الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا ۗ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ۚ فَمَن جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىٰ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَمَنْ عَادَ فَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (275)

يخبر تعالى عن أكلة الربا وسوء مآلهم وشدة منقلبهم، أنهم لا يقومون من قبورهم ليوم نشورهم { إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس } أي: يصرعه الشيطان بالجنون، فيقومون من قبورهم حيارى سكارى مضطربين، متوقعين لعظيم النكال وعسر الوبال، فكما تقلبت عقولهم و { قالوا إنما البيع مثل الربا } وهذا لا يكون إلا من جاهل عظيم جهله، أو متجاهل عظيم عناده، جازاهم الله من جنس أحوالهم فصارت أحوالهم أحوال المجانين، ويحتمل أن يكون قوله: { لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس } أنه لما انسلبت عقولهم في طلب المكاسب الربوية خفت أحلامهم وضعفت آراؤهم، وصاروا في هيئتهم وحركاتهم يشبهون المجانين في عدم انتظامها وانسلاخ العقل الأدبي عنهم، قال الله تعالى رادا عليهم ومبينا حكمته العظيمة { وأحل الله البيع } أي: لما فيه من عموم المصلحة وشدة الحاجة وحصول الضرر بتحريمه، وهذا أصل في حل جميع أنواع التصرفات الكسبية حتى يرد ما يدل على المنع { وحرم الربا } لما فيه من الظلم وسوء العاقبة، والربا نوعان: ربا نسيئة كبيع الربا بما يشاركه في العلة نسيئة، ومنه جعل ما في الذمة رأس مال، سلم، وربا فضل، وهو بيع ما يجري فيه الربا بجنسه متفاضلا، وكلاهما محرم بالكتاب والسنة، والإجماع على ربا النسيئة، وشذ من أباح ربا الفضل وخالف النصوص المستفيضة، بل الربا من كبائر الذنوب وموبقاتها { فمن جاءه موعظة من ربه } أي: وعظ وتذكير وترهيب عن تعاطي الربا على يد من قيضه الله لموعظته رحمة من الله بالموعوظ، وإقامة للحجة عليه { فانتهى } عن فعله وانزجر عن تعاطيه { فله ما سلف } أي: ما تقدم من المعاملات التي فعلها قبل أن تبلغه الموعظة جزاء لقبوله للنصيحة، دل مفهوم الآية أن من لم ينته جوزي بالأول والآخر { وأمره إلى الله } في مجازاته وفيما يستقبل من أموره { ومن عاد } إلى تعاطي الربا ولم تنفعه الموعظة، بل أصر على ذلك { فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون } اختلف العلماء رحمهم الله في نصوص الوعيد التي ظاهرها تخليد أهل الكبائر من الذنوب التي دون الشرك بالله، والأحسن فيها أن يقال هذه الأمور التي رتب الله عليها الخلود في النار موجبات ومقتضيات لذلك، ولكن الموجب إن لم يوجد ما يمنعه ترتب عليه مقتضاه، وقد علم بالكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة أن التوحيد والإيمان مانع من الخلود في النار، فلولا ما مع الإنسان من التوحيد لصار عمله صالحا للخلود فيها بقطع النظر عن كفره.
الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا ۗ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ۚ فَمَن جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىٰ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَمَنْ عَادَ فَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (275)

قوله تعالى : ( الذين يأكلون الربا ) أي يعاملون به وإنما خص الأكل لأنه معظم المقصود من المال ( لا يقومون ) يعني يوم القيامة من قبورهم ( إلا كما يقوم الذي يتخبطه ) أي يصرعه ( الشيطان ) أصل الخبط الضرب والوطء وهو ضرب على غير استواء يقال : ناقة خبوط للتي تطأ الناس وتضرب الأرض بقوائمها ( من المس ) أي الجنون يقال : مس الرجل فهو ممسوس إذا كان مجنونا ومعناه : أن آكل الربا يبعث يوم القيامة وهو كمثل المصروع .
أخبرنا أبو سعيد أحمد بن إبراهيم السرخسي أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي ، أخبرنا عبد الله بن حامد ، أخبرنا أحمد بن محمد بن يوسف ، أخبرنا عبد الله بن يحيى ، أخبرنا يعقوب بن سفيان أخبرنا إسماعيل بن سالم ، أخبرنا عباد بن عباد عن أبي هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قصة الإسراء قال : " فانطلق بي جبريل عليه السلام إلى رجال كثير كل رجل منهم بطنه مثل البيت الضخم منضدين على سابلة آل فرعون - وآل فرعون يعرضون على النار غدوا وعشيا - قال : فيقبلون مثل الإبل المنهومة يخبطون الحجارة والشجر لا يسمعون ولا يعقلون فإذا أحس بهم أصحاب تلك البطون قاموا فتميل بهم بطونهم فيصرعون ثم يقوم أحدهم فيميل به بطنه فيصرع فلا يستطيعون أن يبرحوا حتى يغشاهم آل فرعون فيردوهم مقبلين ومدبرين فذلك عذابهم في البرزخ بين الدنيا والآخرة ( قال ) وآل فرعون يقولون : اللهم لا تقم الساعة أبدا ( قال ) ويوم القيامة يقال : " أدخلوا آل فرعون أشد العذاب " ( 46 - غافر ) قلت : يا جبريل من هؤلاء؟ قال : هؤلاء الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس " .
قوله تعالى : ( ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا ) أي ذلك الذي نزل بهم لقولهم هذا واستحلالهم إياه وذلك أن أهل الجاهلية كان أحدهم إذا حل ماله على غريمه فطالبه به فيقول الغريم لصاحب الحق : زدني في الأجل حتى أزيدك في المال فيفعلان ذلك ويقولون سواء علينا الزيادة في أول البيع بالربح أو عند المحل لأجل التأخير فكذبهم الله تعالى وقال : ( وأحل الله البيع وحرم الربا ) واعلم أن الربا في اللغة الزيادة قال الله تعالى : " وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس " أي ليكثر " فلا يربو عند الله " ( 39 - الروم ) وطلب الزيادة بطريق التجارة غير حرام في الجملة إنما المحرم زيادة على صفة مخصوصة في مال مخصوص بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب ، أخبرنا عبد العزيز بن أحمد الخلال ، أخبرنا أبو العباس الأصم ، أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا عبد الوهاب عن أيوب بن أبي تميمة عن محمد بن سيرين عن مسلم بن يسار ورجل آخر عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا تبيعوا الذهب بالذهب ولا الورق بالورق ولا البر بالبر ولا الشعير بالشعير ولا التمر بالتمر ولا الملح بالملح إلا سواء بسواء عينا بعين يدا بيد ولكن بيعوا الذهب بالورق والورق بالذهب والبر بالشعير والشعير بالبر والتمر بالملح والملح بالتمر يدا بيد كيف شئتم - ونقص أحدهما الملح أو التمر وزاد أحدهما من زاد وازداد فقد أربى " . وروى هذا الحديث مطرف عن محمد بن سيرين عن مسلم بن يسار وعبد الله بن عتيك عن عبادة فالنبي صلى الله عليه وسلم نص على ستة أشياء .
وذهب عامة أهل العلم إلى أن حكم الربا يثبت في هذه الأشياء الست بالأوصاف فيها فيتعدى إلى كل مال توجد فيه تلك الأوصاف ثم اختلفوا في تلك الأوصاف فذهب قوم إلى أن المعنى في جميعها واحد وهو النفع وأثبتوا الربا في جميع الأموال وذهب الأكثرون إلى أن الربا يثبت في الدراهم والدنانير بوصف وفي الأشياء المطعومة بوصف آخر واختلفوا في ذلك الوصف فقال قوم : ثبت في الدراهم والدنانير بوصف النقدية وهو قول مالك والشافعي وقال قوم : ثبت بعلة الوزن وهو قول أصحاب الرأي وأثبتوا الربا في جميع الموزونات مثل الحديد والنحاس والقطن ونحوها .
