عُتُلٍّ بَعْدَ ذَٰلِكَ زَنِيمٍ (13)

{ عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ } أي: غليظ شرس الخلق قاس غير منقاد للحق { زَنِيمٍ } أي: دعي، ليس له أصل و [لا] مادة ينتج منها الخير، بل أخلاقه أقبح الأخلاق، ولا يرجى منه فلاح، له زنمة أي: علامة في الشر، يعرف بها.
وحاصل هذا، أن الله تعالى نهى عن طاعة كل حلاف كذاب، خسيس النفس، سيئ الأخلاق، خصوصًا الأخلاق المتضمنة للإعجاب بالنفس، والتكبر على الحق وعلى الخلق، والاحتقار للناس، كالغيبة والنميمة، والطعن فيهم، وكثرة المعاصي.
عُتُلٍّ بَعْدَ ذَٰلِكَ زَنِيمٍ (13)

( عتل ) العتل : الغليظ الجافي . وقال الحسن : هو الفاحش الخلق السيئ الخلق . قال الفراء : هو الشديد الخصومة في الباطل وقال الكلبي : هو الشديد في كفره ، وكل شديد عند العرب عتل ، وأصله من العتل وهو الدفع بالعنف . قال عبيد بن عمير : " العتل " الأكول الشروب القوي الشديد [ في كفره ] لا يزن في الميزان شعيرة ، يدفع الملك من أولئك سبعين ألفا في النار دفعة واحدة ( بعد ذلك ) أي مع ذلك ، يريد مع ما وصفناه به ( زنيم ) وهو الدعي [ الملصق ] بالقوم وليس منهم . قال عطاء عن ابن عباس : يريد مع [ هذا ] هو دعي في قريش وليس منهم . قال مرة الهمداني : إنما ادعاه أبوه بعد ثماني عشرة سنة . وقيل : " الزنيم " الذي له زنمة كزنمة الشاة .
وروى عكرمة عن ابن عباس أنه قال في هذه الآية : نعت فلم يعرف حتى قيل زنيم فعرف ، وكانت له زنمة في عنقه يعرف بها .
وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : يعرف بالشر كما تعرف الشاة بزنمتها .
قال ابن قتيبة : لا نعلم أن الله وصف أحدا ولا ذكر من عيوبه ما ذكر من عيوب الوليد بن المغيرة فألحق به عارا لا يفارقه في الدنيا والآخرة .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أبو منصور محمد بن محمد بن سمعان الواعظ ، حدثني أبو محمد بن زنجويه بن محمد ، حدثنا علي بن الحسين الهلالي ، حدثنا عبد الله بن الوليد العدني عن سفيان ، حدثني معبد بن خالد القيسي ، عن حارثة بن وهب الخزاعي قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ألا أخبركم بأهل الجنة ؟ كل ضعيف متضعف لو أقسم على الله لأبره ، ألا أخبركم بأهل النار كل عتل جواظ [ مستكبر ] " .
عُتُلٍّ بَعْدَ ذَٰلِكَ زَنِيمٍ (13)

وقوله : ( عتل بعد ذلك زنيم ) أما العتل : فهو الفظ الغليظ الصحيح ، الجموع المنوع .
وقال الإمام أحمد : حدثنا وكيع ، وعبد الرحمن ، عن سفيان ، عن معبد بن خالد ، عن حارثة بن وهب قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ألا أنبئكم بأهل الجنة ؟ كل ضعيف متضعف لو أقسم على الله لأبره ، ألا أنبئكم بأهل النار ؟ كل عتل جواظ مستكبر " . وقال وكيع : " كل جواظ جعظري مستكبر " .
أخرجاه في الصحيحين ، وبقية الجماعة إلا أبا داود من حديث سفيان الثوري ، وشعبة ، كلاهما عن معبد بن خالد به .
وقال الإمام أحمد أيضا : حدثنا أبو عبد الرحمن ، حدثنا موسى بن علي ، قال : سمعت أبي يحدث عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال عند ذكر أهل النار : " كل جعظري جواظ مستكبر جماع مناع " . تفرد به أحمد .
قال أهل اللغة : الجعظري : الفظ الغليظ ، والجواظ : الجموع المنوع .
