فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (39)

قوله تعالى : فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم
السادسة والعشرون : قوله تعالى : فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح شرط وجوابه فإن الله يتوب عليه ومعنى من بعد ظلمه من بعد السرقة ; فإن الله يتجاوز عنه ، والقطع لا يسقط بالتوبة ، وقال عطاء وجماعة : يسقط بالتوبة قبل القدرة على السارق ، وقاله بعض الشافعية وعزاه إلى الشافعي قولا . وتعلقوا بقول الله تعالى : إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم وذلك استثناء من الوجوب ، فوجب حمل جميع الحدود عليه ، وقال علماؤنا : هذا بعينه دليلنا ; لأن الله سبحانه وتعالى لما ذكر حد المحارب قال : إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم وعطف عليه حد السارق وقال فيه : فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه فلو كان مثله في الحكم ما غاير الحكم بينهما . قال ابن العربي : ويا معشر الشافعية سبحان الله ! أين الدقائق الفقهية ، والحكم الشرعية ، التي تستنبطونها من غوامض المسائل ؟ ! ألم تروا إلى المحارب المستبد بنفسه ، المعتدي بسلاح ، الذي يفتقر الإمام معه إلى الإيجاف بالخيل والركاب كيف أسقط جزاءه بالتوبة استنزالا عن تلك الحالة ، كما فعل بالكافر في مغفرة جميع ما سلف استئلافا على الإسلام ; فأما السارق والزاني وهما في قبضة المسلمين وتحت حكم الإمام ، فما الذي يسقط عنهم حكم ما وجب عليهم ؟ ! أو كيف يجوز أن يقال : يقاس على المحارب وقد فرقت بينهما الحكمة والحالة ! هذا ما لا يليق بمثلكم يا معشر المحققين ، وإذا ثبت أن الحد لا يسقط بالتوبة ، فالتوبة مقبولة والقطع كفارة له . وأصلح أي : كما تاب عن السرقة تاب عن كل ذنب ، وقيل : وأصلح أي : ترك المعصية بالكلية ، فأما من ترك السرقة بالزنى أو التهود بالتنصر فهذا ليس بتوبة ، وتوبة الله على العبد أن يوفقه للتوبة ، وقيل : أن تقبل منه التوبة .
السابعة والعشرون : يقال : بدأ الله بالسارق في هذه الآية قبل السارقة ، وفي الزنى بالزانية قبل الزاني ما الحكمة في ذلك ؟ فالجواب أن يقال : لما كان حب المال على الرجال أغلب ، وشهوة الاستمتاع على النساء أغلب بدأ بهما في الموضع ; هذا أحد الوجوه في المرأة على ما يأتي بيانه في سورة " النور " من البداية بها على الزاني إن شاء الله . ثم جعل الله حد السرقة قطع اليد لتناول المال ، ولم يجعل حد الزنى قطع الذكر مع مواقعة الفاحشة به لثلاثة معان :
أحدها : أن للسارق مثل يده التي قطعت فإن انزجر بها اعتاض بالثانية ، وليس للزاني مثل ذكره إذا قطع فلم يعتض بغيره لو انزجر بقطعه . الثاني : أن الحد زجر للمحدود وغيره ، وقطع اليد في السرقة ظاهر : وقطع الذكر في الزنى باطن .
الثالث : أن قطع الذكر فيه إبطال للنسل وليس في قطع اليد إبطاله ، والله أعلم .
فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (39)

{ فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } فيغفر لمن تاب فترك الذنوب، وأصلح الأعمال والعيوب.
فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (39)