وأما الأشياء الأربعة فذهب قوم إلى أن الربا ثبت فيها بعلة الكيل وهو قول أصحاب الرأي وأثبتوا الربا في جميع المكيلات مطعوما كان أو غير مطعوم كالجص والنورة ونحوها وذهب جماعة إلى أن العلة فيها الطعم مع الكيل والوزن فكل مطعوم وهو مكيل أو موزون يثبت فيه الربا ولا يثبت فيما ليس بمكيل ولا موزون وهو قول سعيد بن المسيب وقاله الشافعي رحمه الله في القديم وقال في الجديد : يثبت فيها الربا بوصف الطعم وأثبت الربا في جميع الأشياء المطعومة من الثمار والفواكه والبقول والأدوية مكيلة كانت أو موزونة لما روي عن معمر بن عبد الله قال : كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " الطعام بالطعام مثلا بمثل " . فجملة مال الربا عند الشافعي ما كان ثمنا أو مطعوما والربا نوعان : ربا الفضل وربا النساء فإذا باع مال الربا بجنسه مثلا بمثل بأن باع أحد النقدين بجنسه أو باع مطعوما بجنسه كالحنطة بالحنطة ونحوها يثبت فيه كلا نوعي الربا حتى لا يجوز إلا متساويين في معيار الشرع فإن كان موزونا كالدراهم والدنانير فيشترط المساواة في الوزن وإن كان مكيلا كالحنطة والشعير بيع بجنسه فيشترط المساواة في الكيل ويشترط التقابض في مجلس العقد وإذا باع مال الربا بغير جنسه نظر : إن باع بما لا يوافقه في وصف الربا مثل أن باع مطعوما بأحد النقدين فلا ربا فيه كما لو باعه بغير مال الربا أو إن باعه بما يوافقه مع الوصف مثل أن باع الدراهم بالدنانير أو باع الحنطة بالشعير أو باع مطعوما بمطعوم آخر من غير جنسه فلا يثبت فيه ربا الفضل حتى يجوز متفاضلا أو جزافا ويثبت فيه ربا النساء حتى يشترط التقابض في المجلس وقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا تبيعوا الذهب بالذهب - إلى أن قال - إلا سواء بسواء " فيه إيجاب المماثلة وتحريم الفضل عند اتفاق الجنس وقوله " عينا بعين " فيه تحريم النساء وقوله " يدا بيد كيف شئتم " فيه إطلاق التفاضل عند اختلاف الجنس مع إيجاب التقابض في المجلس هذا في ربا المبايعة .
ومن أقرض شيئا بشرط أن يرد عليه أفضل فهو قرض جر منفعة وكل قرض جر منفعة فهو ربا .
قوله تعالى : ( فمن جاءه موعظة من ربه ) تذكير وتخويف وإنما ذكر الفعل ردا إلى الوعظ ( فانتهى ) عن أكل الربا ( فله ما سلف ) أي ما مضى من ذنبه قبل النهي مغفور له ( وأمره إلى الله ) بعد النهي إن شاء عصمه حيث يثبت على الانتهاء وإن شاء خذله حتى يعود وقيل : ( ما سلف وأمره إلى الله ) فيما يأمره وينهاه ويحل له ويحرم عليه وليس إليه من أمر نفسه شيء ( ومن عاد ) بعد التحريم إلى أكل الربا مستحلا له ( فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون )
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف أخبرنا محمد بن إسماعيل ، أخبرنا محمد بن المثنى حدثني غندر أخبرنا شعبة عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه أنه قال : إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الدم وثمن الكلب وكسب البغي ولعن آكل الربا وموكله والواشمة والمستوشمة والمصور " .
أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر الجرجاني ، أخبرنا عبد الغافر بن محمد الفارسي ، أخبرنا محمد بن عيسى الجلودي أخبرنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، أخبرنا مسلم بن الحجاج ، أخبرنا زهير بن حرب ، أخبرنا هشيم أخبرنا أبو الزبير ، عن جابر رضي الله عنه قال : لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه وقال : " هم سواء " .
أخبرنا أبو سعيد الشريحي ، أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي ، أنا أبو محمد المخلدي ، أنا أبو حامد بن الشرقي أخبرنا أحمد بن يوسف السلمي ، أخبرنا النضر بن محمد ، أخبرنا عكرمة بن عمار ، أخبرنا يحيى هو ابن أبي كثير قال : حدثني أبو سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الربا سبعون بابا أهونها عند الله عز وجل كالذي ينكح أمه " .
الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا ۗ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ۚ فَمَن جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىٰ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَمَنْ عَادَ فَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (275)

القول في تأويل قوله تعالى : الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: الذين يُرْبون.
* * *
و " الإرباء " الزيادة على الشيء، يقال منه: " أرْبى فلان على فلان "، إذا زاد عليه،" يربي إرباءً"، والزيادة هي" الربا "،" وربا الشيء "، إذا زاد على ما كان عليه فعظم،" فهو يَرْبو رَبْوًا ". وإنما قيل للرابية [رابية]، (1) لزيادتها في العظم والإشراف على ما استوى من الأرض مما حولها، من قولهم: " ربا يربو ". ومن ذلك قيل: " فلان في رَباوَة قومه "، (2) يراد أنه في رفعة وشرف منهم، فأصل " الربا "، الإنافة والزيادة، ثم يقال: " أربى فلان " أي أناف [ماله، حين] صيَّره زائدًا. (3) وإنما قيل للمربي: " مُرْبٍ"، لتضعيفه المال، الذي كان له على غريمه حالا أو لزيادته عليه فيه لسبب الأجل الذي يؤخره إليه فيزيده إلى أجله الذي كان له قبلَ حَلّ دينه عليه. ولذلك قال جل ثناؤه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً . [آل عمران: 130].
* * *
وبمثل الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل:
ذكر من قال ذلك:
6235 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال، في الربا الذي نهى الله عنه: كانوا في الجاهلية يكون للرجل على الرجل الدّينُ فيقول: لك كذا وكذا وتؤخِّر عني! فيؤخَّر عنه.
* - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
6237 - حدثني بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: أن ربا أهل الجاهلية: يبيعُ الرجل البيع إلى أجل مسمًّى، فإذا حل الأجل ولم يكن عند صاحبه قضاء، زاده وأخَّر عنه.
* * *
قال أبو جعفر: فقال جل ثناؤه: الذين يُرْبون الربا الذي وصفنا صفته في الدنيا=" لا يقومون " في الآخرة من قبورهم =" إلا كما يقوم الذي يتخبَّطه الشيطانُ من المس "، يعني بذلك: يتخبَّله الشيطان في الدنيا، (4) وهو الذي يخنقه فيصرعه (5) =" من المس "، يعني: من الجنون.
وبمثل ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
6238 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله عز وجل: " الذين يأكلون الرّبا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المسّ"، يوم القيامة، في أكل الرِّبا في الدنيا.
6239 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.
6240 - حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج بن المنهال قال، حدثنا ربيعة بن كلثوم قال، حدثني أبي، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: " الذين يأكلون الرّبا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس "، قال: ذلك حين يُبعث من قبره. (6)
6241 - حدثني المثنى قال، حدثنا مسلم بن إبراهيم قال، حدثنا ربيعة بن كلثوم قال، حدثني أبي، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: يُقال يوم القيامة لآكل الرّبا: " خذْ سلاحك للحرب "، وقرأ: " لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المسّ"، قال: ذلك حين يبعث من قبره.
6242 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن أشعث، عن جعفر، عن سعيد بن جبير: " الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المسّ". الآية، قال: يبعث آكل الربا يوم القيامة مَجْنونًا يُخنق. (7)
6243 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " الذين يأكلون الربا لا يقومون "، الآية، وتلك علامةُ أهل الرّبا يوم القيامة، بُعثوا وبهم خَبَلٌ من الشيطان.
6244 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: " لا يقومون إلا كما يقومُ الذي يتخبطه الشيطان من المس " قال: هو التخبُّل الذي يتخبَّله الشيطان من الجنون.
