وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَىٰ هُدَى اللَّهِ أَن يُؤْتَىٰ أَحَدٌ مِّثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِندَ رَبِّكُمْ ۗ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (73)

قوله تعالى : ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم قل إن الهدى هدى الله أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم أو يحاجوكم عند ربكم قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم
قوله تعالى : ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم هذا نهي ، وهو من كلام اليهود بعضهم لبعض ، أي قال ذلك الرؤساء للسفلة . وقال السدي : من قول يهود خيبر ليهود المدينة . وهذه الآية أشكل ما في السورة . فروي عن الحسن ومجاهد أن معنى الآية ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم ، ولا تؤمنوا أن يحاجوكم عند ربكم لأنهم لا حجة لهم فإنكم أصح منهم دينا . و ( أن ) و ( يحاجوكم ) في موضع خفض ، أي بأن يحاجوكم أي باحتجاجهم ، أي لا تصدقوهم في ذلك فإنهم لا حجة لهم . أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم من التوراة والمن والسلوى وفرق البحر وغيرها من الآيات والفضائل . فيكون أن يؤتى مؤخرا بعد أو يحاجوكم ، وقوله إن الهدى هدى الله اعتراض بين كلامين . وقال الأخفش : المعنى ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم ولا تؤمنوا أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم ولا تصدقوا أن يحاجوكم ; يذهب إلى أنه معطوف . وقيل : المعنى ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم ; فالمد على الاستفهام أيضا تأكيد للإنكار الذي قالوه أنه لا يؤتى أحد مثل ما أوتوه ; لأن علماء اليهود قالت لهم : لا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم ; أي لا يؤتى أحد مثل ما أوتيتم ; فالكلام على نسقه . و ( أن ) في موضع رفع على قول من رفع في قولك أزيد ضربته ، والخبر محذوف تقديره أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم تصدقون أو تقرون ، أي إيتاء موجود مصدق أو مقر به ، أي لا تصدقون بذلك . ويجوز أن تكون أن في موضع نصب على إضمار فعل ; كما جاز في قولك أزيدا ضربته ، وهذا أقوى في العربية لأن الاستفهام بالفعل أولى ، والتقدير أتقرون أن يؤتى ، أو أتشيعون ذلك ، أو أتذكرون ذلك ونحوه . وبالمد قرأ ابن كثير وابن محيصن وحميد . وقال أبو حاتم : " أن " معناه " ألأن " ، فحذفت لام الجر استخفافا وأبدلت مدة ; كقراءة من قرأ أن كان ذا مال ; أي ألأن . وقوله أو يحاجوكم على هذه القراءة رجوع إلى خطاب المؤمنين ; أو تكون ( أو ) بمعنى " أن " لأنهما حرفا شك وجزاء يوضع أحدهما موضع الآخر . وتقدير الآية : وأن يحاجوكم عند ربكم يا معشر المؤمنين ، فقل : يا محمد إن الهدى هدى الله ونحن عليه . ومن قرأ بترك المد قال : إن النفي الأول دل على إنكارهم في قولهم ولا تؤمنوا . فالمعنى أن علماء اليهود قالت لهم : لا تصدقوا بأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم ، أي لا إيمان لهم ولا حجة ; فعطف على المعنى من العلم والحكمة والكتاب والحجة والمن والسلوى وفلق البحر وغيرها من الفضائل والكرامات ، أي أنها لا تكون إلا فيكم فلا تؤمنوا أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم إلا من تبع دينكم . فالكلام فيه تقديم وتأخير على هذه القراءة واللام زائدة . ومن استثنى ليس من الأول ، وإلا لم يجز الكلام . ودخلت أحد لأن أول الكلام نفي ، فدخلت في صلة ( أن ) لأنه مفعول الفعل المنفي ; فأن في موضع نصب لعدم الخافض . وقال الخليل : ( أن ) في موضع خفض بالخافض المحذوف . وقيل : إن اللام ليست بزائدة ، و تؤمنوا محمول على تقروا . وقال ابن جريج : المعنى ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم كراهية أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم . وقيل : المعنى لا تخبروا بما في كتابكم من صفة محمد - صلى الله عليه وسلم - إلا لمن تبع دينكم لئلا يكون طريقا إلى عبدة الأوثان إلى تصديقه . وقال الفراء : يجوز أن يكون قد انقطع كلام اليهود عند قوله عز وجل إلا لمن تبع دينكم ثم قال لمحمد - صلى الله عليه وسلم - قل إن الهدى هدى الله أي إن البيان الحق هو بيان الله عز وجل
أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم بين ألا يؤتى أحد مثل ما أوتيتم ، و " لا " مقدرة بعد " أن " أي لئلا يؤتى ; كقوله يبين الله لكم أن تضلوا ; أي لئلا تضلوا ، فلذلك صلح دخول " أحد " في الكلام . و " أو " بمعنى " حتى " و " إلا أن " ; كما قال امرؤ القيس :
فقلت له لا تبك عينك إنما نحاول ملكا أو نموت فنعذرا
وقال آخر :
وكنت إذا غمزت قناة قوم كسرت كعوبها أو تستقيما
ومثله قولهم : لا نلتقي أو تقوم الساعة ، بمعنى " حتى " أو " إلى أن " ; وكذلك مذهب الكسائي . وهي عند الأخفش عاطفة على ولا تؤمنوا وقد تقدم . أي لا إيمان لهم ولا حجة ; فعطف على المعنى . ويحتمل أن تكون الآية كلها خطابا للمؤمنين من الله تعالى على جهة التثبيت لقلوبهم والتشحيذ لبصائرهم ; لئلا يشكوا عند تلبيس اليهود وتزويرهم في دينهم . والمعنى لا تصدقوا يا معشر المؤمنين إلا من تبع دينكم ، ولا تصدقوا أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم من الفضل والدين ، ولا تصدقوا أن يحاجكم في دينكم عند ربكم من خالفكم أو يقدر على ذلك ، فإن الهدى هدى الله وإن الفضل بيد الله . قال الضحاك : إن اليهود قالوا إنا نحاج عند ربنا من خالفنا في ديننا ; فبين الله تعالى أنهم هم المدحضون المعذبون وأن المؤمنين هم الغالبون . ومحاجتهم خصومتهم يوم القيامة . ففي الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( إن اليهود والنصارى يحاجونا عند ربنا فيقولون أعطيتنا أجرا واحدا وأعطيتهم أجرين فيقول هل ظلمتكم من حقوقكم شيئا قالوا لا قال فإن ذلك فضلي أوتيه من أشاء ) . قال علماؤنا : فلو علموا أن ذلك من فضل الله لم يحاجونا عند ربنا ; فأعلم الله نبيه صلى أنهم يحاجونكم يوم القيامة عند ربكم ، ثم قال : قل لهم الآن إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم . وقرأ ابن كثير ( آن يؤتى ) بالمد على الاستفهام ; كما قال الأعشى :
أأن رأت رجلا أعشى أضر به ريب المنون ودهر متبل خبل
وقرأ الباقون بغير مد على الخبر . وقرأ سعيد بن جبير " إن يؤتى " بكسر الهمزة ، على معنى النفي ; ويكون من كلام الله تعالى كما قال الفراء . والمعنى : قل يا محمد إن الهدى هدى الله إن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم أو يحاجوكم عند ربكم يعني اليهود - بالباطل فيقولون نحن أفضل منكم . ونصب " أو يحاجوكم " يعني بإضمار " أن " و " أو " تضمر بعدها " أن " إذا كانت بمعنى " حتى " و " إلا أن " . وقرأ الحسن " أن يؤتي " بكسر التاء وياء مفتوحة ، على معنى أن يؤتي أحد أحدا مثل ما أوتيتم ، فحذف المفعول .
قوله تعالى : قل إن الهدى هدى الله فيه قولان :
( أحدهما ) إن الهدى إلى الخير والدلالة إلى الله عز وجل بيد الله جل ثناؤه يؤتيه أنبياءه ، فلا تنكروا أن يؤتى أحد سواكم مثل ما أوتيتم ، فإن أنكروا ذلك فقل لهم : إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء . ( والقول الآخر ) قل إن الهدى هدى الله الذي آتاه المؤمنين من التصديق بمحمد - صلى الله عليه وسلم - لا غيره . وقال بعض أهل الإشارات في هذه الآية : لا تعاشروا إلا من يوافقكم على أحوالكم وطريقتكم فإن من لا يوافقكم لا يرافقكم ، والله أعلم .
وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَىٰ هُدَى اللَّهِ أَن يُؤْتَىٰ أَحَدٌ مِّثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِندَ رَبِّكُمْ ۗ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (73)

القول في تأويل قوله : وَلا تُؤْمِنُوا إِلا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: ولا تصدّقوا إلا من تبع دينكم فكان يهوديًّا.
