وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ۖ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ۖ فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنفُسَكُم ۖ مَّا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُم بِمُصْرِخِيَّ ۖ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ ۗ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (22)

وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ
قوله تعالى وقال الشيطان لما قضي الأمر قال الحسن : يقف إبليس يوم القيامة خطيبا في جهنم على منبر من نار يسمعه الخلائق جميعا . ومعنى : لما قضي الأمر أي حصل أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار ، على ما يأتي بيانه في " مريم " عليها السلام . إن الله وعدكم وعد الحق يعني البعث والجنة والنار وثواب المطيع وعقاب العاصي فصدقكم وعده ، ووعدتكم أن لا بعث ولا جنة ولا نار ولا ثواب ولا عقاب فأخلفتكم . وروى ابن المبارك من حديث عقبة بن عامر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حديث الشفاعة قال : فيقول عيسى أدلكم على النبي الأمي ، فيأتوني فيأذن الله لي أن أقوم فيثور مجلسي من أطيب ريح شمها أحد حتى آتي ربي فيشفعني ويجعل لي نورا من شعر رأسي إلى ظفر قدمي ثم يقول الكافرون قد وجد المؤمنون من يشفع لهم فمن يشفع لنا فيقولون ما هو غير إبليس هو الذي أضلنا ، فيأتونه فيقولون قد وجد المؤمنون من يشفع لهم فاشفع لنا فإنك أضللتنا فيثور مجلسه من أنتن ريح شمها أحد ثم يعظم نحيبهم ويقول عند ذلك : إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم الآية . " وعد الحق " هو إضافة الشيء إلى نعته كقولهم : مسجد الجامع ; قال الفراء قال البصريون : وعدكم وعد اليوم الحق أو وعدكم وعد الوعد الحق فصدقكم ; فحذف المصدر لدلالة الحال . وما كان لي عليكم من سلطان أي من حجة وبيان ; أي ما أظهرت لكم حجة على ما وعدتكم وزينته لكم في الدنيا ، إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي أي أغويتكم فتابعتموني . وقيل : لم أقهركم على ما دعوتكم إليه . إلا أن دعوتكم هو استثناء منقطع ; أي لكن دعوتكم بالوسواس فاستجبتم لي باختياركم ، فلا تلوموني ولوموا أنفسكم وقيل : وما كان لي عليكم من سلطان أي على قلوبكم وموضع إيمانكم لكن دعوتكم فاستجبتم لي ; وهذا على أنه خطب العاصي المؤمن والكافر الجاحد ; وفيه نظر ; لقوله : لما قضي الأمر فإنه يدل على أنه خطب الكفار دون العاصين الموحدين ; والله أعلم . فلا تلوموني ولوموا أنفسكم إذا جئتموني من غير حجة . ما أنا بمصرخكم أي بمغيثكم . وما أنتم بمصرخي أي بمغيثي . والصارخ والمستصرخ هو الذي يطلب النصرة والمعاونة ، والمصرخ هو المغيث . قال سلامة بن جندل :
كنا إذا ما أتانا صارخ فزع وكان الصراخ له قرع الظنابيب
وقال أمية بن أبي الصلت :
ولا تجزعوا إني لكم غير مصرخ وليس لكم عندي غناء ولا نصر
. يقال : صرخ فلان أي استغاث يصرخ صرخا وصراخا وصرخة . واصطرخ بمعنى صرخ . والتصرخ تكلف الصراخ . والمصرخ المغيث ، والمستصرخ المستغيث ; تقول منه : استصرخني فأصرخته . والصريخ صوت المستصرخ . والصريخ أيضا الصارخ ، وهو المغيث والمستغيث ، وهو من الأضداد ; قاله الجوهري . وقراءة العامة بمصرخي بفتح الياء . وقرأ الأعمش وحمزة بمصرخي بكسر الياء . والأصل فيها بمصرخيين فذهبت النون للإضافة ، وأدغمت ياء الجماعة في ياء الإضافة ، فمن نصب فلأجل التضعيف ، ولأن ياء الإضافة إذا سكن ما قبلها تعين فيها الفتح مثل : هواي وعصاي ، فإن تحرك ما قبلها جاز الفتح والإسكان ، مثل : غلامي وغلامتي ، ومن كسر فلالتقاء الساكنين حركت إلى الكسر ; لأن الياء أخت الكسرة . وقال الفراء : قراءة حمزة وهم منه ، وقل من سلم منهم عن خطأ . وقال الزجاج : هذه قراءة رديئة ولا وجه لها إلا وجه ضعيف . وقال قطرب : هذه لغة بني يربوع يزيدون على ياء الإضافة ياء . القشيري : والذي يغني عن هذا أن ما يثبت بالتواتر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فلا يجوز أن يقال فيه هو خطأ أو قبيح أو رديء ، بل هو في القرآن فصيح ، وفيه ما هو أفصح منه ، فلعل هؤلاء أرادوا أن غير هذا الذي قرأ به حمزة أفصح .
