قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (4)

{ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي ْ}
أي: وهى وضعف، وإذا ضعف العظم، الذي هو عماد البدن، ضعف غيره، { وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا ْ} لأن الشيب دليل الضعف والكبر، ورسول الموت ورائده، ونذيره، فتوسل إلى الله تعالى بضعفه وعجزه، وهذا من أحب الوسائل إلى الله، لأنه يدل على التبري من الحول والقوة، وتعلق القلب بحول الله وقوته.
{ وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا ْ} أي: لم تكن يا رب تردني خائبا ولا محروما من الإجابة، بل لم تزل بي حفيا ولدعائي مجيبا، ولم تزل ألطافك تتوالى علي، وإحسانك واصلا إلي، وهذا توسل إلى الله بإنعامه عليه، وإجابة دعواته السابقة، فسأل الذي أحسن سابقا، أن يتمم إحسانه لاحقا.
قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (4)

( قال رب إني وهن ) ضعف ورق ( العظم مني ) من الكبر . قال قتادة : اشتكى سقوط الأضراس ( واشتعل الرأس ) أي : ابيض شعر الرأس ( شيبا ) شمطا ( ولم أكن بدعائك رب شقيا ) يقول : عودتني الإجابة فيما مضى ولم تخيبني .
وقيل : معناه لما دعوتني إلى الإيمان آمنت ولم أشق بترك الإيمان .
قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (4)

قوله تعالى : قال رب إني وهن العظم مني فيه مسألتان : الأولى : قوله تعالى : قال رب إني وهن قرئ وهن بالحركات الثلاث أي ضعف . يقال : وهن يهن وهنا إذا ضعف فهو واهن . وقال أبو زيد يقال : وهن يهن ووهن يوهن . وإنما ذكر العظم لأنه عمود البدن ، وبه قوامه ، وهو أصل بنائه ، فإذا وهن تداعى وتساقط سائر قوته ؛ ولأنه أشد ما فيه وأصلبه ؛ فإذا وهن كان ما وراءه أوهن منه . ووحده لأن الواحد هو الدال على معنى الجنسية ، وقصده إلى أن هذا الجنس الذي هو العمود والقوام ، وأشد ما تركب منه الجسد قد أصابه الوهن ، ولو جمع لكان قصد إلى معنى آخر ، وهو أنه لم يهن منه بعض عظامه ولكن كلها .
الثانية : قوله تعالى : واشتعل الرأس شيبا أدغم السين في الشين أبو عمرو . وهذا من أحسن الاستعارة في كلام العرب . والاشتعال انتشار شعاع النار ؛ شبه به انتشار الشيب في الرأس ؛ يقول : شخت وضعفت ؛ وأضاف الاشتعال إلى مكان الشعر ومنبته وهو الرأس . ولم يضف الرأس اكتفاء بعلم المخاطب أنه رأس زكريا - عليه السلام - . و شيبا في نصبه وجهان : أحدهما : أنه مصدر ؛ لأن معنى اشتعل شاب ؛ وهذا قول الأخفش . وقال الزجاج : وهو منصوب على التمييز . النحاس : قول الأخفش أولى ؛ لأنه مشتق من فعل فالمصدر أولى به . والشيب مخالطة الشعر الأبيض الأسود .
قال العلماء : يستحب للمرء أن يذكر في دعائه نعم الله تعالى عليه وما يليق بالخضوع ؛ لأن قوله تعالى : وهن العظم مني إظهار للخضوع . وقوله : ولم أكن بدعائك رب شقيا إظهار لعادات تفضله في إجابته أدعيته ؛ أي لم أكن بدعائي إياك شقيا ؛ أي لم تكن تخيب دعائي إذا دعوتك ؛ أي إنك عودتني الإجابة فيما مضى . يقال : شقي بكذا أي تعب فيه ولم يحصل مقصوده . وعن بعضهم أن محتاجا سأله ، وقال : أنا الذي أحسنت إليه في وقت كذا ؛ فقال : مرحبا بمن توسل بنا إلينا ؛ وقضى حاجته .
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features