وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً ۚ وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (8)

{ وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ } سخرناها لكم { لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً } أي: تارة تستعملونها للضرورة في الركوب وتارة لأجل الجمال والزينة، ولم يذكر الأكل لأن البغال والحمر محرم أكلها، والخيل لا تستعمل -في الغالب- للأكل، بل ينهى عن ذبحها لأجل الأكل خوفا من انقطاعها وإلا فقد ثبت في الصحيحين، أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن في لحوم الخيل.{ وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ } مما يكون بعد نزول القرآن من الأشياء، التي يركبها الخلق في البر والبحر والجو، ويستعملونها في منافعهم ومصالحهم، فإنه لم يذكرها بأعيانها، لأن الله تعالى لا يذكر في كتابه إلا ما يعرفه العباد، أو يعرفون نظيره، وأما ما ليس له نظير في زمانهم فإنه لو ذكر لم يعرفوه ولم يفهموا المراد منه، فيذكر أصلا جامعا يدخل فيه ما يعلمون وما لا يعلمون، كما ذكر نعيم الجنة وسمى منه ما نعلم ونشاهد نظيره، كالنخل والأعناب والرمان، وأجمل ما لا نعرف له نظيرا في قوله: { فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَان } فكذلك هنا ذكر ما نعرفه من المراكب كالخيل والبغال والحمير والإبل والسفن، وأجمل الباقي في قوله: { وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ } ولما ذكر تعالى الطريق الحسي، وأن الله قد جعل للعباد ما يقطعونه به من الإبل وغيرها ذكر الطريق المعنوي الموصل إليه
وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً ۚ وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (8)

( والخيل ) يعني : وخلق الخيل ، وهي اسم جنس لا واحد له من لفظه كالإبل والنساء ، ( والبغال والحمير لتركبوها وزينة ) يعني وجعلها زينة لكم مع المنافع التي فيها .
واحتج بهذه الآية من حرم لحوم الخيل ، وهو قول ابن عباس ، وتلا هذه الآية ، فقال : هذه للركوب [ وإليه ذهب ] الحكم ، ومالك ، وأبو حنيفة .
وذهب جماعة إلى إباحة لحوم الخيل ، وهو قول الحسن ، وشريح ، وعطاء ، وسعيد بن جبير ، وبه قال الشافعي ، وأحمد ، وإسحاق .
ومن أباحها قال : ليس المراد من الآية بيان التحليل والتحريم بل المراد منه تعريف الله عباده نعمه وتنبيههم على كمال قدرته وحكمته ، واحتجوا بما :
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا سليمان بن حرب ، حدثنا حماد بن زيد عن عمرو - هو ابن دينار - عن محمد بن علي ، عن جابر رضي الله عنه قال : " نهى النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن لحوم الحمر ورخص في لحوم الخيل " . .
أخبرنا أبو الفرج المظفر بن إسماعيل التميمي ، أخبرنا أبو القاسم حمزة بن يوسف السهمي ، أخبرنا أبو أحمد عبد الله بن عدي الحافظ ، حدثنا الحسن بن الفرج ، حدثنا عمرو بن خالد ، حدثنا عبد الله بن عبد الكريم ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن جابر : أنهم كانوا يأكلون لحوم الخيل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم . ونهى عن لحوم البغال والحمير; روي عن المقدام بن معدي كرب عن خالد بن الوليد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل لحوم الخيل والبغال والحمير وإسناده ضعيف .
( ويخلق ما لا تعلمون ) قيل : يعني ما أعد الله في الجنة لأهلها ، وفي النار لأهلها ، مما لم تره عين ولم تسمعه أذن ولا خطر على قلب بشر .
وقال قتادة يعني : السوس في النبات والدود في الفواكه .
وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً ۚ وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (8)