وقال الإمام أحمد : حدثنا وكيع ، حدثنا عبد الحميد ، عن شهر بن حوشب ، عن عبد الرحمن بن غنم قال : سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن العتل الزنيم ، فقال : " هو الشديد الخلق ، المصحح ، الأكول ، الشروب ، الواجد للطعام والشراب ، الظلوم للناس ، رحيب الجوف " .
وبهذا الإسناد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لا يدخل الجنة الجواظ الجعظري ، العتل الزنيم " وقد أرسله أيضا غير واحد من التابعين .
وقال ابن جرير : حدثنا ابن عبد الأعلى ، حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن زيد بن أسلم قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " تبكي السماء من عبد أصح الله جسمه ، وأرحب جوفه ، وأعطاه من الدنيا مقضما ، فكان للناس ظلوما . قال : فذلك العتل الزنيم " .
وهكذا رواه ابن أبي حاتم من طريقين مرسلين ، ونص عليه غير واحد من السلف ، منهم مجاهد ، وعكرمة ، والحسن ، وقتادة ، وغيرهم : أن العتل هو : المصحح الخلق ، الشديد القوي في المأكل والمشرب والمنكح ، وغير ذلك ، وأما الزنيم فقال البخاري :
حدثنا محمود ، حدثنا عبيد الله ، عن إسرائيل ، عن أبي حصين ، عن مجاهد ، عن ابن عباس : ( عتل بعد ذلك زنيم ) قال : رجل من قريش له زنمة مثل زنمة الشاة .
ومعنى هذا : أنه كان مشهورا بالشر كشهرة الشاة ذات الزنمة من بين أخواتها . وإنما الزنيم في لغة العرب : هو الدعي في القوم . قاله ابن جرير ، وغير واحد من الأئمة ، قال : ومنه قول حسان بن ثابت يعني يذم بعض كفار قريش :
وأنت زنيم نيط في آل هاشم كما نيط خلف الراكب القدح الفرد
وقال آخر :
زنيم ليس يعرف من أبوه بغي الأم ذو حسب لئيم
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا عمار بن خالد الواسطي ، حدثنا أسباط ، عن هشام ، عن عكرمة ، عن ابن عباس في قوله : ( زنيم ) قال : الدعي الفاحش اللئيم . ثم قال ابن عباس :
زنيم تداعاه الرجال زيادة كما زيد في عرض الأديم الأكارع
وقال العوفي ، عن ابن عباس : الزنيم : الدعي . ويقال : الزنيم : رجل كانت به زنمة يعرف بها . ويقال : هو الأخنس بن شريق الثقفي حليف بني زهرة . وزعم أناس من بني زهرة أن الزنيم الأسود بن عبد يغوث الزهري وليس به .
وقال ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن ابن عباس : أنه زعم أن الزنيم الملحق النسب .
وقال ابن أبي حاتم : حدثني يونس ، حدثنا ابن وهب ، حدثني سليمان بن بلال ، عن عبد الرحمن بن حرملة ، عن سعيد بن المسيب ، أنه سمعه يقول في هذه الآية : ( عتل بعد ذلك زنيم ) قال سعيد : هو الملصق بالقوم ، ليس منهم .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا عقبة بن خالد ، عن عامر بن قدامة ، قال : سئل عكرمة ، عن الزنيم ، قال : هو ولد الزنا .
وقال الحكم بن أبان ، عن عكرمة في قوله تعالى : ( عتل بعد ذلك زنيم ) قال : يعرف المؤمن من الكافر مثل الشاة الزنماء . والزنماء من الشياه : التي في عنقها هنتان معلقتان في حلقها . وقال الثوري ، عن جابر ، عن الحسن ، عن سعيد بن جبير قال : الزنيم : الذي يعرف بالشر كما تعرف الشاة بزنمتها . والزنيم : الملصق ، رواه ابن جرير .
وروى أيضا من طريق داود بن أبي هند ، عن عكرمة ، عن ابن عباس أنه قال في الزنيم : قال : نعت فلم يعرف حتى قيل : زنيم . قال : وكانت له زنمة في عنقه يعرف بها . وقال آخرون : كان دعيا .
وقال ابن جرير : حدثنا أبو كريب ، حدثنا ابن إدريس ، عن أبيه ، عن أصحاب التفسير قالوا هو الذي تكون له زنمة مثل زنمة الشاة .