6245 - حدثت عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: " الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المسّ"، قال: يبعثون يوم القيامة وبهم خَبَل من الشيطان. وهي في بعض القراءة: ( لا يَقُومُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) .
6246 - حدثنا المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاك في قوله: " الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس "، قال: من مات وهو يأكل الربا، بعث يوم القيامة متخبِّطًا، كالذي يتخبطه الشيطان من المسّ.
6247 - حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المسّ"، يعني: من الجنون.
6248 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المسّ". قال: هذا مثلهم يومَ القيامة، لا يقومون يوم القيامة مع الناس، إلا كما يقوم الذي يُخنق من الناس، كأنه خُنق، كأنه مجنون (8) .
* * *
قال أبو جعفر: ومعنى قوله: " يتخبطه الشيطانُ من المسّ"، يتخبله من مَسِّه إياه. يقال منه: " قد مُسّ الرجل وأُلقِ، فهو مَمسوس ومَألوق "، كل ذلك إذا ألمّ به اللَّمَمُ فجُنّ. ومنه قول الله عز وجلّ: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا [الأعراف: 201]، ومنه قول الأعشى:
وَتُصْبـحُ عَـنْ غِـبِّ السُّـرَى, وكأَنَّمَا
أَلَـمَّ بِهَـا مِـنْ طَـائِفِ الجِـنِّ أَوْلَـقُ (9)
* * *
فإن قال لنا قائل: أفرأيت من عمل ما نهى الله عنه من الرِّبا في تجارته ولم يأكله، أيستحقّ هذا الوعيدَ من الله؟
قيل: نعم، وليس المقصود من الربا في هذه الآية الأكلُ، إلا أنّ الذين نـزلت فيهم هذه الآيات يوم نـزلت، كانت طُعمتهم ومأكلُهم من الربا، فذكرهم بصفتهم، معظّمًا بذلك عليهم أمرَ الرّبا، ومقبِّحًا إليهم الحال التي هم عليها في مطاعمهم، وفي قوله جل ثناؤه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [سورة البقرة: 278-279] الآية، ما ينبئ عن صحة ما قلنا في ذلك، وأنّ التحريم من الله في ذلك كان لكل معاني الرّبا، وأنّ سواءً العملُ به وأكلُه وأخذُه وإعطاؤُه، (10) كالذي تظاهرت به الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله:
6249-" لعن الله آكلَ الرّبا، وُمؤْكِلَه، وكاتبَه، وشاهدَيْه إذا علموا به ". (11)
* * *
القول في تأويل قوله : ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا
قال أبو جعفر: يعني بـ" ذلك " جل ثناؤه: ذلك الذي وصفهم به من قيامهم يوم القيامة من قبورهم، كقيام الذي يتخبطه الشيطان من المسّ من الجنون، فقال تعالى ذكره: هذا الذي ذكرنا أنه يصيبهم يوم القيامة من قُبْح حالهم، ووَحشة قيامهم من قبورهم، وسوء ما حلّ بهم، من أجل أنهم كانوا في الدنيا يكذبون ويفترون ويقولون: " إنما البيع " الذي أحله الله لعباده =" مثلُ الرّبا ". وذلك أن الذين كانوا يأكلون من الرّبا من أهل الجاهلية، كان إذا حلّ مالُ أحدهم على غريمه، يقول الغَريم لغريم الحق: " زدني في الأجل وأزيدك في مالك ". فكان يقال لهما إذا فعلا ذلك: " هذا ربًا لا يحل ". فإذا قيل لهما ذلك قالا " سواء علينا زدنا في أول البيع، أو عند مَحِلّ المال "! فكذَّبهم الله في قيلهم فقال: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ .
* * *
القول في تأويل قوله تعالى : وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (275)
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه: وأحلّ الله الأرباح في التجارة والشراء والبيع (12) =" وحرّم الربا "، يعني الزيادةَ التي يزاد رب المال بسبب زيادته غريمه في الأجل، وتأخيره دَيْنه عليه. يقول عز وجل: فليست الزيادتان اللتان إحداهما من وَجه البيع، (13) والأخرى من وجه تأخير المال والزيادة في الأجل، سواء. وذلك أنِّي حرّمت إحدى الزيادتين = وهي التي من وجه تأخير المال والزيادة في الأجل = وأحللتُ الأخرى منهما، وهي التي من وجه الزيادة على رأس المال الذي ابتاع به البائع سلعته التي يبيعها، فيستفضلُ فَضْلها. فقال الله عز وجل: ليست الزيادة من وجه البيع نظيرَ الزيادة من وجه الربا، لأنّي أحللت البيع، وحرَّمت الرّبا، والأمر أمري والخلق خلقي، أقضي فيهم ما أشاء، وأستعبدهم بما أريد، ليس لأحد منهم أن يعترض في حكمي، ولا أن يخالف أمري، وإنما عليهم طاعتي والتسليمُ لحكمي.
* * *
ثم قال جل ثناؤه: " فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى "، يعني بـ" الموعظة ": التذكير، والتخويفَ الذي ذكَّرهم وخوّفهم به في آي القرآن، (14) وأوعدهم على أكلهم الربا من العقاب، يقول جل ثناؤه: فمن جاءه ذلك،" فانتهى " عن أكل الربا وارتدع عن العمل به وانـزجر عنه (15) =" فله ما سلف "، يعني: ما أكل، وأخذ فمَضَى، قبل مجيء الموعظة والتحريم من ربه في ذلك =" وأمرُه إلى الله "، يعني: وأمر آكله بعد مجيئه الموعظة من ربه والتحريم، وبعد انتهاء آكله عن أكله، إلى الله في عصمته وتوفيقه، إن شاء عصمه عن أكله وثبَّته في انتهائه عنه، وإن شاء خَذَله عن ذلك =" ومن عاد "، يقول: ومن عاد لأكل الربا بعد التحريم، وقال ما كان يقوله قبل مجيء الموعظة من الله بالتحريم، من قوله: إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا =" فأولئك أصْحاب النار هم فيها خالدون "، يعني: ففاعلو ذلك وقائلوه هم أهل النار، يعني نار جهنم، فيها خالدون. (16)
* * *
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
6250 - حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السديّ: " فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله "، أما " الموعظة " فالقرآن، وأما " ما سلف "، فله ما أكل من الربا.
--------------
الهوامش :
(1) هذه الزيادة بين القوسين لا بد منها لسياق الكلام .
(2) في المطبوعة : "في ربا قومه" وفي المخطوطة : "في رباء قومه" ، ولا أظنهما صوابًا ، والصواب ما ذكر الزمخشري في الأساس : "وفلان في رباوة قومه : في أشرافهم . وهو : في الروابي من قريش" ، فأثبت ما في الأساس .
(3) في المخطوطة والمطبوعة : "أي أناف صيره زائدًا" ، وهو كلام غير مستقيم ولا تام . والمخطوطة كما أسلفت مرارًا ، قد عجل عليها ناسخها حتى أسقط منها كثيرًا كما رأيت آنفًا . فزدت ما بين القوسين استظهارًا من معنى كلام أبي جعفر ، حتى يستقيم الكلام على وجه يرتضى .
(4) تخبله : أفسد عقله وأعضاءه .
(5) في المطبوعة : "وهو الذي يتخبطه فيصرعه" ، وهو لا شيء ، إنما استبهمت عليه حروف المخطوطة ، فبدل اللفظ إلى لفظ الآية نفسها ، وهو لا يعد تفسيرًا عندئذ!! وفي المخطوطة : "+يحفه" غير منقوطة إلا نقطة على"الفاء" ، وآثرت قراءتها"يخنقه" ، لما سيأتي في الأثر رقم : 6242 عن ابن عباس : "يبعث آكل الربا يوم القيامة مجنونًا يخنق" ، وما جاء في الأثر : 6247 . وهذا هو الصواب إن شاء الله ، لذلك ، ولأن من صفة الجنون وأعراضه أنه خناق يأخذ من يصيبه ، أعاذنا الله وإياك .
