مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ ۗ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261)

هذا بيان للمضاعفة التي ذكرها الله في قوله مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وهنا قال: ( مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ) أي: في طاعته ومرضاته، وأولاها إنفاقها في الجهاد في سبيله ( كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة ) وهذا إحضار لصورة المضاعفة بهذا المثل، الذي كان العبد يشاهده ببصره فيشاهد هذه المضاعفة ببصيرته، فيقوى شاهد الإيمان مع شاهد العيان، فتنقاد النفس مذعنة للإنفاق سامحة بها مؤملة لهذه المضاعفة الجزيلة والمنة الجليلة، ( والله يضاعف ) هذه المضاعفة ( لمن يشاء ) أي: بحسب حال المنفق وإخلاصه وصدقه وبحسب حال النفقة وحلها ونفعها ووقوعها موقعها، ويحتمل أن يكون ( والله يضاعف ) أكثر من هذه المضاعفة ( لمن يشاء ) فيعطيهم أجرهم بغير حساب ( والله واسع ) الفضل، واسع العطاء، لا ينقصه نائل ولا يحفيه سائل، فلا يتوهم المنفق أن تلك المضاعفة فيها نوع مبالغة، لأن الله تعالى لا يتعاظمه شيء ولا ينقصه العطاء على كثرته، ومع هذا فهو ( عليم ) بمن يستحق هذه المضاعفة ومن لا يستحقها، فيضع المضاعفة في موضعها لكمال علمه وحكمته.
مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ ۗ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261)