وقال الضحاك : كانت له زنمة في أصل أذنه ، ويقال : هو اللئيم الملصق في النسب .
وقال أبو إسحاق : عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : هو المريب الذي يعرف بالشر .
وقال مجاهد : الزنيم الذي يعرف بهذا الوصف كما تعرف الشاة . وقال أبو رزين : الزنيم علامة الكفر . وقال عكرمة : الزنيم الذي يعرف باللؤم كما تعرف الشاة بزنمتها .
والأقوال في هذا كثيرة ، وترجع إلى ما قلناه ، وهو أن الزنيم هو : المشهور بالشر ، الذي يعرف به من بين الناس ، وغالبا يكون دعيا ولد زنا ، فإنه في الغالب يتسلط الشيطان عليه ما لا يتسلط على غيره ، كما جاء في الحديث : " لا يدخل الجنة ولد زنا " وفي الحديث الآخر : " ولد الزنا شر الثلاثة إذا عمل بعمل أبويه " .
عُتُلٍّ بَعْدَ ذَٰلِكَ زَنِيمٍ (13)

عتل بعد ذلك زنيم العتل الجافي الشديد في كفره . وقال الكلبي والفراء : هو الشديد الخصومة بالباطل . وقيل : إنه الذي يعتل الناس فيجرهم إلى حبس أو عذاب . مأخوذ من العتل وهو الجر ; ومنه قوله تعالى : خذوه فاعتلوه . وفي الصحاح : وعتلت الرجل أعتله وأعتله إذا جذبته جذبا عنيفا . ورجل معتل ( بالكسر ) . وقال يصف فرسا :
نفرعه فرعا ولسنا نعتله
قال ابن السكيت : عتله وعتنه ، باللام والنون جميعا . والعتل الغليظ الجافي . والعتل أيضا : الرمح الغليظ . ورجل عتل ( بالكسر ) بين العتل ; أي سريع إلى الشر . ويقال : لا أنعتل معك ; أي لا أبرح مكاني . وقال عبيد بن عمير : العتل الأكول الشروب القوي الشديد يوضع في الميزان فلا يزن شعيرة ; يدفع الملك من أولئك في جهنم بالدفعة الواحدة سبعين ألفا . وقال علي بن أبي طالب والحسن : العتل الفاحش السيئ الخلق . وقال معمر : هو الفاحش اللئيم . قال الشاعر :
بعتل من الرجال زنيم غير ذي نجدة وغير كريم
وفي صحيح مسلم عن حارثة بن وهب سمع النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ألا أخبركم بأهل الجنة . قالوا : بلى . قال : كل ضعيف متضعف لو أقسم على الله لأبره . ألا أخبركم بأهل النار . قالوا : بلى . قال : كل عتل جواظ مستكبر . في رواية عنه : كل جواظ زنيم متكبر " . الجواظ : قيل هو الجموع المنوع . وقيل الكثير اللحم المختال في مشيته . وذكر الماوردي عن شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غنم ، ورواه ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا يدخل الجنة جواظ ولا جعظري ولا العتل الزنيم " . فقال رجل : ما الجواظ وما الجعظري وما العتل الزنيم ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الجواظ الذي جمع ومنع . والجعظري الغليظ . والعتل الزنيم الشديد الخلق ، الرحيب الجوف ، المصحح الأكول الشروب ، الواجد للطعام ، الظلوم للناس " . وذكره الثعلبي عن شداد بن أوس : " لا يدخل الجنة جواظ ولا جعظري ولا عتل زنيم " . سمعتهن من النبي صلى الله عليه وسلم . قلت : وما الجواظ ؟ قال : الجماع المناع . قلت : وما الجعظري ؟ قال : الفظ الغليظ . قلت : وما العتل الزنيم ؟ قال : الرحيب الجوف ، الوثير الخلق ، الأكول الشروب ، الغشوم الظلوم .