(6) الأثر : 6240-"ربيعة بن كلثوم بن جبر البصري" ، روى عن أبيه ، وبكر ابن عبد الله المزني ، والحسن البصري . وروى عنه القطان ، وعبد الصمد بن عبد الوارث ، ومسلم ابن إبراهيم ، وحجاج بن منهال . قال النسائي : "ليس به بأس" ، وقال في الضعفاء : "ليس بالقوي" ، وقال أحمد وابن معين : "ثقة" . وأبوه : "كلثوم بن جبر" ، قال أحمد : "ثقة" ، وقال النسائي : "ليس بالقوي" . مات سنة : 130 .
(7) انظر ما سلف في ص : 8 ، تعليق : 2 .
(8) في المطبوعة : "إلا كما يقوم الذي يخنق مع الناس يوم القيامة" ، وهو كلام فاسد . وكذلك هو في المخطوطة أيضًا مع ضرب الناسخ على كلام كتبه ، فدل على خلطه وسهوه . فحذفت من هذه الجملة"يوم القيامة" وجعلت"مع الناس" ، "من الناس" ، فصارت أقرب إلى المعنى والسياق ، وكأنه الصواب إن شاء الله .
(9) ديوانه : 147 ، وروايته"من غب السرى" ، ورواية اللسان (ألق) ، "ولق" ، وهو من قصيدته البارعة في المحرق . ويصف ناقته فيقول قبل البيت ، وفيها معنى جيد في صحبة الناقة :
وَخَــرْقٍ مَخُــوفٍ قَـدْ قَطَعْتُ بِجَسْرَةٍ
إذَا خَــــبَّ آلٌ فَوْقَــهُ يَــتَرَقْرقُ
هِـيَ الصَّـاحِبُ الأدْنَـى, وَبَيْنى وَبَيْنَها
مَجُــوفٌ عِلاَفِــيُّ وقِطْـعٌ ونُمْـرُقُ
وَتُصْبِـحُ عَـنْ غـبّ السُّرَى . . . . .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . .
"الخرق" : المفازة الواسعة تتخرق فيها الرياح . "وناقة جسرة" : طويلة شديدة جريئة على السير . و"خب" : جرى . و"الآل" : سراب أول النهار . "يترقرق" : يذهب ويجيء . وقوله : "هي الصاحب الأدنى" ، أي هي صاحبه الذي يألفه ولا يكاد يفارقه ، وينصره في الملمات . و"المجوف" : الضخم الجوف . و"العلافى" : هو أعظم الرجال أخرة ووسطًا ، منسوبة إلى رجل من الأزد يقال له"علاف" . و"القطع" : طنفسة تكون تحت الرحل على كتفي البعير . و"النمرق والنمرقة" : وسادة تكون فوق الرحل ، يفترشها الراكب ، مؤخرها أعظم من مقدمها ، ولها أربعة سيور تشد بآخرة الرحل وواسطته . و"غب السرى" : أي بعد سير الليل الطويل . و"الأولق" : الجنون . ووصفها بالجنون عند ذلك ، من نشاطها واجتماع قوتها ، لم يضعفها طول السرى .
(10) ولكن أهل الفتنة في زماننا ، يحاولون أن يهونوا على الناس أمر الربا ، وقد عظمه الله وقبحه ، وآذن العامل به بحرب من الله ورسوله ، في الدنيا والآخرة ، ومن أضل ممن يهون على الناس حرب ربه يوم يقوم الناس لرب العالمين . فاللهم اهدنا ولا تفتنا كما فتنت رجالا قبلنا ، وثبتنا على دينك الحق ، وأعذنا من شر أنفسنا في هذه الأيام التي بقيت لنا ، وهي الفانية وإن طالت ، وصدق رسول الله بأبي هو وأمي إذ قال : "يأتي على الناس زمان يأكلون فيه الربا . قيل له : الناس كلهم؟! قال : من لم يأكله ناله من غباره" . (سنن البيهقي 5 : 275) ، فاللهم انفض عنا وعن قومنا غبار هذا العذاب الموبق .
(11) الأثر : 6249- رواه الطبري بغير إسناد مختصرًا ، وقد استوفى تخريجه ابن كثير في تفسيره 1 : 550-551 وساق طرقه مطولا . والسيوطي في الدر المنثور 1 : 367 ، من حديث عبد الله بن مسعود ونسبه لأحمد ، وأبي يعلى ، وابن خزيمة ، وابن حبان . وانظر سنن البيهقي 5 : 275 .
(12) انظر معنى : "البيع" فيما سلف 2 : 342 ، 343 .
(13) في المطبوعة : "وليست الزيادتان" ، والصواب ما في المخطوطة .
(14) انظر تفسير : "موعظة" فيما سلف 2 : 180 ، 181 .
(15) انظر تفسير : "انتهى" فيما سلف 3 : 569 .
(16) انظر تفسير : "أصحاب النار" و"خالدون" فيما سلف 2 : 286 ، 287/4 : 316 ، 317/5 : 429 .
الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا ۗ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ۚ فَمَن جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىٰ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَمَنْ عَادَ فَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (275)

الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون
الآيات الثلاث تضمنت أحكام الربا وجواز عقود المبايعات ، والوعيد لمن استحل الربا وأصر على فعله ، وفي ذلك مسائل :
الأولى : قوله تعالى : الذين يأكلون الربا ( يأكلون ) يأخذون ، فعبر عن الأخذ بالأكل ؛ لأن الأخذ إنما يراد للأكل . والربا في اللغة الزيادة مطلقا ، يقال : ربا الشيء يربو إذا زاد ، ومنه الحديث : فلا والله ما أخذنا من لقمة إلا ربا من تحتها يعني الطعام الذي دعا فيه النبي صلى الله عليه وسلم بالبركة ، خرج الحديث مسلم رحمه الله . وقياس كتابته بالياء للكسرة في أوله ، وقد كتبوه في القرآن بالواو . ثم إن الشرع قد تصرف في هذا الإطلاق فقصره على بعض موارده ، فمرة أطلقه على كسب الحرام ، كما قال الله تعالى في اليهود : وأخذهم الربا وقد نهوا عنه . ولم يرد به الربا الشرعي الذي حكم بتحريمه علينا وإنما أراد المال الحرام ، كما قال تعالى : سماعون للكذب أكالون للسحت ؛ يعني به المال الحرام من الرشا ، وما استحلوه من أموال الأميين حيث قالوا : ليس علينا في الأميين سبيل . وعلى هذا فيدخل فيه النهي عن كل مال حرام بأي وجه اكتسب . والربا الذي عليه عرف الشرع شيئان : تحريم النساء ، والتفاضل في العقود وفي المطعومات على ما نبينه . وغالبه ما كانت العرب تفعله ، من قولها للغريم : أتقضي أم تربي ؟ فكان الغريم يزيد في عدد المال ويصبر الطالب عليه . وهذا كله محرم باتفاق الأمة .
الثانية : أكثر البيوع الممنوعة إنما تجد منعها لمعنى زيادة إما في عين مال ، وإما في منفعة لأحدهما من تأخير ونحوه . ومن البيوع ما ليس فيه معنى الزيادة ، كبيع الثمرة قبل بدو صلاحها ، وكالبيع ساعة النداء يوم الجمعة ، فإن قيل لفاعلها ، آكل الربا فتجوز وتشبيه .
