوا الذين آمنوا بالله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم قالوا: آمنا. يعني بذلك: أنهم إذا لقوا الذين صدقوا بالله وبمحمد صلى الله عليه وسلم وبما جاء به من عند الله، قالوا: آمنا - أي صدقنا بمحمد وبما صدقتم به، وأقررنا بذلك. أخبر الله عز وجل أنهم تخلقوا بأخلاق المنافقين، وسلكوا منهاجهم، كما:-
1335 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي ، عن أبيه, عن جده, عن ابن عباس قوله: (وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم)، وذلك أن نفرا من اليهود كانوا إذا لقوا محمدا صلى الله عليه وسلم قالوا:آمنا, وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا: أتحدثونهم بما فتح الله عليكم.
1336 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا عثمان بن سعيد, عن بشر بن عمارة, عن أبي روق, عن الضحاك, عن ابن عباس: (وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا)، يعني المنافقين من اليهود، كانوا إذا لقوا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم قالوا: آمنا.
* * *
وقد روي عن ابن عباس في تأويل ذلك قول آخر وهو ما:-
1337 - حدثنا به ابن حميد قال، حدثنا سلمة بن الفضل, عن محمد بن إسحاق, عن محمد بن أبي محمد, عن عكرمة, أو عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس: (وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا)، أي: بصاحبكم رسول الله صلى الله عليه وسلم, ولكنه إليكم خاصة.
1338 - حدثنا موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط, عن السدي: (وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا) الآية, قال: هؤلاء ناس من اليهود، آمنوا ثم نافقوا.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى : وَإِذَا خَلا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ (76)
قال أبو جعفر: يعني بقوله: (وإذا خلا بعضهم إلى بعض) أي: إذا خلا بعض هؤلاء اليهود -الذين وصف الله صفتهم- إلى بعض منهم، فصاروا في خلاء من الناس غيرهم, وذلك هو الموضع الذي ليس فيه غيرهم -" قالوا " يعني: قال بعضهم لبعض -: " أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ".
* * *
ثم اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: (بما فتح الله عليكم). فقال بعضهم بما:-
1339 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا عثمان بن سعيد, عن بشر بن عمارة, عن أبي روق, عن الضحاك, عن ابن عباس: (وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم)، يعني: بما أمركم الله به. فيقول الآخرون: إنما نستهزئ بهم ونضحك.
* * *
وقال آخرون بما:-
1340 - حدثنا ابن حميد قال, حدثنا سلمة، عن ابن اسحاق، عن محمد بن أبي محمد، عن عكرمة، أو عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا ، أي: بصاحبكم رسول الله, ولكنه إليكم خاصة, وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا: لا تحدثوا العرب بهذا، فإنكم قد كنتم تستفتحون به عليهم, فكان منهم. (99) فأنـزل الله: (وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم)، أي: تقرون بأنه نبي, وقد علمتم أنه قد أخذ له الميثاق عليكم باتباعه, وهو يخبرهم أنه النبي الذي كنا ننتظر ونجده في كتابنا؟ اجحدوه ولا تقروا لهم به. يقول الله: أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ .
1341 - حدثني المثنى قال، حدثنا آدم قال، حدثنا أبو جعفر, عن الربيع, عن أبي العالية في قوله: (أتحدثونهم بما فتح الله عليكم)، أي بما أنـزل الله عليكم في كتابكم من نعت محمد صلى الله عليه وسلم.
1342 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع, عن سعيد, عن قتادة: (قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم)، أي: بما من الله عليكم في كتابكم من نعت محمد صلى الله عليه وسلم, فإنكم إذا فعلتم ذلك احتجوا به عليكم، (أفلا تعقلون).
1343 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر, عن قتادة: (أتحدثونهم بما فتح الله عليكم)، ليحتجوا به عليكم.
1344 - حدثني المثنى قال، حدثني آدم قال، حدثنا أبو جعفر قال، قال قتادة: (أتحدثونهم بما فتح الله عليكم)، يعني: بما أنـزل الله عليكم من أمر محمد صلى الله عليه وسلم ونعته.
