يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ ۖ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۗ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (215)

قوله تعالى : يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل وما تفعلوا من خير فإن الله به عليم
فيه أربع مسائل :
الأولى قوله تعالى : " يسألونك " إن خففت الهمزة ألقيت حركتها على السين ففتحتها وحذفت الهمزة فقلت : يسلونك . ونزلت الآية في عمرو بن الجموح ، وكان شيخا كبيرا فقال : يا رسول الله ، إن مالي كثير ، فبماذا أتصدق ، وعلى من أنفق ؟ فنزلت يسألونك ماذا ينفقون .
الثانية : قوله تعالى : ماذا ينفقون " ما " في موضع رفع بالابتداء ، و " ذا " الخبر ، وهو بمعنى الذي ، وحذفت الهاء لطول الاسم ، أي ما الذي ينفقونه ، وإن شئت كانت " ما " في موضع نصب ب " ينفقون " و " ذا " مع " ما " بمنزلة شيء واحد ولا يحتاج إلى ضمير ، ومتى كانت اسما مركبا فهي في موضع نصب ، إلا ما جاء في قول الشاعر ( عمر بن أبي ربيعة ) :
وماذا عسى الواشون أن يتحدثوا سوى أن يقولوا إنني لك عاشق
فإن " عسى " لا تعمل فيه ، ف " ماذا " في موضع رفع وهو مركب ، إذ لا صلة ل " ذا " .
الثالثة : قيل : إن السائلين هم المؤمنون ، والمعنى يسألونك ما هي الوجوه التي ينفقون فيها ، وأين يضعون ما لزم إنفاقه . قال السدي : نزلت هذه الآية قبل فرض الزكاة ثم نسختها الزكاة المفروضة . قال ابن عطية : ووهم المهدوي على السدي في هذا ، فنسب إليه أنه قال : إن الآية في الزكاة المفروضة ثم نسخ منها الوالدان . وقال ابن جريج وغيره : هي ندب ، والزكاة غير هذا الإنفاق ، فعلى هذا لا نسخ فيها ، وهي مبينة لمصارف صدقة التطوع ، فواجب على الرجل الغني أن ينفق على أبويه المحتاجين ما يصلحهما في قدر حالهما من حاله ، من طعام وكسوة وغير ذلك . قال مالك : ليس عليه أن يزوج أباه ، وعليه أن ينفق على امرأة أبيه ، كانت أمه أو أجنبية ، وإنما قال مالك : ليس عليه أن يزوج أباه لأنه رآه يستغني عن التزويج غالبا ، ولو احتاج حاجة ماسة لوجب أن يزوجه ، ولولا ذلك لم يوجب عليه أن ينفق عليهما . فأما ما يتعلق بالعبادات من الأموال فليس عليه أن يعطيه ما يحج به أو يغزو ، وعليه أن يخرج عنه صدقة الفطر ؛ لأنها مستحقة بالنفقة والإسلام .
الرابعة : قوله تعالى : قل ما أنفقتم " ما " في موضع نصب ب " أنفقتم " وكذا " وما تنفقوا " وهو شرط والجواب " فللوالدين " ، وكذا " وما تفعلوا من خير " شرط ، وجوابه " فإن الله به عليم " وقد مضى القول في اليتيم والمسكين وابن السبيل . ونظير هذه الآية قوله تعالى فآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل وقرأ علي بن أبي طالب " يفعلوا " بالياء على ذكر الغائب ، وظاهر الآية الخبر ، وهي تتضمن الوعد بالمجازاة .
يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ ۖ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۗ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (215)

أي: يسألونك عن النفقة, وهذا يعم السؤال عن المنفق والمنفق عليه، فأجابهم عنهما فقال: ( قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ ) أي: مال قليل أو كثير, فأولى الناس به وأحقهم بالتقديم, أعظمهم حقا عليك, وهم الوالدان الواجب برهما, والمحرم عقوقهما، ومن أعظم برهما, النفقة عليهما, ومن أعظم العقوق, ترك الإنفاق عليهما، ولهذا كانت النفقة عليهما واجبة, على الولد الموسر، ومن بعد الوالدين الأقربون, على اختلاف طبقاتهم, الأقرب فالأقرب, على حسب القرب والحاجة, فالإنفاق عليهم صدقة وصلة، ( وَالْيَتَامَى ) وهم الصغار الذين لا كاسب لهم, فهم في مظنة الحاجة لعدم قيامهم بمصالح أنفسهم, وفقد الكاسب, فوصى الله بهم العباد, رحمة منه بهم ولطفا، ( وَالْمَسَاكِينِ ) وهم أهل الحاجات, وأرباب الضرورات الذين أسكنتهم الحاجة, فينفق عليهم, لدفع حاجاتهم وإغنائهم.
( وَابْنَ السَّبِيلِ ) أي: الغريب المنقطع به في غير بلده, فيعان على سفره بالنفقة, التي توصله إلى مقصده.
ولما خصص الله تعالى هؤلاء الأصناف, لشدة الحاجة, عمم تعالى فقال: ( وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ ) من صدقة على هؤلاء وغيرهم, بل ومن جميع أنواع الطاعات والقربات, لأنها تدخل في اسم الخير، ( فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ) فيجازيكم عليه, ويحفظه لكم, كل على حسب نيته وإخلاصه, وكثرة نفقته وقلتها, وشدة الحاجة إليها, وعظم وقعها ونفعها.
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features