الثالثة : روى الأئمة واللفظ لمسلم عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلا بمثل يدا بيد فمن زاد أو استزاد فقد أربى الآخذ والمعطي فيه سواء . وفي حديث عبادة بن الصامت : فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد . وروى أبو داود عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : الذهب بالذهب تبرها وعينها والفضة بالفضة تبرها وعينها والبر بالبر مدي بمدي والشعير بالشعير مدي بمدي والتمر بالتمر مدي بمدي والملح بالملح مدي بمدي فمن زاد أو ازداد فقد أربى ولا بأس ببيع الذهب بالفضة والفضة ، أكثرهما يدا بيد وأما نسيئة فلا ولا بأس ببيع البر بالشعير والشعير ، أكثرهما يدا بيد وأما نسيئة فلا . وأجمع العلماء على القول بمقتضى هذه السنة وعليها جماعة فقهاء المسلمين إلا في البر والشعير فإن مالكا جعلهما صنفا واحدا ، فلا يجوز منهما اثنان بواحد ، وهو قول الليث والأوزاعي ومعظم علماء المدينة والشام ، وأضاف مالك إليهما السلت . وقال الليث : السلت والدخن والذرة صنف واحد ، وقاله ابن وهب .
قلت : وإذا ثبتت السنة فلا قول معها . وقال عليه السلام : ( فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد ) . وقوله : ( البر بالبر والشعير بالشعير ) دليل على أنهما نوعان مختلفان كمخالفة البر للتمر ، ولأن صفاتهما مختلفة وأسماؤهما مختلفة ، ولا اعتبار بالمنبت والمحصد إذا لم يعتبره الشرع ، بل فصل وبين ، وهذا مذهب الشافعي وأبي حنيفة والثوري وأصحاب الحديث .
الرابعة : كان معاوية بن أبي سفيان يذهب إلى أن النهي والتحريم إنما ورد من النبي صلى الله عليه وسلم في الدينار المضروب والدرهم المضروب لا في التبر من الذهب والفضة بالمضروب ، ولا في المصوغ بالمضروب . وقد قيل إن ذلك إنما كان منه في المصوغ خاصة ، حتى وقع له مع عبادة ما خرجه مسلم وغيره ، قال : غزونا وعلى الناس معاوية فغنمنا غنائم كثيرة ، فكان مما غنمنا آنية من فضة فأمر معاوية رجلا ببيعها في أعطيات الناس ، فتنازع الناس في ذلك فبلغ عبادة بن الصامت ذلك فقام فقال : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح إلا سواء بسواء عينا بعين من زاد أو ازداد فقد أربى ، فرد الناس ما أخذوا ، فبلغ ذلك معاوية فقام خطيبا فقال : ألا ما بال رجال يتحدثون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث قد كنا نشهده ونصحبه فلم نسمعها منه فقام عبادة بن الصامت فأعاد القصة ثم قال : لنحدثن بما سمعنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن كره معاوية - أو قال وإن رغم - ما أبالي ألا أصحبه في جنده في ليلة سوداء . قال حماد هذا أو نحوه . قال ابن عبد البر : وقد روي أن هذه القصة إنما كانت لأبي الدرداء مع معاوية . ويحتمل أن يكون وقع ذلك لهما معه ، ولكن الحديث في العرف محفوظ لعبادة ، وهو الأصل الذي عول عليه العلماء في باب ( الربا ) . ولم يختلفوا أن فعل معاوية في ذلك غير جائز ، وغير نكير أن يكون معاوية خفي عليه ما قد علمه أبو الدرداء وعبادة فإنهما جليلان من فقهاء الصحابة وكبارهم ، وقد خفي على أبي بكر وعمر ما وجد عند غيرهم ممن هو دونهم ، فمعاوية أحرى . ويحتمل أن يكون مذهبه كمذهب ابن عباس ، فقد كان وهو بحر في العلم لا يرى الدرهم بالدرهمين بأسا حتى صرفه عن ذلك أبو سعيد . وقصة معاوية هذه مع عبادة كانت في ولاية عمر . قال قبيصة بن ذؤيب : إن عبادة أنكر شيئا على معاوية فقال : لا أساكنك بأرض أنت بها ودخل المدينة . فقال له عمر : ما أقدمك ؟ فأخبره . فقال : ارجع إلى مكانك ، فقبح الله أرضا لست فيها ولا أمثالك! وكتب إلى معاوية " لا إمارة لك عليه " .
الخامسة : روى الأئمة واللفظ للدارقطني عن علي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم لا فضل بينهما من كانت له حاجة بورق فليصرفها بذهب وإن كانت له حاجة بذهب فليصرفها بورق هاء وهاء . قال العلماء فقوله ، عليه السلام : ( الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم لا فضل بينهما ) إشارة إلى جنس الأصل المضروب ، بدليل قوله : ( الفضة بالفضة والذهب بالذهب ) الحديث . والفضة البيضاء والسوداء والذهب الأحمر والأصفر كل ذلك لا يجوز بيع بعضه ببعض إلا مثلا بمثل سواء بسواء على كل حال ، على هذا جماعة أهل العلم على ما بينا . واختلفت الرواية عن مالك في الفلوس فألحقها بالدراهم من حيث كانت ثمنا للأشياء ، ومنع من إلحاقها مرة من حيث إنها ليست ثمنا في كل بلد وإنما يختص بها بلد دون بلد .
السادسة : لا اعتبار بما قد روي عن كثير من أصحاب مالك وبعضهم يرويه عن مالك في التاجر يحفزه الخروج وبه حاجة إلى دراهم مضروبة أو دنانير مضروبة ، فيأتي دار الضرب بفضته أو ذهبه فيقول للضراب ، خذ فضتي هذه أو ذهبي وخذ قدر عمل يدك وادفع إلي دنانير مضروبة في ذهبي أو دراهم مضروبة في فضتي هذه لأني محفوز للخروج وأخاف أن يفوتني من أخرج معه ، أن ذلك جائز للضرورة ، وأنه قد عمل به بعض الناس . وحكاه ابن العربي في قبسه عن مالك في غير التاجر ، وإن مالكا خفف في ذلك ، فيكون في الصورة قد باع فضته التي زنتها مائة وخمسة دراهم أجره بمائة وهذا محض الربا . والذي أوجب جواز ذلك أنه لو قال له : اضرب لي هذه وقاطعه على ذلك بأجرة ، فلما ضربها قبضها منه وأعطاه أجرتها ، فالذي فعل مالك أولا هو الذي يكون آخرا ، ومالك إنما نظر إلى المال فركب عليه حكم الحال ، وأباه سائر الفقهاء . قال ابن العربي : والحجة فيه لمالك بينة . قال أبو عمر رحمه الله : وهذا هو عين الربا الذي حرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله : ( من زاد أو ازداد فقد أربى ) . وقد رد ابن وهب هذه المسألة على مالك وأنكرها . وزعم الأبهري أن ذلك من باب الرفق لطلب التجارة ولئلا يفوت السوق ، وليس الربا إلا على من أراد أن يربي ممن يقصد إلى ذلك ويبتغيه . ونسي الأبهري أصله في قطع الذرائع ، وقوله ، فيمن باع ثوبا بنسيئة وهو لا نية له في شرائه ثم يجده في السوق يباع : إنه لا يجوز له ابتياعه منه بدون ما باعه به وإن لم يقصد إلى ذلك ولم يبتغه ، ومثله كثير ، ولو لم يكن الربا إلا على من قصده ما حرم إلا على الفقهاء . وقد قال عمر : لا يتجر في سوقنا إلا من فقه وإلا أكل الربا . وهذا بين لمن رزق الإنصاف وألهم رشده .
قلت : وقد بالغ مالك رحمه الله في منع الزيادة حتى جعل المتوهم كالمتحقق ، فمنع دينارا ودرهما بدينار ودرهم سدا للذريعة وحسما للتوهمات ، إذ لولا توهم الزيادة لما تبادلا . وقد علل منع ذلك بتعذر المماثلة عند التوزيع ، فإنه يلزم منه ذهب وفضة بذهب . وأوضح من هذا منعه التفاضل المعنوي ، وذلك أنه منع دينارا من الذهب العالي ودينارا من الذهب الدون في مقابلة العالي وألغى الدون ، وهذا من دقيق نظره رحمه الله ، فدل أن تلك الرواية عنه منكرة ولا تصح . والله أعلم .