* * *
وهذا خبر من الله عن قول الطائفة الذين قالوا لإخوانهم من اليهود: "آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار ".
* * *
و " اللام " التي في قوله: " لمن تبع دينكم "، نظيرة " اللام " التي في قوله: عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ ، بمعنى: ردفكم، بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ [سورة النمل: 72].
* * *
وبنحو ما قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
7246 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: " ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم "، هذا قول بعضهم لبعض.
7247 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع مثله.
7247 م - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم " قال: لا تؤمنوا إلا لمن تبع اليهودية.
7248 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن يزيد في قوله: " ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم "، قال: لا تؤمنوا إلا لمن آمن بدينكم، ومَنْ خالفه فلا تؤمنوا له. (9)
* * *
القول في تأويل قوله : قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك.
فقال بعضهم: قوله: " قل إنّ الهدى هدى الله "، اعتراضٌ به في وسط الكلام، (10) خبرًا من الله عن أن البيان بيانُه والهدى هُداه. قالوا: وسائرُ الكلام بعدَ ذلك متصلٌ بالكلام الأول، خبرًا عن قِيل اليهود بعضها لبعض. (11) فمعنى الكلام عندهم: ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم، ولا تؤمنوا أن يؤتى أحدٌ مثل ما أوتيتم، أو أنْ يحاجُّوكم عند ربكم = أي: ولا تؤمنوا أن يحاجّكم أحدٌ عند ربكم. ثم قال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم: قل، يا محمد: إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ ، و " إن الهدى هدى الله ".
ذكر من قال ذلك:
7249 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: " أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم "، حسدًا من يهود أن تكون النبوة في غيرهم، وإرادةَ أن يُتَّبعوا على دينهم.
7250- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.
* * *
وقال آخرون: تأويل ذلك: قل يا محمد: " إن الهدى هدى الله "، إنّ البيان بيانُ الله =" أن يؤتى أحدٌ"، قالوا: ومعناه: لا يؤتى أحدٌ من الأمم مثل ما أوتيتم، كما قال: يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا [سورة النساء: 176]، بمعنى: لا تضلون، وكقوله: كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ * لا يُؤْمِنُونَ بِهِ [سورة الشعراء: 200-201]، يعني: أن لا يؤمنوا =" مثل ما أوتيتم "، يقول: مثل ما أوتيتَ، أنت يا محمد، وأمتك من الإسلام والهدى =" أو يحاجوكم عند ربكم "، قالوا: ومعنى " أو ": " إلا "، أيْ: إلا أن " يحاجوكم "، يعني: إلا أن يجادلوكم عند ربكم عند ما فَعل بهم ربُّكم. (12)
ذكر من قال ذلك:
7251 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: قال الله عز وجل لمحمد صلى الله عليه وسلم: " قل إنّ الهدى هُدَى الله أن يؤتى أحدٌ مثل ما أوتيتم "، يقول، مثل ما أوتيتم يا أمة محمد =" أو يحاجوكم عند ربكم "، تقول اليهود: فعل الله بنا كذا وكذا من الكرامة، حتى أنـزل علينا المن والسلوى = فإن الذي أعطيتكم أفضلُ فقولوا: إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ ، الآية.
* * *
فعلى هذا التأويل، جميع هذا الكلام، [أمرٌ] من الله نبيَّه محمدًا صلى الله عليه وسلم أن يقوله لليهود، (13) وهو متلاصق بعضه ببعض لا اعتراض فيه. و " الهدى " الثاني ردّ على " الهدى " الأول، و " أن " في موضع رفع على أنه خبر عن " الهدى ".
* * *
وقال آخرون: بل هذا أمر من الله نبيَّه أن يقوله لليهود. (14) وقالوا: تأويله: " قل " يا محمد " إن الهدى هُدى الله أن يؤتى أحد " من الناس " مثل ما أوتيتم "، يقول: مثل الذي أوتيتموه أنتُم يا معشر اليهود من كتاب الله، ومثل نبيكم، فلا تحسدوا المؤمنين على ما أعطيتهم، مثلَ الذي أعطيتكم من فضلي، فإن الفضل بيدي أوتيه من أشاء.
