وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِن قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ ۚ قَالَ يَا قَوْمِ هَٰؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ ۖ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي ۖ أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ (78)

قوله تعالى : وجاءه قومه يهرعون إليه في موضع الحال . يهرعون أي يسرعون . قال الكسائي والفراء وغيرهما من أهل اللغة : لا يكون الإهراع إلا إسراعا مع رعدة ; يقال : أهرع الرجل إهراعا أي أسرع في رعدة من برد أو غضب أو حمى ، وهو مهرع ; قال مهلهل :
فجاءوا يهرعون وهم أسارى نقودهم على رغم الأنوف
وقال آخر :
بمعجلات نحوه مهارع
وهذا مثل : أولع فلان بالأمر ، وأرعد زيد . وزهي فلان . وتجيء ولا تستعمل إلا على هذا الوجه . وقيل : أهرع أي أهرعه حرصه ; وعلى هذا يهرعون أي يستحثون عليه . ومن قال بالأول قال : لم يسمع إلا أهرع الرجل أي أسرع ; على لفظ ما لم يسم فاعله . قال ابن القوطية : هرع الإنسان هرعا ، وأهرع : سيق واستعجل . وقال الهروي يقال : هرع الرجل وأهرع أي استحث . قال ابن عباس وقتادة والسدي : ( يهرعون يهرولون ) . الضحاك : يسعون . ابن عيينة : كأنهم يدفعون . وقال شمر بن عطية : هو مشي بين الهرولة والجمزى . وقال الحسن : مشي بين مشيين ; والمعنى متقارب . وكان سبب إسراعهم ما روي أن امرأة لوط الكافرة ، لما رأت الأضياف وجمالهم وهيئتهم ، خرجت حتى أتت مجالس قومها ، فقالت لهم : إن لوطا قد أضاف الليلة فتية ما رئي مثلهم جمالا ; وكذا وكذا ; فحينئذ جاءوا يهرعون إليه . ويذكر أن الرسل لما وصلوا إلى بلد لوط وجدوا لوطا في حرث له . وقيل : وجدوا ابنته تستقي ماء من نهر سدوم ; فسألوها الدلالة على من يضيفهم ، ورأت هيئتهم فخافت عليهم من قوم لوط ، وقالت لهم : مكانكم ! وذهبت إلى أبيها فأخبرته ; فخرج إليهم ; فقالوا : نريد أن تضيفنا الليلة ; فقال لهم : أو ما سمعتم بعمل هؤلاء القوم ؟ فقالوا : وما عملهم ؟ فقال أشهد بالله إنهم لشر قوم في الأرض - وقد كان الله - عز وجل - قال لملائكته لا تعذبوهم حتى يشهد لوط عليهم أربع شهادات - فلما قال لوط هذه المقالة ، قال جبريل لأصحابه : هذه واحدة ، وتردد القول بينهم حتى كرر لوط الشهادة أربع مرات ، ثم دخل بهم المدينة .
قوله تعالى : " ومن قبل " أي ومن قبل مجيء الرسل . وقيل : من قبل لوط .
كانوا يعملون السيئات أي كانت عادتهم إتيان الرجال .
فلما جاءوا إلى لوط وقصدوا أضيافه قام إليهم لوط مدافعا " هؤلاء بناتي " ابتداء وخبر . وقد اختلف في قوله : " هؤلاء بناتي " فقيل : كان له ثلاث بنات من صلبه . وقيل : بنتان ; زيتا وزعوراء ; فقيل : كان لهم سيدان مطاعان فأراد أن يزوجهما ابنتيه . وقيل : ندبهم في هذه الحالة إلى النكاح ، وكانت سنتهم جواز نكاح الكافر المؤمنة ; وقد كان هذا في أول الإسلام جائزا ثم نسخ ; فزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بنتا له من عتبة بن أبي لهب ، والأخرى من أبي العاص بن الربيع قبل الوحي ، وكانا كافرين . وقالت فرقة - منهم مجاهد وسعيد بن جبير - أشار بقوله : بناتي إلى النساء جملة ; إذ نبي القوم أب لهم ; ويقوي هذا أن في قراءة ابن مسعود . النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم . وقالت طائفة : إنما كان الكلام مدافعة ولم يرد إمضاءه ; روي هذا القول عن أبي عبيدة ; كما يقال لمن ينهى عن أكل مال الغير : الخنزير أحل لك من هذا . وقال عكرمة : لم يعرض عليهم بناته ولا بنات أمته ، وإنما قال لهم هذا لينصرفوا .
قوله تعالى : " هن أطهر لكم " ابتداء وخبر ; أي أزوجكموهن ; فهو أطهر لكم مما تريدون ، أي أحل . والتطهر التنزه عما لا يحل . وقال ابن عباس : ( كان رؤساؤهم خطبوا بناته فلم يجبهم ، وأراد ذلك اليوم أن يفدي أضيافه ببناته ) . وليس ألف " أطهر " للتفضيل حتى يتوهم أن في نكاح الرجال طهارة ، بل هو كقولك : الله أكبر وأعلى وأجل ، وإن لم يكن تفضيلا ; وهذا جائز شائع في كلام العرب ، ولم يكابر الله تعالى أحد حتى يكون الله تعالى أكبر منه . وقد قال أبو سفيان بن حرب يوم أحد : اعل هبل اعل هبل ; فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لعمر : قل الله أعلى وأجل . وهبل لم يكن قط عاليا ولا جليلا . وقرأ العامة برفع الراء . وقرأ الحسن وعيسى بن عمرو " هن أطهر " بالنصب على الحال . و " هن " عماد . ولا يجيز الخليل وسيبويه والأخفش أن يكون " هن " هاهنا عمادا ، وإنما يكون عمادا فيما لا يتم الكلام إلا بما بعدها ، نحو كان زيد هو أخاك ، لتدل بها على أن الأخ ليس بنعت . قال الزجاج : ويدل بها على أن كان تحتاج إلى خبر . وقال غيره : يدل بها على أن الخبر معرفة أو ما قارنها .
قوله تعالى : فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي أي لا تهينوني ولا تذلوني . ومنه قول حسان :
فأخزاك ربي يا عتيب بن مالك ولقاك قبل الموت إحدى الصواعق
مددت يمينا للنبي تعمدا ودميت فاه قطعت بالبوارق
ويجوز أن يكون من الخزاية ، وهو الحياء ، والخجل ; قال ذو الرمة :
خزاية أدركته بعد جولته من جانب الحبل مخلوطا بها الغضب
وقال آخر :
من البيض لا تخزى إذا الريح ألصقت بها مرطها أو زايل الحلي جيدها
وضيف يقع للاثنين والجميع على لفظ الواحد ; لأنه في الأصل مصدر ; قال الشاعر :
لا تعدمي الدهر شفار الجازر للضيف والضيف أحق زائر
ويجوز فيه التثنية والجمع ; والأول أكثر كقولك : رجال صوم وفطر وزور . وخزي الرجل خزاية ; أي استحيا مثل ذل وهان . وخزي خزيا إذا افتضح ; يخزى فيهما جميعا .
ثم وبخهم بقوله : أليس منكم رجل رشيد أي شديد يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر . وقيل : رشيد أي ذو رشد . أو بمعنى راشد أو مرشد ، أي صالح أو مصلح . ابن عباس : ( مؤمن ) . أبو مالك : ناه عن المنكر . وقيل : الرشيد بمعنى الرشد ; والرشد والرشاد الهدى والاستقامة . ويجوز أن يكون بمعنى المرشد ; كالحكيم بمعنى المحكم .
وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِن قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ ۚ قَالَ يَا قَوْمِ هَٰؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ ۖ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي ۖ أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ (78)

