إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا (48)

قوله تعالى : إن الله لا يغفر أن يشرك به روي أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا : إن الله يغفر الذنوب جميعا فقال له رجل : يا رسول الله والشرك ! فنزل إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء . وهذا من المحكم المتفق عليه الذي لا اختلاف فيه بين الأمة . ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء من المتشابه الذي قد تكلم العلماء فيه . فقال محمد بن جرير الطبري : قد أبانت هذه الآية أن كل صاحب كبيرة ففي مشيئة الله تعالى إن شاء عفا عنه ذنبه ، وإن شاء عاقبه عليه ما لم تكن كبيرته شركا بالله تعالى . وقال بعضهم : قد بين الله تعالى ذلك بقوله : إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم فاعلم أنه يشاء أن يغفر الصغائر لمن اجتنب الكبائر ولا يغفرها لمن أتى الكبائر . وذهب بعض أهل التأويل إلى أن هذه الآية ناسخة للتي في آخر " الفرقان " . قال زيد بن ثابت : نزلت سورة " النساء " بعد " الفرقان " بستة أشهر ، والصحيح أن لا نسخ ؛ لأن النسخ في الأخبار يستحيل . وسيأتي بيان الجمع بين الآي في هذه السورة وفي " الفرقان " إن شاء الله تعالى . وفي الترمذي عن علي بن أبي طالب قال : ما في القرآن آية أحب إلي من هذه الآية إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء قال : هذا حديث حسن غريب .
إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا (48)

يخبر تعالى: أنه لا يغفر لمن أشرك به أحدا من المخلوقين، ويغفر ما دون الشرك من الذنوب صغائرها وكبائرها، وذلك عند مشيئته مغفرة ذلك، إذا اقتضت حكمتُه مغفرتَه. فالذنوب التي دون الشرك قد جعل الله لمغفرتها أسبابا كثيرة، كالحسنات الماحية والمصائب المكفرة في الدنيا، والبرزخ ويوم القيامة، وكدعاء المؤمنين بعضهم لبعض، وبشفاعة الشافعين. ومن فوق ذلك كله رحمته التي أحق بها أهل الإيمان والتوحيد. وهذا بخلاف الشرك فإن المشرك قد سد على نفسه أبواب المغفرة، وأغلق دونه أبواب الرحمة، فلا تنفعه الطاعات من دون التوحيد، ولا تفيده المصائب شيئا، وما لهم يوم القيامة { مِنْ شَافِعِينَ وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ } ولهذا قال تعالى: { وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا } أي: افترى جرما كبيرا، وأي: ظلم أعظم ممن سوى المخلوق -من تراب، الناقص من جميع الوجوه، الفقير بذاته من كل وجه، الذي لا يملك لنفسه- فضلا عمن عبده -نفعًا ولا ضرًّا ولا موتًا ولا حياة ولا نشورًا- بالخالق لكل شيء، الكامل من جميع الوجوه، الغني بذاته عن جميع مخلوقاته، الذي بيده النفع والضر والعطاء والمنع، الذي ما من نعمة بالمخلوقين إلا فمنه تعالى، فهل أعظم من هذا الظلم شيء؟ ولهذا حتم على صاحبه بالخلود بالعذاب وحرمان الثواب { إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ } وهذه الآية الكريمة في حق غير التائب، وأما التائب، فإنه يغفر له الشرك فما دونه كما قال تعالى: { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا } أي: لمن تاب إليه وأناب.
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features