وَمَا كَانَ هَٰذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَىٰ مِن دُونِ اللَّهِ وَلَٰكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ (37)

يقول تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ‏}‏ أي‏:‏ غير ممكن ولا متصور، أن يفترى هذا القرآن على الله تعالى، لأنه الكتاب العظيم الذي ‏{‏لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ‏}‏ وهو الكتاب الذي لو اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثله لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرًا، وهو كتاب الله الذي تكلم به ‏[‏رب العالمين‏]‏، فكيف يقدر أحد من الخلق، أن يتكلم بمثله، أو بما يقاربه، والكلام تابع لعظمة المتكلم ووصفه‏؟‏‏"‏‏.‏
فإن كان أحد يماثل الله في عظمته، وأوصاف كماله، أمكن أن يأتي بمثل هذا القرآن، ولو تنزلنا على الفرض والتقدير، فتقوله أحد على رب العالمين، لعاجله بالعقوبة، وبادره بالنكال‏.‏
{‏وَلَكِنْ‏}‏ الله أنزل هذا الكتاب، رحمة للعالمين، وحجة على العباد أجمعين‏.‏
أنزله ‏{‏تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ‏}‏ من كتب الله السماوية، بأن وافقها، وصدقها بما شهدت به، وبشرت بنزوله، فوقع كما أخبرت‏.‏
{‏وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ‏}‏ للحلال والحرام، والأحكام الدينية والقدرية، والإخبارات الصادقة‏.‏
{‏لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ‏}‏ أي‏:‏ لا شك ولا مرية فيه بوجه من الوجوه، بل هو الحق اليقين‏:‏ تنزيل من رب العالمين الذي ربى جميع الخلق بنعمه‏.‏
ومن أعظم أنواع تربيته أن أنزل عليهم هذا الكتاب الذي فيه مصالحهم الدينية والدنيوية، المشتمل على مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال‏.‏
وَمَا كَانَ هَٰذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَىٰ مِن دُونِ اللَّهِ وَلَٰكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ (37)

هذا بيان لإعجاز القرآن ، وأنه لا يستطيع البشر أن يأتوا بمثله ، ولا بعشر سور ، ولا بسورة من مثله ، لأنه بفصاحته وبلاغته ووجازته وحلاوته ، واشتماله على المعاني العزيزة [ للعزيزة ] النافعة في الدنيا والآخرة ، لا يكون إلا من عند الله الذي لا يشبهه شيء في ذاته ولا صفاته ، ولا في أفعاله وأقواله ، فكلامه لا يشبه كلام المخلوقين ؛ ولهذا قال تعالى : ( وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله ) أي : مثل هذا القرآن لا يكون إلا من عند الله ، ولا يشبه هذا كلام البشر ، ( ولكن تصديق الذي بين يديه ) أي : من الكتب المتقدمة ، ومهيمنا عليها ، ومبينا لما وقع فيها من التحريف والتأويل والتبديل .
وقوله : ( وتفصيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين ) أي : وبيان الأحكام والحلال والحرام ، بيانا شافيا كافيا حقا لا مرية فيه من الله رب العالمين ، كما تقدم في حديث الحارث الأعور ، عن علي بن أبي طالب : " فيه خبر ما قبلكم ، ونبأ ما بعدكم ، وفصل ما بينكم " ، أي : خبر عما سلف وعما سيأتي ، وحكم فيما بين الناس بالشرع الذي يحبه الله ويرضاه .
وَمَا كَانَ هَٰذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَىٰ مِن دُونِ اللَّهِ وَلَٰكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ (37)

قوله تعالى : ( وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله ) قال الفراء : معناه : وما ينبغي لمثل هذا القرآن أن يفترى من دون الله ، كقوله تعالى : " وما كان لنبي أن يغل " ( آل عمران - 161 ) .
وقيل : " أن " بمعنى اللام ، أي : وما كان هذا القرآن ليفترى من دون الله .
قوله : ( ولكن تصديق الذي بين يديه ) أي : بين يدي القرآن من التوراة والإنجيل .
وقيل : تصديق الذي بين يدي القرآن من القيامة والبعث ، ( وتفصيل الكتاب ) تبيين ما في الكتاب من الحلال والحرام والفرائض والأحكام ، ( لا ريب فيه من رب العالمين ) .
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features