وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ ۚ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ۖ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (30)

قوله تعالى : وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين هذا إخبار بما اجتمع عليه المشركون من المكر بالنبي صلى الله عليه وسلم في دار الندوة ; فاجتمع رأيهم على قتله فبيتوه ، ورصدوه على باب منزله طول ليلتهم ليقتلوه إذا خرج ; فأمر النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب أن ينام على فراشه ، ودعا الله عز وجل أن يعمي عليهم أثره ، فطمس الله على أبصارهم ، فخرج وقد غشيهم النوم ، فوضع على رءوسهم ترابا ونهض . فلما أصبحوا خرج عليهم علي فأخبرهم أن ليس في الدار أحد ، فعلموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد فات ونجا . الخبر مشهور في السيرة وغيرها . ومعنى ليثبتوك ليحبسوك ; يقال : أثبته إذا حبسته . وقال قتادة : ليثبتوك وثاقا . وعنه أيضا وعبد الله بن كثير : ليسجنوك . وقال أبان بن تغلب وأبو حاتم : ليثخنوك بالجراحات والضرب الشديد . قال الشاعر :
فقلت ويحكما ما في صحيفتكم قالوا الخليفة أمسى مثبتا وجعا
أو يقتلوك أو يخرجوك عطف .
ويمكرون مستأنف . والمكر : التدبير في الأمر في خفية .
والله خير الماكرين ابتداء وخبر . والمكر من الله هو جزاؤهم بالعذاب على مكرهم من حيث لا يشعرون .
وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ ۚ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ۖ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (30)

أي‏:‏ ‏[‏و‏]‏ أذكر أيها الرسول، ما منَّ اللّه به عليك‏.‏ ‏{‏إِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا‏}‏ حين تشاور المشركون في دار الندوة فيما يصنعون بالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، إما أن يثبتوه عندهم بالحبس ويوثقوه‏.‏ وإما أن يقتلوه فيستريحوا ـ بزعمهم ـ من شره‏.‏ وإما أن يخرجوه ويجلوه من ديارهم‏.‏ فكلُّ أبدى من هذه الآراء رأيا رآه، فاتفق رأيهم على رأي‏:‏ رآه شريرهم أبو جهل لعنه اللّه،وهو أن يأخذوا من كل قبيلة من قبائل قريش فتى ويعطوه سيفا صارما، ويقتله الجميع قتلة رجل واحد، ليتفرق دمه في القبائل‏.‏ فيرضى بنو هاشم ‏[‏ثَمَّ‏]‏ بديته، فلا يقدرون على مقاومة سائر قريش، فترصدوا للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الليل ليوقعوا به إذا قام من فراشه‏.‏ فجاءه الوحي من السماء، وخرج عليهم، فذرَّ على رءوسهم التراب وخرج، وأعمى اللّه أبصارهم عنه، حتى إذا استبطؤوه جاءهم آت وقال‏:‏ خيبكم اللّه، قد خرج محمد وذَرَّ على رءوسكم التراب‏.‏ فنفض كل منهم التراب عن رأسه، ومنع اللّه رسوله منهم، وأذن له في الهجرة إلى المدينة،فهاجر إليها، وأيده اللّه بأصحابه المهاجرين والأنصار،ولم يزل أمره يعلو حتى دخل مكة عنوة، وقهر أهلها،فأذعنوا له وصاروا تحت حكمه، بعد أن خرج مستخفيا منهم، خائفا على نفسه‏.‏ فسبحان اللطيف بعبده الذي لا يغالبه مغالب‏.‏
وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ ۚ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ۖ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (30)