السابعة : قال الخطابي : التبر قطع الذهب والفضة قبل أن تضرب وتطبع دراهم أو دنانير ، واحدتها تبرة . والعين : المضروب من الدراهم أو الدنانير . وقد حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يباع مثقال ذهب عين بمثقال وشيء من تبر غير مضروب . وكذلك حرم التفاوت بين المضروب من الفضة وغير المضروب منها ، وذلك معنى قوله : ( تبرها وعينها سواء ) .
الثامنة : أجمع العلماء على أن التمر بالتمر ولا يجوز إلا مثلا بمثل . واختلفوا في بيع التمرة الواحدة بالتمرتين ، والحبة الواحدة من القمح بحبتين ، فمنعه الشافعي وأحمد وإسحاق والثوري ، وهو قياس قول مالك وهو الصحيح ؛ لأن ما جرى الربا فيه بالتفاضل في كثيره دخل قليله في ذلك قياسا ونظرا . احتج من أجاز ذلك بأن مستهلك التمرة والتمرتين لا تجب عليه القيمة ، قال : لأنه لا مكيل ولا موزون فجاز فيه التفاضل .
التاسعة : اعلم رحمك الله أن مسائل هذا الباب كثيرة وفروعه منتشرة ، والذي يربط لك ذلك أن تنظر إلى ما اعتبره كل واحد من العلماء في علة الربا ، فقال أبو حنيفة : علة ذلك كونه مكيلا أو موزونا جنسا ، فكل ما يدخله الكيل أو الوزن عنده من جنس واحد ، فإن بيع بعضه ببعض متفاضلا أو نسيئا لا يجوز ، فمنع بيع التراب بعضه ببعض متفاضلا ؛ لأنه يدخله الكيل ، وأجاز الخبز قرصا بقرصين ؛ لأنه لم يدخل عنده في الكيل الذي هو أصله ، فخرج من الجنس الذي يدخله الربا إلى ما عداه . وقال الشافعي : العلة كونه مطعوما جنسا . هذا قوله في الجديد ، فلا يجوز عنده بيع الدقيق بالخبز ولا بيع الخبز بالخبز متفاضلا ولا نسيئا ، وسواء أكان الخبز خميرا أو فطيرا . ولا يجوز عنده بيضة ببيضتين ، ولا رمانة برمانتين ، ولا بطيخة ببطيختين لا يدا بيد ولا نسيئة ؛ لأن ذلك كله طعام مأكول . وقال في القديم : كونه مكيلا أو موزونا . واختلفت عبارات أصحابنا المالكية في ذلك ، وأحسن ما في ذلك كونه مقتاتا مدخرا للعيش غالبا جنسا ، كالحنطة والشعير والتمر والملح المنصوص عليها ، وما في معناها كالأرز والذرة والدخن والسمسم ، والقطاني كالفول والعدس واللوبياء والحمص ، وكذلك اللحوم والألبان والخلول والزيوت ، والثمار كالعنب والزبيب والزيتون ، واختلف في التين ، ويلحق بها العسل والسكر . فهذا كله يدخله الربا من جهة النساء . وجائز فيه التفاضل لقوله عليه السلام إذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد . ولا ربا في رطب الفواكه التي لا تبقى كالتفاح والبطيخ والرمان والكمثرى والقثاء والخيار والباذنجان وغير ذلك من الخضراوات . قال مالك : لا يجوز بيع البيض بالبيض متفاضلا ؛ لأنه مما يدخر ، ويجوز عنده مثلا بمثل . وقال محمد بن عبد الله بن عبد الحكم : جائز بيضة ببيضتين وأكثر ؛ لأنه مما لا يدخر ، وهو قول الأوزاعي .
العاشرة : اختلف النحاة في لفظ " الربا " فقال البصريون : هو من ذوات الواو ؛ لأنك تقول في تثنيته : ربوان ، قاله سيبويه . وقال الكوفيون : يكتب بالياء ، وتثنيته بالياء ، لأجل الكسرة التي في أوله . قال الزجاج : ما رأيت خطأ أقبح من هذا ولا أشنع لا يكفيهم الخطأ في الخط حتى يخطئوا في التثنية وهم يقرءون : وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس قال محمد بن يزيد : كتب " الربا " في المصحف بالواو فرقا بينه وبين الزنا ، وكان الربا أولى منه بالواو ؛ لأنه من ربا يربو .
الحادية عشرة : قوله تعالى : لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس الجملة خبر الابتداء وهو ( الذين ) . والمعنى من قبورهم ، قاله ابن عباس ومجاهد وابن جبير وقتادة والربيع والضحاك والسدي وابن زيد . وقال بعضهم : يجعل معه شيطان يخنقه . وقالوا كلهم : يبعث كالمجنون عقوبة له وتمقيتا عند جميع أهل المحشر . ويقوي هذا التأويل المجمع عليه أن في قراءة ابن مسعود " لا يقومون يوم القيامة إلا كما يقوم " . قال ابن عطية : وأما ألفاظ الآية فكانت تحتمل تشبيه حال القائم بحرص وجشع إلى تجارة الدنيا بقيام المجنون ؛ لأن الطمع والرغبة تستفزه حتى تضطرب أعضاؤه ، وهذا كما تقول لمسرع في مشيه يخلط في هيئة حركاته إما من فزع أو غيره : قد جن هذا! وقد شبه الأعشى ناقته في نشاطها بالجنون في قوله :
وتصبح عن غب السرى وكأنما ألم بها من طائف الجن أولق
وقال آخر :
لعمرك بي من حب أسماء أولق
لكن ما جاءت به قراءة ابن مسعود وتظاهرت به أقوال المفسرين يضعف هذا التأويل . و ( يتخبطه ) يتفعله من خبط يخبط ، كما تقول : تملكه وتعبده . فجعل الله هذه العلامة لأكلة الربا ، وذلك أنه أرباه في بطونهم فأثقلهم ، فهم إذا خرجوا من قبورهم يقومون ويسقطون . ويقال : إنهم يبعثون يوم القيامة قد انتفخت بطونهم كالحبالى ، وكلما قاموا سقطوا والناس يمشون عليهم . وقال بعض العلماء : إنما ذلك شعار لهم يعرفون به يوم القيامة ثم العذاب من وراء ذلك ، كما أن الغال يجيء بما غل يوم القيامة بشهرة يشهر بها ثم العذاب من وراء ذلك . وقال تعالى : ( يأكلون ) والمراد يكسبون الربا ويفعلونه . وإنما خص الأكل بالذكر لأنه أقوى مقاصد الإنسان في المال ، ولأنه دال على الجشع وهو أشد الحرص ، يقال : رجل جشع بين الجشع وقوم جشعون ، قاله في المجمل . فأقيم هذا البعض من توابع الكسب مقام الكسب كله ، فاللباس والسكنى والادخار والإنفاق على العيال داخل في قوله : ( الذين يأكلون ) .
الثانية عشرة : في هذه الآية دليل على فساد إنكار من أنكر الصرع من جهة الجن ، وزعم أنه من فعل الطبائع ، وأن الشيطان لا يسلك في الإنسان ولا يكون منه مس ، وقد مضى الرد عليهم فيما تقدم من هذا الكتاب . وقد روى النسائي عن أبي اليسر قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو فيقول : اللهم إني أعوذ بك من التردي والهدم والغرق والحريق وأعوذ بك أن يتخبطني الشيطان عند الموت وأعوذ بك أن أموت في سبيلك مدبرا وأعوذ بك أن أموت لديغا . وروي من حديث محمد بن المثنى حدثنا أبو داود حدثنا همام عن قتادة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول : اللهم إني أعوذ بك من الجنون والجذام والبرص وسيئ الأسقام . والمس : الجنون ، يقال : مس الرجل وألس ، فهو ممسوس ومألوس إذا كان مجنونا ، وذلك علامة الربا في الآخرة . وروي في حديث الإسراء : فانطلق بي جبريل فمررت برجال كثير كل رجل منهم بطنه مثل البيت الضخم متصدين على سابلة آل فرعون وآل فرعون يعرضون على النار بكرة وعشيا فيقبلون مثل الإبل المهيومة يتخبطون الحجارة والشجر لا يسمعون ولا يعقلون فإذا أحس بهم أصحاب تلك البطون قاموا فتميل بهم بطونهم فيصرعون ثم يقوم أحدهم فيميل به بطنه فيصرع فلا يستطيعون براحا حتى يغشاهم آل فرعون فيطئونهم مقبلين ومدبرين فذلك عذابهم في البرزخ بين الدنيا والآخرة وآل فرعون يقولون اللهم لا تقم الساعة أبدا ، فإن الله تعالى يقول : ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب - قلت - يا جبريل من هؤلاء ؟ قال : ( هؤلاء الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ) . والمس : الجنون ، وكذلك الأولق والألس والرود .
