وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا (10)

{ وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا } أي: أخفى نفسه الكريمة، التي ليست حقيقة بقمعها وإخفائها، بالتدنس بالرذائل، والدنو من العيوب، والاقتراف للذنوب، وترك ما يكملها وينميها، واستعمال ما يشينها ويدسيها.
وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا (10)

أي خابت وخسرت نفس أضلها الله فأفسدها .
وقال الحسن : معناه قد أفلح من زكى نفسه فأصلحها وحملها على طاعة الله - عز وجل - ، " وقد خاب من دساها " أهلكها وأضلها وحملها على المعصية ، فجعل الفعل للنفس .
و " دساها " أصله : دسسها من التدسيس ، وهو إخفاء الشيء ، فأبدلت السين الثانية ياء .
والمعنى هاهنا : أخملها وأخفى محلها بالكفر والمعصية .
أخبرنا أبو الحسن علي بن يوسف الجويني ، أخبرنا أبو محمد محمد بن علي بن محمد بن شريك الشافعي ، أخبرنا عبد الله بن محمد بن مسلم أبو بكر الجوربذي ، حدثنا أحمد بن حرب ، حدثنا أبو معاوية عن عاصم ، عن أبي عثمان وعبد الله بن الحارث ، عن زيد بن أرقم قال : لا أقول لكم إلا ما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لنا : " اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل والبخل والجبن والهم وعذاب القبر ، اللهم آت نفسي تقواها وزكها أنت خير من زكاها ، أنت وليها ومولاها ، اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع ، ومن نفس لا تشبع ، ومن قلب لا يخشع ، ومن دعوة لا يستجاب لها " .
وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا (10)

( وقد خاب من دساها ) أي : دسسها ، أي : أخملها ووضع منها بخذلانه إياها عن الهدى ، حتى ركب المعاصي وترك طاعة الله - عز وجل - .
وقد يحتمل أن يكون المعنى : قد أفلح من زكى الله نفسه ، وقد خاب من دسى الله نفسه ، كما قال العوفي وعلي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي وأبو زرعة قالا حدثنا سهل بن عثمان ، حدثنا أبو مالك - يعني عمرو بن هشام - عن جويبر ، عن الضحاك ، عن ابن عباس قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في قول الله : ( قد أفلح من زكاها ) قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " أفلحت نفس زكاها الله " .
ورواه ابن أبي حاتم من حديث أبي مالك ، به . وجويبر [ هذا ] هو ابن سعيد ، متروك الحديث ، والضحاك لم يلق ابن عباس .
وقال الطبراني : حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح ، حدثنا أبي ، حدثنا ابن لهيعة ، عن عمرو بن دينار ، عن ابن عباس قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا مر بهذه الآية : ( ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها ) وقف ، ثم قال : " اللهم آت نفسي تقواها ، أنت وليها ومولاها ، وخير من زكاها " .
حديث آخر : قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة ، حدثنا يعقوب بن حميد المدني ، حدثنا عبد الله بن عبد الله الأموي ، حدثنا معن بن محمد الغفاري ، عن حنظلة بن علي الأسلمي ، عن أبي هريرة قال : سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ : ( فألهمها فجورها وتقواها ) قال : " اللهم آت نفسي تقواها ، وزكها أنت خير من زكاها ، أنت وليها ومولاها " لم يخرجوه من هذا الوجه .
وقال الإمام أحمد : حدثنا وكيع ، عن نافع - عن ابن عمر - عن صالح بن سعيد ، عن عائشة : أنها فقدت النبي - صلى الله عليه وسلم - من مضجعه ، فلمسته بيدها ، فوقعت عليه وهو ساجد ، وهو يقول : " رب ، أعط نفسي تقواها ، وزكها أنت خير من زكاها ، أنت وليها ومولاها " تفرد به .
حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا عبد الواحد بن زياد ، حدثنا عاصم الأحول ، عن عبد الله بن الحارث ، عن زيد بن أرقم قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " اللهم ، إني أعوذ بك من العجز والكسل والهرم ، والجبن والبخل وعذاب القبر . اللهم ، آت نفسي تقواها ، وزكها أنت خير من زكاها ، أنت وليها ومولاها . اللهم ، إني أعوذ بك من قلب لا يخشع ، ومن نفس لا تشبع ، وعلم لا ينفع ، ودعوة لا يستجاب لها " . قال زيد : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلمناهن ونحن نعلمكوهن .
رواه مسلم من حديث أبي معاوية ، عن عاصم الأحول ، عن عبد الله بن الحارث - وأبي عثمان النهدي ، عن زيد بن أرقم ، به .
وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا (10)

وقد خاب من دساها أي خسرت نفس دسها الله - عز وجل - بالمعصية . وقال ابن عباس : خابت نفس أضلها وأغواها . وقيل : أفلح من زكى نفسه بطاعة الله ، وصالح الأعمال ، وخاب من دس نفسه في المعاصي قاله قتادة وغيره . وأصل الزكاة : النمو والزيادة ، ومنه زكا الزرع : إذا كثر ريعه ، ومنه تزكية القاضي للشاهد ; لأنه يرفعه بالتعديل ، وذكر الجميل . وقد تقدم هذا المعنى في أول سورة ( البقرة ) مستوفى . فمصطنع المعروف والمبادر إلى أعمال البر ، شهر نفسه ورفعها . وكانت أجواد العرب تنزل الربا وارتفاع الأرض ، ليشتهر مكانها للمعتفين ، وتوقد النار في الليل للطارقين . وكانت اللئام تنزل الأولاج والأطراف والأهضام ، ليخفى مكانها عن الطالبين . فأولئك علوا أنفسهم وزكوها ، وهؤلاء أخفوا أنفسهم ودسوها . وكذا الفاجر أبدا خفي المكان ، زمر المروءة غامض الشخص ، ناكس الرأس بركوب المعاصي . وقيل : دساها : أغواها . قال :
وأنت الذي دسيت عمرا فأصبحت حلائله منه أرامل ضيعا
قال أهل اللغة : والأصل : دسسها ، من التدسيس ، وهو إخفاء الشيء ، فأبدلت سينه ياء كما يقال : قصيت أظفاري وأصله قصصت أظفاري . ومثله قولهم في تقضض : تقضى . وقال ابن الأعرابي : وقد خاب من دساها أي دس نفسه في جملة الصالحين وليس منهم .
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features