ذكر من قال ذلك:
7252 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " قل إن الهدى هدى الله أن يؤتَى أحدٌ مثل ما أوتيتم "، يقول: لما أنـزل الله كتابًا مثلَ كتابكم، وبعثَ نبيًّا مثل نبيكم، حسدتموهم على ذلك =" قلْ إنّ الفضلَ بيد الله "، الآية.
7253 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع مثله.
* * *
وقال آخرون: بل تأويل ذلك: " قل " يا محمد: " إن الهدى هدى الله أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم " أنتم يا معشر اليهود من كتاب الله. قالوا: وهذا آخر القول الذي أمرَ الله به نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم أن يقوله لليهود من هذه الآية. قالوا: وقوله: " أو يحاجوكم "، مردود على قوله: وَلا تُؤْمِنُوا إِلا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ .
وتأويل الكلام - على قول أهل هذه المقالة -: ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم، فتتركوا الحقَّ: أنّ يحاجُّوكم به عند ربكم من اتبعتم دينه فاخترتموه: أنه محقٌّ، وأنكم تجدون نعته في كتابكم. فيكون حينئذ قوله: " أو يحاجوكم " مردودًا على جواب نهي متروك، على قول هؤلاء.
ذكر من قال ذلك:
7254 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قوله: " إن الهدى هدى الله أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم "، يقول: هذا الأمر الذي أنتم عليه: أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم =" أو يحاجوكم عند ربكم "، قال: قال بعضهم لبعض: لا تخبروهم بما بيَّن الله لكم في كتابه، ليحاجُّوكم = قال: ليخاصموكم = به عند ربكم =" قل إن الهدى هدى الله ".
* * *
[قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يكون قوله: " قل إن الهدى هُدى الله "] = معترضًا به، (15) وسائر الكلام متَّسِقٌ على سياقٍ واحد. فيكون تأويله حينئذ: ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم، (16) ولا تؤمنوا أن يؤتى أحدٌ مثل ما أوتيتم = بمعنى: لا يؤتى أحدٌ مثل ما أوتيتم = (17) " أو يحاجوكم عند ربكم "، بمعنى: أو أن يحاجوكم عند ربكم . . . . . . . . (18) أحد بإيمانكم، لأنكم أكرمُ على الله بما فضلكم به عليهم. فيكون الكلام كله خبرًا عن قول الطائفة التي قال الله عز وجل: وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْـزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ سوى قوله: " قلُ إن الهدى هدى الله ". ثم يكون الكلامُ مبتدأ بتكذيبهم في قولهم: " قل "، يا محمد، للقائلين ما قولوا من الطائفة التي وصفتُ لك قولها لتُبَّاعها من اليهود = (19) " إن الهدى هدى الله "، إن التوفيق توفيقُ الله والبيانَ بيانُه، (20) " وإن الفضل بيده يؤتيه من يشاء " لا ما تمنيتموه أنتم يا معشر اليهود.
وإنما اخترنا ذلك من سائر الأقوال التي ذكرناها، (21) لأنه أصحها معنًى، وأحسنُها استقامةً، على معنى كلام العرب، وأشدُّها اتساقًا على نظم الكلام وسياقه. وما عدا ذلك من القول، فانتزاع يبعُد من الصحة، على استكراه شديدٍ للكلام.
* * *
القول في تأويل قوله : قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (73)
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: " قل " يا محمد، لهؤلاء اليهود الذين وصفتُ قولهم لأوليائهم =" إنّ الفضل بيد الله "، إنّ التوفيق للإيمان والهدايةَ للإسلام، (22) بيد الله وإليه، دونكم ودون سائر خلقه =" يؤتيه من يشاء " من خلقه، يعني: يعطيه من أراد من عباده، (23) تكذيبًا من الله عز وجل لهم في قولهم لتُبّاعهم: " لا يؤتى أحد مثل ما أوتيتم ". فقال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم: قل لهم: ليس ذلك إليكم، إنما هو إلى الله الذي بيده الأشياء كلها، وإليه الفضل، وبيده، يُعطيه من يشاء =" والله واسع عليم "، يعني: والله ذُو سعةٍ بفضله على من يشاء أن يتفضل عليه = (24) " عليم "، ذو علم بمن هو منهم للفضل أهل. (25)
7255 - حدثني المثنى قال، حدثنا سويد بن نصر قال، أخبرنا ابن المبارك قراءةً، عن ابن جريج في قوله: " قل إنّ الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء "، قال: الإسلام.