هذا مثل ضربه الله تعالى لتضعيف الثواب لمن أنفق في سبيله وابتغاء مرضاته ، وأن الحسنة تضاعف بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف ، فقال : ( مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ) قال سعيد بن جبير : في طاعة الله . وقال مكحول : يعني به : الإنفاق في الجهاد ، من رباط الخيل وإعداد السلاح وغير ذلك ، وقال شبيب بن بشر ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : الجهاد والحج ، يضعف الدرهم فيهما إلى سبعمائة ضعف ; ولهذا قال الله تعالى : ( كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة )
وهذا المثل أبلغ في النفوس ، من ذكر عدد السبعمائة ، فإن هذا فيه إشارة إلى أن الأعمال الصالحة ينميها الله عز وجل ، لأصحابها ، كما ينمي الزرع لمن بذره في الأرض الطيبة ، وقد وردت السنة بتضعيف الحسنة إلى سبعمائة ضعف ، قال الإمام أحمد :
حدثنا زياد بن الربيع أبو خداش ، حدثنا واصل مولى ابن عيينة ، عن بشار بن أبي سيف الجرمي ، عن عياض بن غطيف قال : دخلنا على أبي عبيدة [ بن الجراح ] نعوده من شكوى أصابه وامرأته تحيفة قاعدة عند رأسه قلنا : كيف بات أبو عبيدة ؟ قالت : والله لقد بات بأجر ، قال أبو عبيدة : ما بت بأجر ، وكان مقبلا بوجهه على الحائط ، فأقبل على القوم بوجهه ، وقال : ألا تسألوني عما قلت ؟ قالوا : ما أعجبنا ما قلت فنسألك عنه ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من أنفق نفقة فاضلة في سبيل الله فبسبعمائة ، ومن أنفق على نفسه وأهله ، أو عاد مريضا أو ماز أذى ، فالحسنة بعشر أمثالها ، والصوم جنة ما لم يخرقها ، ومن ابتلاه الله عز وجل ، ببلاء في جسده فهو له حطة " .
وقد روى النسائي في الصوم بعضه من حديث واصل به ، ومن وجه آخر موقوفا .
حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن سليمان ، سمعت أبا عمرو الشيباني ، عن ابن مسعود : أن رجلا تصدق بناقة مخطومة في سبيل الله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لتأتين يوم القيامة بسبعمائة ناقة مخطومة " .
ورواه مسلم والنسائي ، من حديث سليمان بن مهران ، عن الأعمش ، به . ولفظ مسلم : جاء رجل بناقة مخطومة ، فقال : يا رسول الله ، هذه في سبيل الله . فقال : " لك بها يوم القيامة سبعمائة ناقة " .
حديث آخر : قال أحمد : حدثنا عمرو بن مجمع أبو المنذر الكندي ، أخبرنا إبراهيم الهجري ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله عز وجل ، جعل حسنة ابن آدم بعشر أمثالها ، إلى سبعمائة ضعف ، إلا الصوم ، والصوم لي وأنا أجزي به ، وللصائم فرحتان : فرحة عند إفطاره وفرحة يوم القيامة ، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك " .
حديث آخر : قال [ الإمام ] أحمد : حدثنا وكيع ، حدثنا الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كل عمل ابن آدم يضاعف ، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف ، إلى ما شاء الله ، يقول الله : إلا الصوم ، فإنه لي وأنا أجزي به ، يدع طعامه وشهوته من أجلي ، وللصائم فرحتان : فرحة عند فطره ، وفرحة عند لقاء ربه ، ولخلوف فيه أطيب عند الله من ريح المسك . الصوم جنة ، الصوم جنة " . وكذا رواه مسلم ، عن أبي بكر بن أبي شيبة ، وأبي سعيد الأشج ، كلاهما عن وكيع ، به .
حديث آخر : قال أحمد : حدثنا حسين بن علي ، عن زائدة ، عن الركين ، عن يسير بن عميلة عن خريم بن فاتك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أنفق نفقة في سبيل الله تضاعف بسبعمائة ضعف " .
حديث آخر : قال أبو داود : حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح ، حدثنا ابن وهب ، عن يحيى بن أيوب وسعيد بن أبي أيوب ، عن زبان بن فائد ، عن سهل بن معاذ ، عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الصلاة والصيام والذكر يضاعف على النفقة في سبيل الله سبعمائة ضعف " .
حديث آخر : قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا هارون بن عبد الله بن مروان ، حدثنا ابن أبي فديك ، عن الخليل بن عبد الله ، عن الحسن ، عن عمران بن حصين ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من أرسل بنفقة في سبيل الله ، وأقام في بيته فله بكل درهم سبعمائة درهم يوم القيامة ، ومن غزا في سبيل الله ، وأنفق في جهة ذلك فله بكل درهم سبعمائة ألف درهم " . ثم تلا هذه الآية : ( والله يضاعف لمن يشاء ) وهذا حديث غريب .
وقد تقدم حديث أبي عثمان النهدي ، عن أبي هريرة في تضعيف الحسنة إلى ألفي ألف حسنة ، عند قوله : ( من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة ) [ البقرة : 245 ] .
حديث آخر : قال ابن مردويه : حدثنا عبد الله بن عبيد الله بن العسكري البزاز ، أخبرنا الحسن بن علي بن شبيب ، أخبرنا محمود بن خالد الدمشقي ، أخبرنا أبي ، عن عيسى بن المسيب ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : لما نزلت هذه الآية : ( مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ) قال النبي صلى الله عليه وسلم : " رب زد أمتي " قال : فأنزل الله : ( من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا ) قال : " رب زد أمتي " قال : فأنزل الله : ( إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ) [ الزمر : 10 ] .
وقد رواه أبو حاتم بن حبان في صحيحه ، عن حاجب بن أركين ، عن أبي عمر حفص بن عمر بن عبد العزيز المقرئ ، عن أبي إسماعيل المؤدب ، عن عيسى بن المسيب ، عن نافع ، عن ابن عمر ، فذكره .
وقوله هاهنا : ( والله يضاعف لمن يشاء ) أي : بحسب إخلاصه في عمله ( والله واسع عليم ) أي : فضله واسع كثير أكثر من خلقه ، عليم بمن يستحق ومن لا يستحق .
مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ ۗ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261)

قوله تعالى : ( مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ) فيه إضمار تقديره مثل صدقات الذين ينفقون أموالهم ( كمثل ) زارع ( حبة ) وأراد بسبيل الله الجهاد وقيل جميع أبواب الخير ( أنبتت ) أخرجت ( سبع سنابل ) جمع سنبلة ( في كل سنبلة مائة حبة ) فإن قيل فما رأينا سنبلة فيها مائة حبة فكيف ضرب المثل به؟ قيل : ذلك متصور غير مستحيل وما لا يكون مستحيلا جاز ضرب المثل به وإن لم يوجد معناه : ( في كل سنبلة مائة حبة ) فما حدث من البذر الذي كان فيها كان مضاعفا إليها وكذلك تأوله الضحاك فقال : كل سنبلة أنبتت مائة حبة ( والله يضاعف لمن يشاء ) قيل : معناه يضاعف هذه المضاعفة لمن يشاء وقيل : معناه يضاعف على هذا ويزيد لمن يشاء ما بين سبع إلى سبعين إلى سبعمائة إلى ما شاء الله من الأضعاف مما لا يعلمه إلا الله ( والله واسع ) غني يعطي عن سعة ( عليم ) بنية من ينفق ماله .
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features