وَعُرِضُوا عَلَىٰ رَبِّكَ صَفًّا لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ۚ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّن نَّجْعَلَ لَكُم مَّوْعِدًا (48)

قوله تعالى : وعرضوا على ربك صفا لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة بل زعمتم ألن نجعل لكم موعدا قوله تعالى : وعرضوا على ربك صفا صفا نصب على الحال . قال مقاتل : يعرضون صفا بعد صف كالصفوف في الصلاة ، كل أمة وزمرة صفا ; لا أنهم صف واحد . وقيل جميعا ; كقوله ثم ائتوا صفا أي جميعا . وقيل قياما . وخرج الحافظ أبو القاسم عبد الرحمن بن منده في كتاب التوحيد عن معاذ بن جبل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إن الله - تبارك وتعالى - ينادي يوم القيامة بصوت رفيع غير فظيع يا عبادي أنا الله لا إله إلا أنا أرحم الراحمين وأحكم الحاكمين وأسرع الحاسبين يا عبادي لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون أحضروا حجتكم ويسروا جوابا فإنكم مسئولون محاسبون . يا ملائكتي أقيموا عبادي صفوفا على أطراف أنامل أقدامهم للحساب .
قلت : هذا الحديث غاية في البيان في تفسير الآية ، ولم يذكره كثير من المفسرين ، وقد كتبناه في كتاب التذكرة ، ومنه نقلناه والحمد لله .
لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة أي يقال لهم : لقد جئتمونا حفاة عراة ، لا مال معكم ولا ولدا وقيل فرادى ; دليله قوله ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة . وقد تقدم . وقال الزجاج : أي بعثناكم كما خلقناكم .
بل زعمتم هذا خطاب لمنكري البعث أي زعمتم في الدنيا أن لن تبعثوا وأن لن نجعل لكم موعدا للبعث . وفي صحيح مسلم عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلا قلت : يا رسول الله الرجال والنساء ينظر بعضهم إلى بعض ؟ قال : يا عائشة ، الأمر أشد من أن ينظر بعضهم إلى بعض . " غرلا " أي غير مختونين . وقد تقدم في " الأنعام " بيانه .
وَعُرِضُوا عَلَىٰ رَبِّكَ صَفًّا لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ۚ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّن نَّجْعَلَ لَكُم مَّوْعِدًا (48)

القول في تأويل قوله : ( وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا ) يقول عزّ ذكره: وعُرض الخلق على ربك يا محمد صفا.
( لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ) يقول عزّ ذكره : يقال لهم إذ عُرضوا على الله: لقد جئتمونا أيها الناس أحياء كهيئتكهم حين خلقناكم أوَّل مرة ، وحذف يقال من الكلام لمعرفة السامعين بأنه مراد في الكلام.
وقوله: ( بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا ) وهذا الكلام خرج مخرج الخبر عن خطاب الله به الجميع، والمراد منه الخصوص، وذلك أنه قد يرد القيامة خلق من الأنبياء والرسل، والمؤمنين بالله ورسله وبالبعث ، ومعلوم أنه لا يقال يومئذ لمن وردها من أهل التصديق بوعد الله في الدنيا، وأهل اليقين فيها بقيام الساعة، بل زعمتم أن لن نجعل لكم البعث بعد الممات، والحشر إلى القيامة موعدا، وأن ذلك إنما يقال لمن كان في الدنيا مكذّبا بالبعث وقيام الساعة.
------------------------
الهوامش:
(1) هذان بيتان من مشطور الرجز ، من ثلاثة أبيات أوردها ( اللسان : عرض ) والثالث قبلهما ، وهو * يـا ليـل أسقاك البريق الوامض *
وهي لأبي محمد الفقعسي قاله يخاطب امرأة خطبها إلى نفسها ، ورغبها في أن تنكحه ، فقال : هل لك رغبة في مئة من الإبل أو أكثر من ذلك لأن الهجمة أولها الأربعون ، إلى ما زدت ، يجعلها لها مهرا . قال : وفيه تقديم وتأخير ، والمعنى هل لك في مئة من الإبل أو أكثر ، يسئر منها قابضها الذي يسوقها ، أي يبقى ، لأنه لا يقدر على سوقها ، لكثرتها وقوتها ، لأنها تفرق عليه . ثم قال والعارض منك عائض ، أي المعطي بذل بضعك أي معطي بدل بضعك عرضا عائض ، أي آخذ عوضا منك بالتزويج ، يكون كفاء لما عرض منك . ويقال عضت أعاض : إذا اعتضت عوضا ، ( بكسر العين في الماضي ) وعضت أعوض ( بضم عين الماضي ) : إذا عوضت عوضا : أي دفعت : فقوله عائض من عضت ( بالكسر ) لا من عضت ( بالضم ) . ومن روى " يغدر " : أراد يترك ، من قولهم غادرت الشيء . قال ابن بري : والذي في شعره : " والعائض منك عائض " : أي والعوض منك عوض ، كما تقول : الهبة منك هبة ، أي لها موقع . ا هـ - قلت : في رواية اللسان لهذا الرجز " يسئر " أي يبقى ، في موضع " يغدر " .
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features