وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (57)

قوله تعالى : ولأجر الآخرة خير أي ما نعطيه في الآخرة خير وأكثر مما أعطيناه في الدنيا ; لأن أجر الآخرة دائم ، وأجر الدنيا ينقطع ; وظاهر الآية العموم في كل مؤمن متق ; وأنشدوا :
أما في رسول الله يوسف أسوة لمثلك محبوسا على الظلم والإفك أقام جميل الصبر في الحبس برهة
فآل به الصبر الجميل إلى الملك
وكتب بعضهم إلى صديق له :
وراء مضيق الخوف متسع الأمن وأول مفروح به آخر الحزن
فلا تيأسن فالله ملك يوسفا خزائنه بعد الخلاص من السجن
وأنشد بعضهم :
إذا الحادثات بلغن النهى وكادت تذوب لهن المهج
وحل البلاء وقل العزاء فعند التناهي يكون الفرج
والشعر في هذا المعنى كثير .
وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (57)

القول في تأويل قوله تعالى : وَلأَجْرُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (57)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ولثواب الله في الآخرة ، ( خير للذين آمنوا ) يقول: للذين صدقوا الله ورسوله، مما أعطى يوسف في الدنيا من تمكينه له في أرض مصر ، (وكانوا يتقون)، يقول: وكانوا يتقون الله، فيخافون عقابه في خلاف أمره واستحلال محارمه ، فيطيعونه في أمره ونهيه .
وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (57)

( ولأجر الآخرة ) ثواب الآخرة ( خير للذين آمنوا وكانوا يتقون ) .
فلما اطمأن يوسف في ملكه دبر في جمع الطعام بأحسن التدبير ، وبنى الحصون والبيوت الكثيرة ، وجمع فيها الطعام للسنين المجدبة ، وأنفق بالمعروف حتى خلت السنون المخصبة ودخلت السنون المجدبة بهول لم يعهد الناس بمثله .
وروي أنه كان قد دبر في طعام الملك وحاشيته كل يوم مرة واحدة نصف النهار ، فلما دخلت سنة القحط كان أول من أخذه الجوع هو الملك في نصف الليل فنادى يا يوسف الجوع الجوع ! .
فقال يوسف : هذا أوان القحط .
ففي السنة الأولى من سني الجدب هلك كل شيء أعدوه في السنين المخصبة ، فجعل أهل مصر يبتاعون من يوسف الطعام ، فباعهم أول سنة بالنقود حتى لم يبق بمصر دينار ولا درهم إلا قبضه ، وباعهم السنة الثانية بالحلي والجواهر حتى لم يبق في أيدي الناس منها شيء ، وباعهم السنة الثالثة بالمواشي والدواب حتى احتوى عليها أجمع ، وباعهم في السنة الرابعة بالعبيد والإماء حتى لم يبق في يد أحد عبد ولا أمة ، وباعهم السنة الخامسة بالضياع والعقار والدور حتى احتوى عليها ، وباعهم السنة السادسة بأولادهم حتى استرقهم ، وباعهم السنة السابعة برقابهم [ حتى استرقهم ] ، ولم يبق بمصر حر ولا حرة إلا صار عبدا له .
فقال الناس : ما رأينا يوما كاليوم ملكا أجل ولا أعظم من هذا .
ثم قال يوسف للملك : كيف رأيت صنع ربي فيما خولني فما ترى في ذلك ؟
فقال له الملك : الرأي رأيك ونحن لك تبع .
قال : فإني أشهد الله وأشهدك أني أعتقت أهل مصر عن آخرهم ، ورددت عليهم أملاكهم .
وروي أن يوسف كان لا يشبع من طعام في تلك الأيام ، فقيل له : أتجوع وبيدك خزائن الأرض ؟ .
فقال : أخاف إن شبعت أن أنسى الجائع ، وأمر يوسف عليه السلام طباخي الملك أن يجعلوا غداءه نصف النهار ، وأراد بذلك أن يذوق الملك طعم الجوع فلا ينسى الجائعين ، فمن ثم جعل الملوك غذاءهم نصف النهار .
قال : وقصد الناس مصر من كل أوب يمتارون الطعام فجعل يوسف لا يمكن أحدا منهم - وإن كان عظيما - من أكثر من حمل بعير تقسيطا بين الناس ، وتزاحم الناس عليه وأصاب أرض كنعان وبلاد الشام ما أصاب الناس في سائر البلاد من القحط والشدة ، ونزل بيعقوب ما نزل بالناس ، فأرسل بنيه إلى مصر للميرة ، وأمسك بنيامين أخا يوسف لأمه ، فذلك قوله تعالى :
وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (57)

{ وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ } من أجر الدنيا { لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ } أي: لمن جمع بين التقوى والإيمان، فبالتقوى تترك الأمور المحرمة من كبائر الذنوب وصغائرها، وبالإيمان التام يحصل تصديق القلب، بما أمر الله بالتصديق به، وتتبعه أعمال القلوب وأعمال الجوارح، من الواجبات والمستحبات.
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features