يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَىٰ مِنَ الْقَوْلِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا (108)

قوله تعالى : يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطا
قال الضحاك : لما سرق الدرع اتخذ حفرة في بيته وجعل الدرع تحت التراب ؛ فنزلت يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله يقول : لا يخفى مكان الدرع على الله وقيل : يستخفون من الناس أي يستترون ، كما قال تعالى : ومن هو مستخف بالليل أي مستتر . وقيل : يستحيون من الناس ، وهذا لأن الاستحياء سبب الاستتار . ومعنى وهو معهم أي بالعلم والرؤية والسمع ، هذا قول أهل السنة . وقالت الجهمية والقدرية والمعتزلة : هو بكل مكان ، تمسكا بهذه الآية وما كان مثلها ، قالوا : لما قال وهو معهم ثبت أنه بكل مكان ، لأنه قد أثبت كونه معهم تعالى الله عن قولهم ، فإن هذه صفة الأجسام والله تعالى متعال عن ذلك ألا ترى مناظرة بشر في قول الله عز وجل : ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم حين قال : هو بذاته في كل مكان فقال له خصمه : هو في قلنسوتك وفي حشوك وفي جوف حمارك . تعالى الله عما يقولون ! حكى ذلك وكيع رضي الله عنه . ومعنى يبيتون يقولون . قاله الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس . ما لا يرضى أي ما لا يرضاه الله لأهل طاعته . من القول أي من الرأي والاعتقاد ، كقولك : مذهب مالك والشافعي . وقيل : القول بمعنى المقول ؛ لأن نفس القول لا يبيت .
يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَىٰ مِنَ الْقَوْلِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا (108)

القول في تأويل قوله ( يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطا ( 108 ) )
قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بقوله : " يستخفون من الناس " ، يستخفي هؤلاء الذين يختانون أنفسهم ما أتوا من الخيانة ، وركبوا من العار والمعصية من الناس الذين لا يقدرون لهم على شيء ، إلا ذكرهم بقبيح ما أتوا من فعلهم ، وشنيع ما ركبوا من جرمهم إذا اطلعوا عليه ، حياء منهم وحذرا من قبيح الأحدوثة " ولا يستخفون من الله " الذي هو مطلع عليهم ، لا يخفى عليه شيء من أعمالهم ، وبيده العقاب والنكال وتعجيل العذاب ، وهو أحق أن يستحى منه من غيره ، وأولى أن يعظم بأن لا يراهم حيث يكرهون أن يراهم أحد من خلقه وهو معهم يعني : والله شاهدهم " إذ يبيتون ما لا يرضى من القول " ، يقول : حين يسوون ليلا ما لا يرضى من القول ، فيغيرونه عن وجهه ، ويكذبون فيه .
وقد بينا معنى "التبييت" في غير هذا الموضع ، وأنه كل كلام أو أمر أصلح ليلا .
وقد حكي عن بعض الطائيين أن "التبييت" في لغتهم : التبديل ، وأنشد للأسود بن عامر بن جوين الطائي في معاتبة رجل :
[ ص: 192 ]
وبيت قولي عبد المليك قاتلك الله عبدا كنودا!!
بمعنى : بدلت قولي .
وروي عن أبي رزين أنه كان يقول في معنى قوله : "يبيتون" ، يؤلفون .
10419 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن أبي رزين : " إذ يبيتون ما لا يرضى من القول " ، قال : يؤلفون ما لا يرضى من القول .
10420 - حدثنا أحمد بن سنان الواسطي قال : حدثنا أبو يحيى الحماني ، عن سفيان ، عن الأعمش ، عن أبي رزين بنحوه .
10421 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا الثوري ، عن الأعمش ، عن أبي رزين ، مثله .
قال أبو جعفر : وهذا القول شبيه المعنى بالذي قلناه . وذلك أن "التأليف" هو التسوية والتغيير عما هو به ، وتحويله عن معناه إلى غيره .
وقد قيل : عنى بقوله : " يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله " ، الرهط الذين مشوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسألة المدافعة عن ابن أبيرق والجدال عنه ، على ما ذكرنا قبل فيما مضى عن ابن عباس وغيره .
" وكان الله بما يعملون محيطا " يعني جل ثناؤه : وكان الله بما يعمل هؤلاء [ ص: 193 ] المستخفون من الناس ، فيما أتوا من جرمهم ، حياء منهم ، من تبييتهم ما لا يرضى من القول ، وغيره من أفعالهم محيطا محصيا لا يخفى عليه شيء منه ، حافظا لذلك عليهم ، حتى يجازيهم عليه جزاءهم .
يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَىٰ مِنَ الْقَوْلِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا (108)

( يستخفون من الناس ) أي : يستترون ويستحيون من الناس ، يريد بني ظفر بن الحارث ، ( ولا يستخفون من الله ) أي : لا يستترون ولا يستحيون من الله ، ( وهو معهم إذ يبيتون ) يقولون ويؤلفون ، والتبييت : تدبير الفعل ليلا ( ما لا يرضى من القول ) وذلك أن قوم طعمة قالوا فيما بينهم : نرفع الأمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فإنه يسمع قوله ويمينه لأنه مسلم ولا يسمع من اليهودي فإنه كافر ، فلم يرض الله ذلك منهم ، ( وكان الله بما يعملون محيطا ) ثم يقول لقوم طعمة :
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features