* * *
وقال آخرون في ذلك بما:-
1345 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم, عن عيسى, عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم) قال: قول يهود بني قريظة، (100) حين سبهم النبي صلى الله عليه وسلم بأنهم إخوة القردة والخنازير, قالوا: من حدثك؟ هذا حين أرسل إليهم عليا فآذوا محمدا, فقال: يا إخوة القردة والخنازير. (101)
1346 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيقة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد مثله - إلا أنه قال: هذا، حين أرسل إليهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه وآذوا النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " اخسئوا يا إخوة القردة والخنازير " .
1347 - حدثنا القاسم قال، حدثني الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج قال، أخبرني القاسم بن أبي بزة, عن مجاهد في قوله: (أتحدثونهم بما فتح الله عليكم)، قال: قام النبي صلى الله عليه وسلم يوم قريظة تحت حصونهم فقال: " يا إخوان القردة، ويا إخوان الخنازير، ويا عبدة الطاغوت ". فقالوا: من أخبر هذا محمدا؟ ما خرج هذا إلا منكم!(أتحدثونهم بما فتح الله عليكم)! بما حكم الله، للفتح ، ليكون لهم حجة عليكم. قال ابن جريج, عن مجاهد: هذا حين أرسل إليهم عليا فآذوا محمدا صلى الله عليه وسلم. (102)
* * *
وقال آخرون بما:-
1348 - حدثنا موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط, عن السدي: (قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم) - من العذاب -" ليحاجوكم به عند ربكم " هؤلاء ناس من اليهود آمنوا ثم نافقوا, فكانوا يحدثون المؤمنين من العرب بما عذبوا به, فقال بعضهم لبعض: أتحدثونهم بما فتح الله عليكم من العذاب، ليقولوا نحن أحب إلى الله منكم, وأكرم على الله منكم؟
* * *
وقال آخرون بما:-
1349 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم): قال: كانوا إذا سئلوا عن الشيء قالوا: أما تعلمون في التوراة كذا وكذا؟ قالوا: بلى! - قال: وهم يهود - فيقول لهم رؤساؤهم الذين يرجعون إليهم: ما لكم تخبرونهم بالذي أنـزل الله عليكم فيحاجوكم به عند ربكم؟ أفلا تعقلون؟ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يدخلن علينا قصبة المدينة إلا مؤمن (103) . فقال رؤساؤهم من أهل الكفر والنفاق: اذهبوا فقولوا آمنا, واكفروا إذا رجعتم. قال: فكانوا يأتون المدينة بالبُكَر ويرجعون إليهم بعد العصر (104) وقرأ قول الله: وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْـزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [ آل عمران: 72]. وكانوا يقولون إذا دخلوا المدينة: نحن مسلمون. ليعلموا خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره، فإذا رجعوا رجعوا إلى الكفر. فلما أخبر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بهم, قطع ذلك عنهم فلم يكونوا يدخلون. وكان المؤمنون الذين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يظنون أنهم مؤمنون, فيقولون لهم: أليس قد قال الله لكم كذا وكذا؟ فيقولون: بلى! فإذا رجعوا إلى قومهم [يعني الرؤساء] - قالوا: " أتحدثونهم بما فتح الله عليكم "، الآية. (105)
* * *
وأصل " الفتح " في كلام العرب: النصر والقضاء، والحكم. يقال منه: " اللهم افتح بيني وبين فلان "، أي احكم بيني وبينه, ومنه قول الشاعر:
ألا أبلــغ بنــي عُصْــمٍ رسـولا
بـــأني عــن فُتــاحَتكم غنــي (106)
قال أبو جعفر: قال: ويقال للقاضي: " الفتاح " (107) ومنه قول الله عز وجل: رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ [ الأعراف: 89] أي احكم بيننا وبينهم.
