وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم بِاللَّهِ إِلَّا وَهُم مُّشْرِكُونَ (106)

قوله تعالى : وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون نزلت في قوم أقروا بالله خالقهم وخالق الأشياء كلها ، وهم يعبدون الأوثان ; قاله الحسن ، ومجاهد وعامر والشعبي وأكثر المفسرين . وقال عكرمة هو قوله : ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله ثم يصفونه بغير صفته ويجعلون له أندادا ; وعن الحسن أيضا : أنهم أهل كتاب معهم شرك وإيمان ، آمنوا بالله وكفروا بمحمد - صلى الله عليه وسلم - ; فلا يصح إيمانهم ; حكاه ابن الأنباري . وقال ابن عباس : نزلت في تلبية مشركي العرب : لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك . وعنه أيضا أنهم النصارى . وعنه أيضا أنهم المشبهة ، آمنوا مجملا وأشركوا مفصلا . وقيل : نزلت في المنافقين ; المعنى : وما يؤمن أكثرهم بالله أي باللسان إلا وهو كافر بقلبه ; ذكره الماوردي عن الحسن أيضا . وقال عطاء : هذا في الدعاء ; وذلك أن الكفار ينسون ربهم في الرخاء ، فإذا أصابهم البلاء أخلصوا في الدعاء ; بيانه : وظنوا أنهم أحيط بهم الآية . وقوله : وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه الآية . وفي آية أخرى : وإذا مسه الشر فذو دعاء عريض . وقيل : معناها أنهم يدعون الله ينجيهم من الهلكة ، فإذا أنجاهم قال قائلهم : لولا فلان ما نجونا ، ولولا الكلب لدخل علينا اللص ، ونحو هذا ; فيجعلون نعمة الله منسوبة إلى فلان ، ووقايته منسوبة إلى الكلب .
قلت : وقد يقع في هذا القول والذي قبله كثير من عوام المسلمين ; ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم . وقيل : نزلت هذه الآية في قصة الدخان ; وذلك أن أهل مكة لما غشيهم الدخان في سني القحط قالوا : ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون فذلك إيمانهم ، وشركهم عودهم إلى الكفر بعد كشف العذاب ; بيانه قوله : إنكم عائدون والعود لا يكون إلا بعد ابتداء ; فيكون معنى : إلا وهم مشركون أي إلا وهم عائدون إلى الشرك ، والله أعلم .
وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم بِاللَّهِ إِلَّا وَهُم مُّشْرِكُونَ (106)