يقول تعالى ذكره: وخلق الخيل والبغال والحمير لكم أيضا لتركبوها وزينة : يقول: وجعلها لكم زينة تتزينون بها مع المنافع التي فيها لكم، للركوب وغير ذلك ، ونصب الخيل والبغال عطفا على الهاء والألف في قوله خَلَقَهَا ، ونصب الزينة بفعل مضمر على ما بيَّنت، ولو لم يكن معها واو وكان الكلام: لتركبوها زينة ، كانت منصوبة بالفعل الذي قبلها الذي هي به متصلة، ولكن دخول الواو آذنت بأن معها ضمير فعل ، وبانقطاعها عن الفعل الذي قبلها.
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة ( لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً ) قال: جعلها لتركبوها، وجعلها زينة لكم ، وكان بعض أهل العلم يرى أن في هذه الآية دلالة على تحريم أكل لحوم الخيل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيي بن واضح، قال: ثنا أبو ضمرة، عن أبي إسحاق، عن رجل، عن ابن عباس، قوله ( وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا ) قال: هذه للركوب. وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ قال: هذه للأكل.
حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، قال: ثنا هشام الدستوائي ، قال: ثنا يحيى بن أبي كثير، عن مولى نافع بن علقمة: أن ابن عباس كان يكره لحوم الخيل والبغال والحمير، وكان يقول: قال الله وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ فهذه للأكل، ( وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا ) فهذه للركوب.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن ابن أبي ليلى، عن المنهال، عن سعيد، عن ابن عباس: أنه سئل عن لحوم الخيل، فكرهها وتلا هذه الآية ( وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا ) ... الآية.
حدثنا أحمد، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا قيس بن الربيع، عن ابن أبي ليلى عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: أنه سئل عن لحوم الخيل، فقال: اقرأ التي قبلها وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ ...... وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً فجعل هذه للأكل، وهذه للركوب.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا يحيى بن عبد الملك بن أبي غنية، عن أبيه، عن الحكم وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ فجعل منه الأكل. ثم قرأ حتى بلغ ( وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا ) قال: لم يجعل لكم فيها أكلا. قال: وكان الحكم يقول: والخيل والبغال والحمير حرام في كتاب الله.
حدثنا أحمد، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا ابن أبي غنية ، عن الحكم، قال: لحوم الخيل حرام في كتاب الله ، ثم قرأ وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ ... إلى قوله ( لِتَرْكَبُوهَا ) . وكان جماعة غيرهم من أهل العلم يخالفونهم في هذا التأويل، ويرون أن ذلك غير دالّ على تحريم شيء، وأن الله جلّ ثناؤه إنما عرف عباده بهذه الآية وسائر ما في أوائل هذه السورة نعمه عليهم ونبههم به على حججه عليهم ، وأدلته على وحدانيته ، وخطأ فعل من يشرك به من أهل الشرك.
* ذكر بعض من كان لا يرى بأسا بأكل لحم الفرس.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن شعبة، عن مغيرة، عن إبراهيم، عن الأسود: أنه أكل لحم الفرس.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن شعبة، عن الحكم، عن إبراهيم، عن الأسود بنحوه.
حدثنا أحمد، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن إبراهيم قال: نحر أصحابنا فرسا في النجع وأكلوا منه، ولم يروا به بأسا.
والصواب من القول في ذلك عندنا ما قاله أهل القول الثاني، وذلك أنه لو كان في قوله تعالى ذكره ( لِتَرْكَبُوهَا ) دلالة على أنها لا تصلح ، إذ كانت للركوب للأكل - لكان في قوله فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ دلالة على أنها لا تصلح إذ كانت للأكل والدفء للركوب. وفي إجماع الجميع على أن ركوب ما قال تعالى ذكره وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ جائز حلال غير حرام، دليل واضح على أن أكل ما قال ( لِتَرْكَبُوهَا ) جائز حلال غير حرام، إلا بما نص على تحريمه أو وضع على تحريمه دلالة من كتاب أو وحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . فأما بهذه الآية فلا يحرم أكل شيء. وقد وضع الدلالة على تحريم لحوم الحمر الأهلية بوحيه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى البغال بما قد بيَّنا في كتابنا ، كتاب الأطعمة بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع، إذ لم يكن هذا الموضع من مواضع البيان عن تحريم ذلك، وإنما ذكرنا ما ذكرنا ليدلّ على أنه لا وجه لقول من استدلّ بهذه الآية على تحريم لحم الفرس.
حدثنا أحمد، ثنا أبو أحمد، قال: ثنا إسرائيل، عن عبد الكريم، عن عطاء، عن جابر، قال: كنا نأكل لحم الخيل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. قلت: فالبغال؟ قال: أما البغال فلا.
وقوله ( وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ ) يقول تعالى ذكره: ويخلق ربكم مع خلقه هذه الأشياء التي ذكرها لكم ما لا تعلمون مما أعدّ في الجنة لأهلها وفي النار لأهلها مما لم تره عين ولا سمعته أذن ولا خطر على قلب بشر.
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features