* * *
فإذا كان معنى الفتح ما وصفنا, تبين أن معنى قوله: (قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم) إنما هو أتحدثونهم بما حكم الله به عليكم، وقضاه فيكم؟ ومن حكمه جل ثناؤه عليهم ما أخذ به ميثاقهم من الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم, وبما جاء به في التوراة. ومن قضائه فيهم أن جعل منهم القردة والخنازير, وغير ذلك من أحكامه وقضائه فيهم. وكل ذلك كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين به، حجةً على المكذبين من اليهود المقرين بحكم التوراة، وغير ذلك [من أحكامه وقضائه]. (108)
فإذ كان كذلك. (109) فالذي هو أولى عندي بتأويل الآية قول من قال: معنى ذلك: أتحدثونهم بما فتح الله عليكم من بعث محمد صلى الله عليه وسلم إلى خلقه؟ لأن الله جل ثناؤه إنما قص في أول هذه الآية الخبر عن قولهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأصحابه: آمنا بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم; فالذي هو أولى بآخرها أن يكون نظير الخبر عما ابتدئ به أولها.
وإذا كان ذلك كذلك, فالواجب أن يكون تلاومهم، كان فيما بينهم، فيما كانوا أظهروه لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأصحابه من قولهم لهم: آمنا بمحمد صلى الله عليه وسلم وبما جاء به. وكان قيلهم ذلك، من أجل أنهم يجدون ذلك في كتبهم، وكانوا يخبرون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك. فكان تلاومهم -فيما بينهم إذا خلوا- على ما كانوا يخبرونهم بما هو حجة للمسلمين عليهم عند ربهم. وذلك أنهم كانوا يخبرونهم عن وجود نعت محمد صلى الله عليه وسلم في كتبهم، ويكفرون به, وكان فتح الله الذي فتحه للمسلمين على اليهود، وحكمه عليهم لهم في كتابهم، أن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم إذا بعث. فلما بعث كفروا به، مع علمهم بنبوته.
* * *
قال أبو جعفر: وقوله: (أفلا تعقلون)، خبر من الله تعالى ذكره - عن اليهود اللائمين إخوانهم على ما أخبروا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بما فتح الله لهم عليهم - أنهم قالوا لهم: أفلا تفقهون أيها القوم وتعقلون، أن إخباركم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بما في كتبكم أنه نبي مبعوث، حجة لهم عليكم عند ربكم، يحتجون بها عليكم؟ أي: فلا تفعلوا ذلك, ولا تقولوا لهم مثل ما قلتم, ولا تخبروهم بمثل ما أخبرتموهم به من ذلك. فقال جل ثناؤه: أَوَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ .
* * *
---------------------------
الهوامش :
(99) قوله : "فكان منهم" ، أي كان منهم النبي الذي كانوا يستفتحون به على مشركي العرب ويستنصرون ، ويرجون أن يكون منهم ، فكان من العرب . وسيأتي خبر استفتاحهم بعد في تفسير الآية : 89 من سورة البقرة في هذا الجزء .
(100) في المطبوعة : "يهود من قريظة" ، ليست بشيء .
(101) من أول قوله : "قالوا من حدثك؟ . . " إلى آخر العبارة ، تفسير للقصة قبله . وقوله"فقال : يا إخوة القردة والخنازير" من كلام رسول الله صلى الله عليهم وسلم ، لا كلام علي رضي الله عنه . وسيظهر ذلك في الخبرين بعده .
(102) الأثر : 1347 - في ابن كثير 1 : 214 وفيه : "من أخبر بهذا الأمر محمدا؟ ما خرج هذا القول إلا منكم" .
(103) قصبة القرية : وسطها وجوفها . وقصبة البلاد : مدينتها ، لأنها تكون في أوسطها .
(104) البكر جمع بكرة (بضم فسكون) : وهي الغدوة ، أول النهار .
(105) الأثر : 1349 في ابن كثير 1 : 213 - 214 ، والزيادة بين القوسين منه .
(106) ينسب للأسعر الجعفي ، ومحمد بن حمران بن أبي حمران . انظر تعليق الراجكوتي في سمط اللآلئ : 927 .
(107) أمالي القالي 2 : 281 واللسان (فتح) (رسل) ، وغيرهما ، وبنو عصم ، هم رهط عمرو ابن معد يكرب الزبيدي . وقد اختلفت روايات البيت اختلافا شديدا ، وليس هذا مكان تحقيقها ، لطولها .
(108) ما بين القوسين ، زيادة استظهرتها من سابق بيانه ، ليستقيم الكلام .
(109) في المطبوعة : "فإن كان كذلك" ، والزيادة ماضية على نهج أبي جعفر .
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features