قوله تعالى : ( وإذ يمكر بك الذين كفروا ) هذه الآية معطوفة على قوله ( واذكروا إذ أنتم قليل ) واذكر إذ يمكر بك الذين كفروا ، وإذ قالوا اللهم ، لأن هذه السورة مدنية وهذا المكر والقول إنما كانا بمكة ، ولكن الله ذكرهم بالمدينة كقوله تعالى " إلا تنصروه فقد نصره الله " ( التوبة آية 40 ) وكان هذا المكر على ما ذكره ابن عباس وغيره من أهل التفسير :
أن قريشا فرقوا لما أسلمت الأنصار أن يتفاقم أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فاجتمع نفر من كبارهم في دار الندوة ، ليتشاوروا في أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وكانت رءوسهم : عتبة وشيبة ابنا ربيعة ، وأبو جهل بن هشام ، وأبو سفيان ، وطعيمة بن عدي ، وشيبة بن ربيعة ، والنضر بن الحارث ، وأبو البختري بن هشام وزمعة بن الأسود ، وحكيم بن حزام ، ونبيه ومنبه ابنا الحجاج ، وأمية بن خلف ، فاعترضهم إبليس في صورة شيخ ، فلما رأوه قالوا : من أنت؟ قال : شيخ من نجد ، سمعت باجتماعكم ، فأردت أن أحضركم ، ولن تعدموا مني رأيا ونصحا ، قالوا : ادخل فدخل ، فقال أبو البختري : أما أنا فأرى أن تأخذوا محمدا وتحبسوه في بيت ، وتشدوا وثاقه ، وتسدوا باب البيت غير كوة تلقون إليه طعامه وشرابه ، وتتربصوا به ريب المنون حتى يهلك فيه ، كما هلك من كان قبله من الشعراء . قال : فصرخ عدو الله الشيخ النجدي وقال : بئس الرأي رأيتم والله لئن حبستموه في بيت فخرج أمره من وراء الباب الذي غلقتم دونه إلى أصحابه فيوشك أن يثبوا عليكم ويقاتلوكم ويأخذوه من أيديكم ، قالوا : صدق الشيخ ، فقال هشام بن عمرو من بني عامر بن لؤي : أما أنا فأرى أن تحملوه على بعير تخرجوه من أظهركم فلا يضركم ما صنع ولا أين وقع إذا غاب عنكم واسترحتم منه ، فقال إبليس : ما هذا لكم برأي تعتمدون عليه ، تعمدون إلى رجل قد أفسد أحلامكم فتخرجونه إلى غيركم فيفسدهم ألم تروا إلى حلاوة منطقه وحلاوة لسانه وأخذ القلوب بما تسمع من حديثه؟ والله لئن فعلتم ذلك ليذهبن وليستميل قلوب قوم ثم يسير بهم إليكم فيخرجكم من بلادكم ، قالوا : صدق الشيخ : فقال أبو جهل والله لأشيرن عليكم برأي ما أرى غيره إني أرى أن تأخذوا من كل بطن من قريش شابا نسيبا وسيطا فتيا ثم يعطى كل فتى منهم سيفا صارما ، ثم يضربوه ضربة رجل واحد ، فإذا قتلوه تفرق دمه في القبائل كلها ولا أظن هذا الحي من بني هاشم يقوون على حرب قريش كلها ، وأنهم إذا رأوا ذلك قبلوا العقل فتؤدي قريش ديته ، فقال إبليس : صدق هذا الفتى ، وهو أجودكم رأيا ، القول ما قال لا أرى رأيا غيره فتفرقوا على قول أبي جهل وهم مجمعون له . فأتى جبريل النبي - صلى الله عليه وسلم - وأخبره بذلك وأمره أن لا يبيت في مضجعه الذي كان يبيت فيه ، وأذن الله له عند ذلك بالخروج إلى المدينة ، فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علي بن أبي طالب أن ينام في مضجعه وقال له : تسيح ببردتي هذه فإنه لن يخلص إليك منهم أمر تكرهه ، ثم خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخذ قبضة من تراب فأخذ الله أبصارهم عنه فجعل ينثر التراب على رءوسهم وهو يقرأ : " إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا " إلى قوله " فهم لا يبصرون ( سورة يس 8 - 9 ) ومضى إلى الغار من ثور هو وأبو بكر ، وخلف عليا بمكة حتى يؤدي عنه الودائع التي قبلها وكانت الودائع تودع عنده - صلى الله عليه وسلم - لصدقه وأمانته ، وبات المشركون يحرسون عليا في فراش رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحسبون أنه النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما أصبحوا ثاروا إليه فرأوا عليا رضي الله عنه ، فقالوا : أين صاحبك؟ قال : لا أدري ، فاقتصوا أثره وأرسلوا في طلبه فلما بلغوا الغار رأوا على بابه نسج العنكبوت ، فقالوا : لو دخله لم يكن نسج العنكبوت على بابه ، فمكث فيه ثلاثا ، ثم قدم المدينة ، ذلك قوله تعالى : " وإذ يمكر بك الذين كفروا " .
( ليثبتوك ) ليحبسوك ويسجنوك ويوثقوك ، ( أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله ) قال الضحاك : يصنعون ويصنع الله ، والمكر التدبير وهو من الله التدبير بالحق . وقيل : يجازيهم جزاء المكر ( والله خير الماكرين )
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features