القول في تأويل قوله عز ذكره : فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (39)
قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: " فمن تاب "، من هؤلاء السراق، يقول: من رجع منهم عمَّا يكرهه الله من معصيته إيَّاه، إلى ما يرضاه من طاعته (16) =" من بعد ظلمه "، و " ظلمه "، هو اعتداؤه وعمله ما نهاه الله عنه من سرقة أموال الناس (17) =" وأصلح "، (18) يقول: وأصلح نفسه بحملها على مكروهها في طاعة الله، والتوبة إليه ممَّا كان عليه من معصيته. (19)
وكان مجاهد -فيما ذكر لنا- يقول: توبته في هذا الموضع، الحدُّ الذي يقام عليه.
...............................................................................
...................................... (20)
* * *
11916 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: " فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح "، فتاب عليه، يقول: الحدُّ. (21)
11917 - حدثنا أبو كريب قال: حدثنا موسى بن داود قال، حدثنا ابن لهيعة، عن حُيَيّ بن عبد الله، عن أبي عبد الرحمن الحُبُلي، عن عبد الله بن عمرو قال: سرقت امرأة حُليًّا، فجاء الذين سرقتهم فقالوا: يا رسول الله، سرقتنا هذه المرأة! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقطعوا يدها اليمنى. فقالت المرأة: هل من توبة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنتِ اليومَ من خطيئتك كيوم ولدتك أمك! قال: فأنـزل الله جل وعز: " فمن تاب من بعد ظُلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه ". (22)
* * *
وقوله: " فإن الله يتوب عليه "، يقول: فإن الله جل وعز يُرْجعه إلى ما يحبّ ويرضى، عما يكرَه ويسخط من معصيته. (23)
* * *
وقوله: " إن الله غفور رحيم " يقول: إن الله عز ذكره ساترٌ على من تاب وأناب عن معاصيه إلى طاعته ذنوبَه، بالعفو عن عقوبته عليها يوم القيامة، وتركه فضيحتَه بها على رءوس الأشهاد=" رحيم " به وبعباده التائبين إليه من ذنوبهم. (24)
-----------------
الهوامش :
(16) انظر تفسير"التوبة" فيما سلف من فهارس اللغة.
(17) انظر تفسير"الظلم" فيما سلف من فهارس الغة.
(18) زدت قوله تعالى: "وأصلح" ، ليتم سياق أبي جعفر ، كما جرى عليه في تفسيره ، ولم تكن في المخطوطة ولا المطبوعة.
(19) انظر تفسير"الإصلاح" فيما سلف 9: 340 ، تعليق: 5 ، والمراجع هناك.
(20) وضعت هذه النقط ، لأني قدرت أن قول مجاهد قد سقط من الناسخ ، أو من أبي جعفر نفسه. وذلك أن الخبر الآتي بعده عن ابن عباس ، لا عن مجاهد.
(21) في المطبوعة: "يقول: فتاب عليه بالحد" ، وأثبت ما في المخطوطة ، فهو صواب. يعني أن توبة الله عليه بعد الحد الذي يقام عليه لتوبته.
(22) الأثر: 11917-"موسى بن داود الضبي" ، ثقة من شيوخ أحمد ، مضى برقم: 10190 = و"ابن لهيعة" ، مضى مرارًا.
و"حيي بن عبد الله بن شريح المعافري الحبلي المصري". روى له الأربعة ، ثقة. تكلم فيه أحمد وقال: "عنده مناكير". وقال البخاري: "فيه نظر". وقال ابن معين"ليس به بأس" وقال ابن عدي: "أرجو أنه لا بأس به إذا روى عنه ثقة". وذكره ابن حبان في الثقات. مترجم في التهذيب.
و"أبو عبد الرحمن الحبلي" هو"عبد الله بن يزيد المعافري" ، تابعي ثقة. مضى برقم: 6657 ، 9483.
وهذا الخبر رواه أحمد في مسنده برقم: 6657 ، من طريق حسن بن موسى عن ابن لهيعة ، عن حيي ، مطولا مفصلا ، وخرجه أخي السيد أحمد هناك وقال: "إسناده صحيح".
ونقله ابن كثير في تفسيره 3: 152 ، ثم نقل رواية أحمد ، ثم قال: "وهذه المرأة ، هي المخزومية التي سرقت ، وحديثها ثابت في الصححين ، من رواية الزهري ، عن عروة ، عن عائشة". ثم انظر فتح الباري (12: 76- 86) ، وصحيح مسلم 11: 186- 188.
والمرأة التي سرقت هي: "فاطمة بنت الأسود بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم" (ابن سعد 8: 192) ، وقد استوفى الحافظ ابن حجر خبرها في شرح هذا الحديث في الفتح.
(23) في المطبوعة: "عما يكرهه...." وأثبت الصواب من المخطوطة.
(24) انظر تفسير"غفور" و"رحيم" فيما سلف من فهارس اللغة.
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features