إني كفرت بما أشركتموني من قبل أي كفرت بإشراككم إياي مع الله تعالى في الطاعة ; ف " ما " بمعنى المصدر . وقال ابن جريج : إني كفرت اليوم بما كنتم تدعونه في الدنيا من الشرك بالله تعالى . قتادة : إني عصيت الله . الثوري : كفرت بطاعتكم إياي في الدنيا .
إن الظالمين لهم عذاب أليم . وفي هذه الآيات رد على القدرية والمعتزلة والإمامية ومن كان على طريقهم ; انظر إلى قول المتبوعين : لو هدانا الله لهديناكم وقول إبليس : إن الله وعدكم وعد الحق كيف اعترفوا بالحق في صفات الله تعالى وهم في دركات النار ; كما قال في موضع آخر : كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها إلى قول : فاعترفوا بذنبهم واعترافهم في دركات لظى بالحق ليس بنافع ، وإنما ينفع الاعتراف صاحبه في الدنيا ; قال الله - عز وجل - : وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم و " عسى " من الله واجبة .
وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ۖ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ۖ فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنفُسَكُم ۖ مَّا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُم بِمُصْرِخِيَّ ۖ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ ۗ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (22)

أي: { وَقَالَ الشَّيْطَانُ } الذي هو سبب لكل شر يقع ووقع في العالم، مخاطبا لأهل النار ومتبرئا منهم { لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ } ودخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار. { إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ } على ألسنة رسله فلم تطيعوه، فلو أطعتموه لأدركتم الفوز العظيم، { وَوَعَدْتُكُمْ } الخير { فَأَخْلَفْتُكُمْ } أي: لم يحصل ولن يحصل لكم ما منيتكم به من الأماني الباطلة.
{ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ } أي: من حجة على تأييد قولي، { إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي } أي: هذا نهاية ما عندي أني دعوتكم إلى مرادي وزينته لكم، فاستجبتم لي اتباعا لأهوائكم وشهواتكم، فإذا كانت الحال بهذه الصورة { فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ } فأنتم السبب وعليكم المدار في موجب العقاب، { مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ } أي: بمغيثكم من الشدة التي أنتم بها { وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ } كل له قسط من العذاب.
{ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ } أي: تبرأت من جعلكم لي شريكا مع الله فلست شريكا لله ولا تجب طاعتي، { إِنَّ الظَّالِمِينَ } لأنفسهم بطاعة الشيطان { لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } خالدين فيه أبدا.