--------------------
الهوامش :
(9) في المطبوعة: "لا من خالفه فلا تؤمنوا به" بزيادة"لا" وفي المخطوطة: "من خالفه فلا تؤمنوا به" ، والصواب زيادة الواو كما أثبت ، والصواب أيضًا"تؤمنوا له" ، وذاك تصحيف من الناسخ.
(10) في المطبوعة: "اعترض به في وسط الكلام ، خبر من الله. . ." والصواب ما في المخطوطة كما أثبته.
(11) في المطبوعة هنا أيضًا: "خبر عن قيل اليهود" برفع الخبر ، والصواب من المخطوطة.
(12) انظر تفصيل هذه المقالة في معاني القرآن للفراء 1: 222-223.
(13) في المطبوعة: "جميع هذا الكلام من الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم" ، وفي المخطوطة"جميع هذا الكلام من الله نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم" ، ولما رأى الناشر عبارة لا تستقيم ، اجتهد في إصلاحها ، والصواب القريب زيادة ما زدته بين القوسين ، سقط من الناسخ"أمر" لقرب رسمها مما بعدها وهو: "من". وقد استظهرته مما سيأتي في أول الفقرة التالية.
(14) في المطبوعة: "أمر من الله لنبيه" زاد لامًا لا ضرورة لها. وانظر التعليق السالف.
(15) الزيادة التي بين القوسين لا بد منها كما سترى في التعليق ص 516 ، تعليق: 3. وكان في المطبوعة"قل إن الهدى هدى الله ، معترض به" ، وهو لا يستقيم ، وفي المخطوطة مثله إلا أنه كتب"معترضًا به" بالنصب. والظاهر أن الناسخ لما بلغ"قل إن الهدى هدى الله" في الأثر السالف تخطى بصره إلى نظيرتها في كلام الطبري ، فكتب بعده: "معترضًا به" وأسقط ما بينهما كما سيتبين لك فيما بعد.
(16) في المطبوعة: "اتبع دينكم" ، والصواب من المخطوطة.
(17) في المطبوعة: "بمثل ما أوتيتم" زاد"باء" ، والصواب من المخطوطة.
(18) موضع هذه النقط سقط ، لا أشك فيه ، وكان في المطبوعة: "أو أن يحاجكم عند ربكم أحد بإيمانكم" ، وهو غير مستقيم ، وكان في المخطوطة: "أو أن يحاجوكم عند ربكم أحد بإيمانكم" ، وهو كلام مختل ، حمل ناشر المطبوعة الأولى على تغييره ، كما رأيت. وظاهر أنه سقط من هذا الموضع ، سياق أبي جعفر لهذا التأويل الذي اختاره ، ورد فيه قوله تعالى: "قل إن الهدى هدى الله" ، إلى موضعها بعد قوله: "أو يحاجوكم به عند ربكم" ، كما هو بين من كلامه. وأنا أظن أن قوله: "أحد بايما لم" وهكذا كتبت في المخطوطة غير منقوطة ، صوابها"حسدا لما آتاكم" ، كما يستظهر من الآثار السالفة.
هذا ، وإن شئت أن تجعل الكلام جاريًا كله مجرى واحدًا على هذا: "أو أن يحاجوكم عند ربكم ، حسدًا لما آتاكم ، لأنكم أكرم على الله منهم. . ." ، كان وجهًا ، غير أني لست أرتضيه ، بل أرجح أن هاهنا سقطًا لا شك فيه.
(19) التباع جمع تابع ، مثل: "جاهل وجهال".
(20) انظر تفسير"الهدى" فيما سلف 1: 166-170 ، 230 ، 249 ، 549-551 / 3: 101 ، 140 ، 141 ، 223 / 4: 283.
(21) من ذكر الطبري اختياره ، تبين بلا ريب أن في صدر الكلام سقطًا ، كما أسلف في ص: 515 ، تعليق: 1 ، ولعل الزيادة التي أسلفتها ، قد نزلت منزلها من الصواب إن شاء الله.
(22) انظر تفسير"الفضل" فيما سلف 2: 334 / 5: 571.
(23) انظر تفسير: "آتى" فيما سلف 1: 574 / 2: 317 وفهارس اللغة.
(24) انظر تفسير"واسع" فيما سلف 2: 537 / 5: 516 ، 575.
(25) انظر تفسير"عليم" فيما سلف 1: 438 ، 496 / 2 ، 537 / 3 : 399 ، وفهارس اللغة.
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features