الثالثة عشرة : ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا معناه عند جميع المتأولين في الكفار ، ولهم قيل : فله ما سلف ولا يقال ذلك لمؤمن عاص بل ينقض بيعه ، ويرد فعله وإن كان جاهلا ، فلذلك قال صلى الله عليه وسلم : من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد . لكن قد يأخذ العصاة في الربا بطرف من وعيد هذه الآية .
الرابعة عشرة : إنما البيع مثل الربا أي إنما الزيادة عند حلول الأجل آخرا كمثل أصل الثمن في أول العقد ، وذلك أن العرب كانت لا تعرف ربا إلا ذلك ، فكانت إذا حل دينها قالت للغريم : إما أن تقضي وإما أن تربي ، أي تزيد في الدين . فحرم الله سبحانه ذلك ورد عليهم قولهم بقوله الحق : وأحل الله البيع وحرم الربا وأوضح أن الأجل إذا حل ولم يكن عنده ما يؤدي أنظر إلى الميسرة . وهذا الربا هو الذي نسخه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله يوم عرفة لما قال : ألا إن كل ربا موضوع وإن أول ربا أضعه ربانا ربا عباس بن عبد المطلب فإنه موضوع كله . فبدأ صلى الله عليه وسلم بعمه وأخص الناس به . وهذا من سنن العدل للإمام أن يفيض العدل على نفسه وخاصته فيستفيض حينئذ في الناس .
الخامسة عشرة : : قوله تعالى : وأحل الله البيع هذا من عموم القرآن ، والألف واللام للجنس لا للعهد إذ لم يتقدم بيع مذكور يرجع إليه ، كما قال تعالى : والعصر إن الإنسان لفي خسر ثم استثنى إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات . وإذا ثبت أن البيع عام فهو مخصص بما ذكرناه من الربا وغير ذلك مما نهي عنه ومنع العقد عليه ، كالخمر والميتة وحبل الحبلة وغير ذلك مما هو ثابت في السنة وإجماع الأمة النهي عنه . ونظيره فاقتلوا المشركين وسائر الظواهر التي تقتضي العمومات ويدخلها التخصيص وهذا مذهب أكثر الفقهاء . وقال بعضهم : هو من مجمل القرآن الذي فسر بالمحلل من البيع وبالمحرم فلا يمكن أن يستعمل في إحلال البيع وتحريمه إلا أن يقترن به بيان من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وإن دل على إباحة البيوع في الجملة دون التفصيل . وهذا فرق ما بين العموم والمجمل . ، فالعموم يدل على إباحة البيوع في الجملة ، والتفصيل ما لم يخص بدليل . والمجمل لا يدل على إباحتها في التفصيل حتى يقترن به بيان . والأول أصح . والله أعلم .
السادسة عشرة : البيع في اللغة مصدر باع كذا بكذا ، أي دفع عوضا وأخذ معوضا . وهو يقتضي بائعا وهو المالك أو من ينزل منزلته ، ومبتاعا وهو الذي يبذل الثمن ، ومبيعا وهو المثمون وهو الذي يبذل في مقابلته الثمن . وعلى هذا فأركان البيع أربعة : البائع والمبتاع والثمن والمثمن . ثم المعاوضة عند العرب تختلف بحسب اختلاف ما يضاف إليه ، فإن كان أحد المعوضين في مقابلة الرقبة سمي بيعا ، وإن كان في مقابلة منفعة رقبة فإن كانت منفعة بضع سمي نكاحا ، وإن كانت منفعة غيرها سمي إجارة ، وإن كان عينا بعين فهو بيع النقد وهو الصرف ، وإن كان بدين مؤجل فهو السلم ، وسيأتي بيانه في آية الدين . وقد مضى حكم الصرف ، ويأتي حكم الإجارة في " القصص " وحكم المهر في النكاح في ( النساء ) كل في موضعه إن شاء الله تعالى .
السابعة عشرة : البيع قبول وإيجاب يقع باللفظ المستقبل والماضي ، فالماضي فيه حقيقة والمستقبل كناية ، ويقع بالصريح والكناية المفهوم منها نقل الملك . فسواء قال : بعتك هذه السلعة بعشرة فقال : اشتريتها ، أو قال المشتري : اشتريتها وقال البائع : بعتكها ، أو قال البائع : أنا أبيعك بعشرة فقال المشتري : أنا أشتري أو قد اشتريت ، وكذلك لو قال : خذها بعشرة أو أعطيتكها أو دونكها أو بورك لك فيها بعشرة أو سلمتها إليك - وهما يريدان البيع - فذلك كله بيع لازم . ولو قال البائع : بعتك بعشرة ثم رجع قبل أن يقبل المشتري فقد قال : ليس له أن يرجع حتى يسمع قبول المشتري أو رده ؛ لأنه قد بذل ذلك من نفسه وأوجبه عليها ، وقد قال ذلك له ؛ لأن العقد لم يتم عليه . ولو قال البائع : كنت لاعبا ، فقد اختلفت الرواية عنه ، فقال مرة : يلزمه البيع ولا يلتفت إلى قوله وقال مرة : ينظر إلى قيمة السلعة . فإن كان الثمن يشبه قيمتها فالبيع لازم ، وإن كان متفاوتا كعبد بدرهم ودار بدينار ، علم أنه لم يرد به البيع ، وإنما كان هازلا فلم يلزمه .
الثامنة عشرة : قوله تعالى : وحرم الربا الألف واللام هنا للعهد ، وهو ما كانت العرب تفعله كما بيناه ، ثم تتناول ما حرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم ونهى عنه من البيع الذي يدخله الربا وما في معناه من البيوع المنهي عنها .
التاسعة عشرة : عقد الربا مفسوخ لا يجوز بحال ، لما رواه الأئمة واللفظ لمسلم عن أبي سعيد الخدري قال : جاء بلال بتمر برني فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من أين هذا ) ؟ فقال بلال : من تمر كان عندنا رديء ، فبعت منه صاعين بصاع لمطعم النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك : أوه عين الربا لا تفعل ولكن إذا أردت أن تشتري التمر فبعه ببيع آخر ثم اشتر به وفي رواية ( هذا الربا فردوه ثم بيعوا تمرنا واشتروا لنا من هذا ) . قال علماؤنا : فقوله ( أوه عين الربا ) أي هو الربا المحرم نفسه لا ما يشبهه . وقوله : ( فردوه ) يدل على وجوب فسخ صفقة الربا وأنها لا تصح بوجه ، وهو قول الجمهور ، خلافا لأبي حنيفة حيث يقول : إن بيع الربا جائز بأصله من حيث هو بيع ، ممنوع بوصفه من حيث هو ربا ، فيسقط الربا ويصح البيع . ولو كان على ما ذكر لما فسخ النبي صلى الله عليه وسلم هذه الصفقة ، ولأمره برد الزيادة على الصاع ولصحح الصفقة في مقابلة الصاع .
الموفية عشرين : كل ما كان من حرام بين ففسخ فعلى المبتاع رد السلعة بعينها . فإن تلفت بيده رد القيمة فيما له القيمة ، وذلك كالعقار والعروض والحيوان ، والمثل فيما له مثل من موزون أو مكيل من طعام أو عرض . قال مالك : يرد الحرام البين فات أو لم يفت ، وما كان مما كره الناس رد إلا أن يفوت فيترك .