فـ { وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ } أي: يسرعون ويبادرون، يريدون أضيافه بالفاحشة، التي كانوا يعملونها، ولهذا قال: { ومن قبل كانوا يعملون السيئات } أي: الفاحشة التي ما سبقهم عليها أحد من العالمين.
{ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ } من أضيافي، [ وهذا كما عرض لسليمان صلى الله عليه وسلم، على المرأتين أن يشق الولد المختصم فيه, لاستخراج الحق ولعلمه أن بناته ممتنع منالهن، ولا حق لهم فيهن. والمقصود الأعظم، دفع هذه الفاحشة الكبرى ]
{ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي } أي: إما أن تراعوا تقوى الله, وإما أن تراعوني في ضيفي، ولا تخزون عندهم.
{ أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ } فينهاكم، ويزجركم، وهذا دليل على مروجهم وانحلالهم، من الخير والمروءة.
وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِن قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ ۚ قَالَ يَا قَوْمِ هَٰؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ ۖ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي ۖ أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ (78)

( وجاءه قومه يهرعون إليه ) قال ابن عباس وقتادة : يسرعون إليه . وقال مجاهد : يهرولون ، وقال الحسن : مشي بين مشيتين . قال شمر بن عطية : بين الهرولة والجمز .
( ومن قبل ) أي : من قبل مجيئهم إلى لوط ، ( كانوا يعملون السيئات ) كانوا يأتون الرجال في أدبارهم . ( قال ) لهم لوط حين قصدوا أضيافه وظنوا أنهم غلمان ، ( يا قوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم ) يعني : بالتزويج ، وفي أضيافه ببناته ، وكان في ذلك الوقت ، تزويج المسلمة من الكافر جائزا كما زوج النبي صلى الله عليه وسلم ابنته من عتبة بن أبي لهب ، وأبي العاص بن الربيع قبل الوحي ، وكانا كافرين .
وقال الحسين بن الفضل : عرض بناته عليهم بشرط الإسلام .
وقال مجاهد وسعيد بن جبير : قوله : ( هؤلاء بناتي ) أراد : نساءهم ، وأضاف إلى نفسه لأن كل نبي أبو أمته . وفي قراءة أبي بن كعب : " النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم " .
وقيل : ذكر ذلك على سبيل الدفع لا على التحقيق ، ولم يرضوا هذا .
( فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي ) أي : خافوا الله ولا تخزون في ضيفي ، أي : لا تسوءوني ولا تفضحوني في أضيافي . ( أليس منكم رجل رشيد ) صالح سديد . قال عكرمة : رجل يقول لا إله إلا الله . وقال ابن إسحاق : رجل يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر .
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features