وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى ۗ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَّرَدًّا (76)

قوله : ويزيد الله الذين اهتدوا هدى والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير مردا
قوله تعالى : ويزيد الله الذين اهتدوا هدى أي ويثبت الله المؤمنين على الهدى ويزيدهم في النصرة ، وينزل من الآيات ما يكون سبب زيادة اليقين مجازاة لهم . وقيل : يزيدهم هدى بتصديقهم بالناسخ والمنسوخ الذي كفر به غيرهم ، قال معناه الكلبي ومقاتل ويحتمل ثالثا أي ( ويزيد الله الذين اهتدوا ) إلى الطاعة ( هدى ) إلى الجنة والمعنى متقارب وقد تقدم القول في معنى زيادة الأعمال وزيادة الإيمان والهدى في ( آل عمران ) وغيرها . والباقيات الصالحات تقدم في ( الكهف ) القول فيها . خير عند ربك ثوابا أي جزاء وخير مردا أي في الآخرة مما افتخر به الكفار في الدنيا . و ( المرد ) مصدر كالرد ؛ أي وخير ردا على عاملها بالثواب ؛ يقال هذا أرد عليك أي أنفع لك . وقيل خير مردا أي مرجعا فكل أحد يرد إلى عمله الذي عمله .
وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى ۗ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَّرَدًّا (76)

يقول تعالى ذكره: ويزيد الله من سلك قصد المحجة، واهتدى لسبيل الرشد، فآمن بربه، وصدّق بآياته، فعمل بما أمره به، وانتهى عما نهاه عنه هدى بما يتجدّد له من الإيمان بالفرائض التي يفرضها عليه ، ويقرّ بلزوم فرضها إياه، ويعمل بها، فذلك زيادة من الله في اهتدائه بآياته هدى على هداه، وذلك نظير قوله وَإِذَا مَا أُنْـزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ . وقد كان بعضهم يتأول ذلك: ويزيد الله الذين اهتدوا هدى بناسخ القرآن ومنسوخه، فيؤمن بالناسخ، كما آمن من قبل بالمنسوخ، فذلك زيادة هدى من الله له على هُدَاه من قبل ( وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا ) يقول تعالى ذكره: والأعمال التي أمر الله بها عباده ورضيها منهم ، الباقيات لهم غير الفانيات الصالحات، خير عند ربك جزاء لأهلها( وَخَيْرٌ مَرَدًّا ) عليهم من مقامات هؤلاء المشركين بالله، وأنديتهم التي يفتخرون بها على أهل الإيمان في الدنيا.
وقد بيَّنا معنى الباقيات الصالحات، وذكرنا اختلاف المختلفين في ذلك، ودللنا على الصواب من القول فيه فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا عمر بن راشد، عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، قال: " جلس النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم، فأخذ عودا يابسا، فحطّ ورقه ثم قال: إنَّ قَوْلَ لا إله إلا اللهُ، واللهُ أكْبَرُ، والحَمْدُ للهِ وسُبْحَانَ اللهِ، تَحطُّ الخَطايا، كمَا تَحُطُّ وَرَقَ هذِهِ الشَّجَرَةِ الرِّيحُ، خُذْهُنَّ يا أبا الدَّرْدَاءِ قَبْلَ أنْ يُحَالَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُنَّ، هُنَّ البَاقِيَاتُ الصَّالِحاتُ، وَهُنَّ مِنْ كُنُوزِ الجَنَّةِ"، قال أبو سلمة: فكان أبو الدرداء إذا ذكر هذا الحديث قال: لأهللنّ الله، ولأكبرنّ الله، ولأسبحنّ الله، حتى إذا رآني الجاهل حسب أني مجنون.
وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى ۗ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَّرَدًّا (76)

لما ذكر أنه يمد للظالمين في ضلالهم، ذكر أنه يزيد المهتدين هداية من فضله عليهم ورحمته، والهدى يشمل العلم النافع، والعمل الصالح. فكل من سلك طريقا في العلم والإيمان والعمل الصالح زاده الله منه، وسهله عليه ويسره له، ووهب له أمورا أخر، لا تدخل تحت كسبه، وفي هذا دليل على زيادة الإيمان ونقصه، كما قاله السلف الصالح، ويدل عليه قوله تعالى { وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا } { وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا }
ويدل عليه أيضا الواقع، فإن الإيمان قول القلب واللسان، وعمل القلب واللسان والجوارح، والمؤمنون متفاوتون في هذه الأمور، أعظم تفاوت، ثم قال: { وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ } أي: الأعمال الباقية، التي لا تنقطع إذا انقطع غيرها، ولا تضمحل، هي الصالحات منها، من صلاة، وزكاة، وصوم، وحج، وعمرة، وقراءة، وتسبيح، وتكبير، وتحميد، وتهليل، وإحسان إلى المخلوقين، وأعمال قلبية وبدنية. فهذه الأعمال { خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْر مَرَدًّا } أي: خير عند الله، ثوابها وأجرها، وكثير للعاملين نفعها وردها، وهذا من باب استعمال أفعل التفضيل في غير بابه، فإنه ما ثم غير الباقيات الصالحات، عمل ينفع، ولا يبقى لصاحبه ثوابه ولا ينجع، ومناسبة ذكر الباقيات الصالحات-والله أعلم- أنه لما ذكر أن الظالمين جعلوا أحوال الدنيا من المال والولد، وحسن المقام ونحو ذلك، علامة لحسن حال صاحبها، أخبر هنا أن الأمر، ليس كما زعموا، بل العمل الذي هو عنوان السعادة ومنشور الفلاح، هو العمل بما يحبه الله ويرضاه.
وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى ۗ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَّرَدًّا (76)

قوله عز وجل : ( ويزيد الله الذين اهتدوا هدى ) أي إيمانا وإيقانا على يقينهم ( والباقيات الصالحات ) الأذكار والأعمال الصالحة التي تبقى لصاحبها ( خير عند ربك ثوابا وخير مردا ) عاقبة ومرجعا .
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features