الحادية والعشرون : قوله تعالى : فمن جاءه موعظة من ربه قال جعفر بن محمد الصادق رحمهما الله : حرم الله الربا ليتقارض الناس . وعن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : قرض مرتين يعدل صدقة مرة أخرجه البزار ، وقد تقدم هذا المعنى مستوفى . وقال بعض الناس : حرمه الله لأنه متلفة للأموال مهلكة للناس . وسقطت علامة التأنيث في قوله تعالى : ( فمن جاءه ) لأن تأنيث " الموعظة " غير حقيقي وهو بمعنى وعظ . وقرأ الحسن " فمن جاءته " بإثبات العلامة .
هذه الآية تلتها عائشة لما أخبرت بفعل زيد بن أرقم . روى الدارقطني عن العالية بنت أنفع قالت : خرجت أنا وأم محبة إلى مكة فدخلنا على عائشة رضي الله عنها فسلمنا عليها ، فقالت لنا : ممن أنتن ؟ قلنا من أهل الكوفة ، قالت : فكأنها أعرضت عنا ، فقالت لها أم محبة : يا أم المؤمنين! كانت لي جارية وإني بعتها من زيد بن أرقم الأنصاري بثمانمائة درهم إلى عطائه وإنه أراد بيعها فابتعتها منه بستمائة درهم نقدا . قالت : فأقبلت علينا فقالت : بئسما شريت وما اشتريت! فأبلغي زيدا أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يتوب . فقالت لها : أرأيت إن لم آخذ منه إلا رأس مالي ؟ قالت : فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف . العالية هي زوج أبي إسحاق الهمداني الكوفي السبيعي أم يونس بن أبي إسحاق . وهذا الحديث أخرجه مالك من رواية ابن وهب عنه في بيوع الآجال ، فإن كان منها ما يؤدي إلى الوقوع في المحظور منع منه وإن كان ظاهره بيعا جائزا . وخالف مالكا في هذا الأصل جمهور الفقهاء وقالوا : الأحكام مبنية على الظاهر لا على الظنون . ودليلنا القول بسد الذرائع ، فإن سلم وإلا استدللنا على صحته . وقد تقدم . وهذا الحديث نص ولا تقول عائشة ( أبلغي زيدا أنه قد أبطل جهاده إلا أن يتوب ) إلا بتوقيف ، إذ مثله لا يقال بالرأي فإن إبطال الأعمال لا يتوصل إلى معرفتها إلا بالوحي كما تقدم . وفي صحيح مسلم عن النعمان بن بشير قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى ، حول الحمى يوشك أن يوقع فيه ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله محارمه . وجه دلالته أنه منع من الإقدام على المتشابهات مخافة الوقوع في المحرمات وذلك سد للذريعة . وقال صلى الله عليه وسلم : إن من الكبائر شتم الرجل والديه قالوا : وكيف يشتم الرجل والديه ؟ قال : يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه . فجعل التعريض لسب الآباء كسب الآباء . ولعن صلى الله عليه وسلم اليهود إذ أكلوا ثمن ما نهوا عن أكله . وقال أبو بكر في كتابه : لا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة . ونهى ابن عباس عن دراهم بدراهم بينهما جريرة . واتفق العلماء على منع الجمع بين بيع وسلف ، وعلى تحريم قليل الخمر وإن كان لا يسكر ، وعلى تحريم الخلوة بالأجنبية وإن كان عنينا ، وعلى تحريم النظر إلى وجه المرأة الشابة إلى غير ذلك مما يكثر ويعلم على القطع والثبات أن الشرع حكم فيها بالمنع ؛ لأنها ذرائع المحرمات . والربا أحق ما حميت مراتعه وسدت طرائقه ، ومن أباح هذه الأسباب فليبح حفر البئر ونصب الحبالات لهلاك المسلمين والمسلمات ، وذلك لا يقوله أحد . وأيضا فقد اتفقنا على منع من باع بالعينة إذا عرف بذلك وكانت عادته ، وهي في معنى هذا الباب . والله الموفق للصواب .
الثانية والعشرون : روى أبو داود عن ابن عمر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم . في إسناده أبو عبد الرحمن الخراساني . ليس بمشهور . وفسر أبو عبيد الهروي العينة فقال : هي أن يبيع من رجل سلعة بثمن معلوم إلى أجل مسمى ، ثم يشتريها منه بأقل من الثمن الذي باعها به . قال : فإن اشترى بحضرة طالب العينة سلعة من آخر بثمن معلوم وقبضها ثم باعها من طالب العينة بثمن أكثر مما اشتراه إلى أجل مسمى ، ثم باعها المشتري من البائع الأول بالنقد بأقل من الثمن ، فهذه أيضا عينة ، وهي أهون من الأولى ، وهو جائز عند بعضهم . وسميت عينة لحضور النقد لصاحب العينة ، وذلك أن العين هو المال الحاضر والمشتري إنما يشتريها ليبيعها بعين حاضر يصل إليه من فوره .
الثالثة والعشرون : قال علماؤنا : فمن باع سلعة بثمن إلى أجل ثم ابتاعها بثمن من جنس الثمن الذي باعها به ، فلا يخلو أن يشتريها منه بنقد ، أو إلى أجل دون الأجل الذي باعها إليه ، أو إلى أبعد منه ، بمثل الثمن أو بأقل منه أو بأكثر ، فهذه ثلاث مسائل : وأما الأولى والثانية فإن كان بمثل الثمن أو أكثر جاز ، ولا يجوز بأقل على مقتضى حديث عائشة ؛ لأنه أعطى ستمائة ليأخذ ثمانمائة والسلعة لغو ، وهذا هو الربا بعينه . وأما الثالثة إلى أبعد من الأجل ، فإن كان اشتراها وحدها أو زيادة فيجوز بمثل الثمن أو أقل منه ، ولا يجوز بأكثر ، فإن اشترى بعضها فلا يجوز على كل حال لا بمثل الثمن ولا بأقل ولا بأكثر . ومسائل هذا الباب حصرها علماؤنا في سبع وعشرين مسألة ، ومدارها على ما ذكرناه فاعلم .
الرابعة والعشرون : فله ما سلف أي من أمر الربا لا تباعة عليه منه في الدنيا ولا في الآخرة ، قاله السدي وغيره . وهذا حكم من الله تعالى لمن أسلم من كفار قريش وثقيف ومن كان يتجر هنالك . وسلف : معناه تقدم في الزمن وانقضى .
الخامسة والعشرون : قوله تعالى : وأمره إلى الله فيه أربع تأويلات : أحدها أن الضمير عائد إلى الربا ، بمعنى وأمر الربا إلى الله في إمرار تحريمه أو غير ذلك . والآخر أن يكون الضمير عائدا على ما سلف أي أمره إلى الله تعالى في العفو عنه وإسقاط التبعة فيه . والثالث أن يكون الضمير عائدا على ذي الربا ، بمعنى أمره إلى الله في أن يثبته على الانتهاء أو يعيده إلى المعصية في الربا . واختار هذا القول النحاس ، قال : وهذا قول حسن بين ، أي وأمره إلى الله في المستقبل إن شاء ثبته على التحريم وإن شاء أباحه . والرابع أن يعود الضمير على المنتهى ، ولكن بمعنى التأنيس له وبسط أمله في الخير ، كما تقول : وأمره إلى طاعة وخير ، وكما تقول : وأمره في نمو وإقبال إلى الله تعالى وإلى طاعته .
السادسة والعشرون : ومن عاد يعني إلى فعل الربا حتى يموت ، قاله سفيان . وقال غيره : من عاد فقال إنما البيع مثل الربا فقد كفر . قال ابن عطية : إن قدرنا الآية في كافر فالخلود خلود تأبيد حقيقي ، وإن لحظناها في مسلم عاص فهذا خلود مستعار على معنى المبالغة ، كما تقول العرب : ملك خالد ، عبارة عن دوام ما لا يبقى على التأبيد الحقيقي .
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features