قلت : فهذا التفسير من النبي صلى الله عليه وسلم في العتل قد أربى على أقوال المفسرين . ووقع في كتاب أبي داود في تفسير الجواظ أنه الفظ الغليظ . ذكره من حديث حارثة بن وهب الخزاعي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يدخل الجنة الجواظ ولا الجعظري " . قال : والجواظ : الفظ الغليظ . ففيه تفسيران مرفوعان حسب ما ذكرناه أولا . وقد قيل : إنه الجافي القلب . وعن زيد بن أسلم في قوله تعالى : عتل بعد ذلك زنيم قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " تبكي السماء من رجل أصح الله جسمه ، ورحب جوفه ، وأعطاه من الدنيا بعضا ، فكان للناس ظلوما ، فذلك العتل الزنيم . وتبكي السماء من الشيخ الزاني ما تكاد الأرض تقله " . والزنيم الملصق بالقوم الدعي ; عن ابن عباس وغيره . قال الشاعر :
زنيم تداعاه الرجال زيادة كما زيد في عرض الأديم الأكارع
وعن ابن عباس أيضا أنه رجل من قريش كانت له زنمة كزنمة الشاة . وروى عنه ابن جبير . أنه الذي يعرف بالشر كما تعرف الشاة بزنمتها . وقال عكرمة : هو اللئيم الذي يعرف بلؤمه كما تعرف الشاة بزنمتها . وقيل : إنه الذي يعرف بالأبنة . وهو مروي عن ابن عباس أيضا . وعنه أنه الظلوم . فهذه ستة أقوال . وقال مجاهد : زنيم كانت له ستة أصابع في يده ، في كل إبهام له إصبع زائدة . وعنه أيضا وسعيد بن المسيب وعكرمة : هو ولد الزنا الملحق في النسب بالقوم . وكان الوليد دعيا في قريش ليس من سنخهم ; ادعاه أبوه بعد ثماني عشرة سنة من مولده . قال الشاعر :
زنيم ليس يعرف من أبوه بغي الأم ذو حسب لئيم
وقال حسان :
وأنت زنيم نيط في آل هاشم كما نيط خلف الراكب القدح الفرد
قلت : وهذا هو القول الأول بعينه . وعن علي رضي الله تعالى عنه أنه الذي لا أصل له ; والمعنى واحد . وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا يدخل الجنة ولد زنا ، ولا ولده ، ولا ولد ولده " . وقال عبد الله بن عمر : إن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن أولاد الزنا يحشرون يوم القيامة في صورة القردة والخنازير " . وقالت ميمونة : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " لا تزال أمتي بخير ما لم يفش فيهم ولد الزنا ، فإذا فشا فيهم ولد الزنا أوشك أن يعمهم الله بعقاب " . وقال عكرمة : إذا كثر ولد الزنا قحط المطر .
قلت : أما الحديث الأول والثاني فما أظن لهما سندا يصح ، وأما حديث ميمونة وما قاله عكرمة ففي صحيح مسلم عن زينب بنت جحش زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : خرج النبي صلى الله عليه وسلم يوما فزعا محمرا وجهه يقول : " لا إله إلا الله . ويل للعرب من شر قد اقترب . فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه . وحلق بإصبعيه الإبهام والتي تليها . قالت : فقلت : يا رسول الله ، أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال : نعم ، إذا كثر الخبث " خرجه البخاري . وكثرة الخبث ظهور الزنا وأولاد الزنا ; كذا فسره العلماء . وقول عكرمة " قحط المطر " تبيين لما يكون به الهلاك . وهذا يحتاج إلى توقيف ، وهو أعلم من أين قاله . ومعظم المفسرين على أن هذا نزل في الوليد بن المغيرة ، وكان يطعم أهل منى حيسا ثلاثة أيام ، وينادي : ألا لا يوقدن أحد تحت برمة ، ألا لا يدخنن أحد بكراع ، ألا ومن أراد الحيس فليأت الوليد بن المغيرة . وكان ينفق في الحجة الواحدة عشرين ألفا وأكثر . ولا يعطي المسكين درهما واحدا فقيل : مناع للخير . وفيه نزل : ويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة . وقال محمد بن إسحاق : نزلت في الأخنس بن شريق ، لأنه حليف ملحق في بني زهرة ، فلذلك سمي زنيما . وقال ابن عباس : في هذه الآية نعت ، فلم يعرف حتى قتل فعرف ، وكان له زنمة في عنقه معلقة يعرف بها . وقال مرة الهمداني : إنما ادعاه أبوه بعد ثماني عشرة سنة .
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features