القول في تأويل قوله تعالى : وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ (106)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وما يُقِرُّ أكثر هؤلاء ، الذين وصَفَ عز وجل صفتهم بقوله: وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ ، بالله أنه خالقه ورازقه وخالق كل شيء ، ( إلا وهم مشركون )، في عبادتهم الأوثان والأصنام , واتخاذهم من دونه أربابًا , وزعمهم أنَّ له ولدًا , تعالى الله عما يقولون.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
* ذكر من قال ذلك:
19954 - حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا عمران بن عيينة , عن عطاء بن السائب , عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس: ( وما يؤمن أكثرهم بالله ) الآية , قال: من إيمانهم، إذا قيل لهم: مَن خلق السماء؟ ومن خلق الأرض؟ ومن خلق الجبال؟ قالوا: الله . وهم مشركون.
19955 - حدثنا هناد , قال: حدثنا أبو الأحوص , عن سماك , عن عكرمة , في قوله: ( وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ) ، قال: تسألهم: مَن خلقهم؟ ومن خلق السماوات والأرض , فيقولون: الله . فذلك إيمانهم بالله , وهم يعبدون غيره.
19956 - حدثنا أبو كريب , قال: حدثنا وكيع , عن إسرائيل , عن جابر , عن عامر، وعكرمة: ( وما يؤمن أكثرهم بالله ) الآية , قالا يعلمون أنه ربُّهم , وأنه خلقهم , وهم يشركون به. (4)
19957 - حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا أبي , عن إسرائيل , عن جابر , عن عامر، وعكرمة، بنحوه.
19958 - .... قال: حدثنا ابن نمير , عن نضر , عن عكرمة: ( وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ) ، قال: من إيمانهم إذا قيل لهم: من خلق السماوات؟ قالوا: الله. وإذا سئلوا: من خلقهم؟ قالوا: الله. وهم يشركون به بَعْدُ.
19959 - .... قال: حدثنا أبو نعيم , عن الفضل بن يزيد الثمالي , عن عكرمة , قال: هو قول الله: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [سورة لقمان: 25/ سورة الزمر:38]. فإذا سئلوا عن الله وعن صفته , وصفوه بغير صفته، وجعلوا له ولدًا، وأشركوا به. (5)
19960 - حدثنا الحسن بن محمد , قال: حدثنا شبابة , قال: حدثنا ورقاء , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , قوله: ( وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ) ، إيمانهم قولهم: الله خالقُنا، ويرزقنا ويميتنا.
19961 - حدثني محمد بن عمرو , قال: حدثنا أبو عاصم , قال: حدثنا عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد: ( وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ) ، فإيمانهم قولُهم: الله خالقنا ويرزقنا ويميتنا.
19962 - حدثني المثنى , قال: أخبرنا أبو حذيفة , قال: حدثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد: ( وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ) ، إيمانُهم قولهم: الله خالقنا ويرزقنا ويميتنا. , فهذا إيمان مع شرك عبادتهم غيرَه.
19963 - .... قال، حدثنا إسحاق , قال: حدثنا عبد الله , عن ورقاء , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد: ( وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ) قال: إيمانهم قولهم: الله خالقنا ويرزقنا ويميتنا
19964 - حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا هانئ بن سعيد وأبو معاوية , عن حجاج , عن القاسم , عن مجاهد , قال: يقولون: " الله ربنا , وهو يرزقنا "، وهم يشركون به بعدُ.
19965 - حدثنا القاسم , قال: حدثنا الحسين , قال: حدثني حجاج , عن ابن جريج , عن مجاهد , قال: إيمانهم قولُهم: الله خالقنا، ويرزقنا ويميتنا.
19966 - .... قال: حدثنا الحسين , قال: حدثنا أبو تميلة , عن أبي حمزة , عن جابر , عن عكرمة، ومجاهد، وعامر: أنهم قالوا في هذه الآية: ( وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ) ، قال: ليس أحد إلا وهو يعلم أن الله خلقه وخلق السموات والأرض، فهذا إيمانهم , ويكفرون بما سوى ذلك.
19967 - حدثنا بشر , قال، حدثنا يزيد , قال حدثنا سعيد , عن قتادة , قوله: ( وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ) ، في إيمانهم هذا. إنك لست تلقى أحدًا منهم إلا أنبأك أن الله ربه، وهو الذي خلقه ورزقه , وهو مشرك في عبادته.
19968 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى , قال:حدثنا محمد بن ثور , عن معمر , عن قتادة: ( وما يؤمن أكثرهم بالله ) الآية , قال: لا تسأل أحدًا من المشركين: مَنْ رَبُّك؟ إلا قال: ربِّيَ الله! وهو يشرك في ذلك.
19969 - حدثني محمد بن سعد , قال: حدثني أبي , قال: حدثني عمي , قال: حدثني أبي عن أبيه , عن ابن عباس , قوله: ( وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ) ، يعني النصارى، يقول: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ، [سورة لقمان: 25/ سورة الزمر:38 ]، وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [سورة الزخرف: 87]، ولئن سألتهم من يرزقكم من السماء والأرض؟ ليقولن: الله . وهم مع ذلك يشركون به ويعبدون غيره، ويسجدون للأنداد دونه.؟
19970 - حدثني المثنى , قال: أخبرنا عمرو بن عون , قال، أخبرنا هشيم , عن جويبر , عن الضحاك , قال: كانوا يشركون به في تلبيتهم.
19971 - حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا ابن نمير , عن عبد الملك , عن عطاء: ( وما يؤمن أكثرهم بالله ) ، الآية , قال: يعلمون أن الله ربهم , وهم يشركون به بعدُ.
19972 - حدثني المثنى , قال: حدثنا عمرو بن عون , قال: أخبرنا هشيم , عن عبد الملك , عن عطاء , في قوله: ( وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ) ، قال: يعلمون أن الله خالقهم ورازقهم , وهم يشركون به.
19973 - حدثني يونس , قال: أخبرنا ابن وهب , قال: قال: سمعت ابن زيد يقول: ( وما يؤمن أكثرهم بالله ) ، الآية , قال: ليس أحدٌ يعبد مع الله غيره إلا وهو مؤمن بالله , ويعرف أن الله ربه , وأن الله خالقه ورازقه , وهو يشرك به. ألا ترى كيف قال إبراهيم: أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ * أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الأَقْدَمُونَ * فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلا رَبَّ الْعَالَمِينَ [سورة الشعراء: 75-77]؟ قد عرف أنهم يعبدون رب العالمين مع ما يعبدون. قال: فليس أحد يشرك به إلا وهو مؤمن به. ألا ترى كيف كانت العرب تلبِّي تقول: " لبيك اللهم لبيك , لبيك لا شريك لك , إلا شريك هو لك , تملكه وما ملك "؟ المشركون كانوا يقولون هذا.
----------------------
الهوامش:
(4) في المطبوعة :" مشركون به" ، وأثبت ما في المخطوطة .
(5) الأثر : 19959 -" الفضل بن يزيد الثمالي البجلي" ، كوفي ثقة ، مترجم في التهذيب ، والكبير 4 / 1 / 116 ، وابن أبي حاتم 3 / 2 / 69 .
وكان في المخطوطة والمطبوعة :" الفضيل" بالتصغير ، وهو خطأ صرف .
وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم بِاللَّهِ إِلَّا وَهُم مُّشْرِكُونَ (106)

( وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ) فكان من إيمانهم إذا سئلوا : من خلق السماوات والأرض ؟ قالوا : الله ، وإذا قيل لهم : من ينزل القطر ؟ قالوا : الله ، ثم مع ذلك يعبدون الأصنام ويشركون .
وعن ابن عباس أنه قال : إنها نزلت في تلبية المشركين من العرب كانوا يقولون في تلبيتهم ، لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك تملكه وما ملك .
وقال عطاء : هذا في الدعاء ، وذلك أن الكفار نسوا ربهم في الرخاء ، فإذا أصابهم البلاء أخلصوا في الدعاء ، كما قال الله تعالى : ( وظنوا أنهم أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين ) الآية ( يونس - 22 ) ، وقال تعالى : ( فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون ) ( العنكبوت - 65 ) ، وغير ذلك من الآيات .
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features