وهذا من لطف الله بعباده ،أن حذرهم من طاعة الشيطان وأخبر بمداخله التي يدخل منها على الإنسان ومقاصده فيه، وأنه يقصد أن يدخله النيران، وهنا بين لنا أنه إذا دخل النار وحزبه أنه يتبرأ منهم هذه البراءة، ويكفر بشركهم { ولا ينبئك مثل خبير }
واعلم أن الله ذكر في هذه الآية أنه ليس له سلطان، وقال في آية أخرى { إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون } فالسلطان الذي نفاه عنه هو سلطان الحجة والدليل، فليس له حجة أصلا على ما يدعو إليه، وإنما نهاية ذلك أن يقيم لهم من الشبه والتزيينات ما به يتجرؤون على المعاصي.
وأما السلطان الذي أثبته فهو التسلط بالإغراء على المعاصي لأوليائه يُؤزّهم إلى المعاصي أزّا، وهم الذين سلطوه على أنفسهم بموالاته والالتحاق بحزبه، ولهذا ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون.
وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ۖ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ۖ فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنفُسَكُم ۖ مَّا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُم بِمُصْرِخِيَّ ۖ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ ۗ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (22)

قوله تعالى : ( وقال الشيطان ) يعني : إبليس ( لما قضي الأمر ) أي : فرغ منه فأدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار .
وقال مقاتل : يوضع له منبر في النار ، فيرقاه فيجتمع عليه الكفار باللائمة فيقول لهم :
( إن الله وعدكم وعد الحق ) فوفى لكم به ( ووعدتكم فأخلفتكم ) وقيل : يقول لهم : قلت لكم لا بعث ولا جنة ولا نار . ( وما كان لي عليكم من سلطان ) ولاية . وقيل : لم آتكم بحجة فيما دعوتكم إليه ( إلا أن دعوتكم ) هذا استثناء منقطع معناه : لكن ( دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ) بإجابتي ومتابعتي من غير سلطان ولا برهان ( ما أنا بمصرخكم ) بمغيثكم ( وما أنتم بمصرخي ) بمغيثي .
قرأ الأعمش ، وحمزة " بمصرخي " بكسر الياء ، والآخرون بالنصب لأجل التضعيف ، ومن كسر فلالتقاء الساكنين ، حركت إلى الكسر ، لأن الياء أخت الكسرة ، وأهل النحو لم يرضوه ، وقيل : إنه لغة بني يربوع . والأصل ( بمصرخيني ) فذهبت النون لأجل الإضافة ، وأدغمت ياء الجماعة في ياء الإضافة .
( إني كفرت بما أشركتمون من قبل ) أي : كفرت بجعلكم إياي شريكا في عبادته وتبرأت من ذلك .
( إن الظالمين ) الكافرين ( لهم عذاب أليم ) .
أخبرنا محمد بن عبد الله بن أبي توبة ، أنبأنا محمد بن أحمد الحارث ، أنبأنا محمد بن يعقوب الكسائي ، أنبأنا عبد الله بن محمود ، حدثنا إبراهيم بن عبد الله الخلال ، حدثنا عبد الله بن المبارك ، عن رشدين بن سعد ، أخبرني عبد الرحمن بن زياد ، عن دخين الحجري ، عن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث الشفاعة ذكر الحديث ثم قال : " يقول عيسى عليه السلام : ذلكم النبي الأمي ، فيأتوني ، فيأذن الله لي أن أقوم ، فيثور من مجلسي من أطيب ريح شمها أحد ، حتى آتي ربي عز وجل فيشفعني ويجعل لي نورا من شعر رأسي إلى ظفر قدمي ، ثم يقول الكفار : قد وجد المؤمنون من يشفع لهم فمن يشفع لنا ؟ فيقولون : ما هو غير إبليس ، هو الذي أضلنا ، فيأتونه فيقولون له : قد وجد المؤمنون من يشفع لهم فقم أنت فاشفع لنا ، فإنك أنت أضللتنا . فيقوم فيثور من مجلسه أنتن ريح شمها أحد ، ثم تعظم جهنم ، ويقول عند ذلك : ( إن الله وعدكم وعد الحق ) الآية .
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features