كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي ۖ وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَىٰ (81)

كلوا من طيبات ما رزقناكم أي من لذيذ الرزق . وقيل : من حلاله إذ لا صنع فيه لآدمي فتدخله شبهة . ولا تطغوا فيه أي لا تحملنكم السعة والعافية أن تعصوا ؛ لأن الطغيان التجاوز إلى ما لا يجوز . وقيل : المعنى ؛ أي لا تكفروا النعمة ولا تنسوا شكر المنعم بها عليكم . وقيل : أي ولا تستبدلوا بها شيئا آخر كما قال : أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير وقيل : لا تدخروا منه لأكثر من يوم وليلة ؛ قال ابن عباس : فيتدود عليهم ما ادخروه ؛ ولولا ذلك ما تدود طعام أبدا .
فيحل عليكم غضبي أي يجب وينزل ، وهو منصوب بالفاء في جواب النهي من قوله : ولا تطغوا . فيحل عليكم غضبي قرأ الأعمش ويحيى بن وثاب والكسائي ( فيحل ) بضم الحاء ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى قرأ الأعمش ويحيى بن وثاب والكسائي ( ومن يحلل ) بضم اللام الأولى . والباقون بالكسر وهما لغتان . وحكى أبو عبيدة وغيره : أنه يقال : حل يحل إذا وجب وحل يحل إذا نزل . وكذا قال الفراء : الضم من الحلول بمعنى الوقوع ، والكسر من الوجوب . والمعنيان متقاربان إلا أن الكسر أولى ؛ لأنهم قد أجمعوا على قوله : ويحل عليه عذاب مقيم . وغضب الله عقابه ونقمته وعذابه . فقد هوى قال الزجاج : فقد هلك ؛ أي صار إلى الهاوية وهي قعر النار ، من هوى يهوي هويا أي سقط من علو إلى سفل ، وهوى فلان أي مات . وذكر ابن المبارك : أخبرنا إسماعيل بن عياش قال حدثنا ثعلبة بن مسلم عن أيوب بن بشير عن شفي الأصبحي قال : إن في جهنم جبلا يدعى صعودا يطلع فيه الكافر أربعين خريفا قبل أن يرقاه ؛ قال الله تعالى : سأرهقه صعودا وإن في جهنم قصرا يقال له هوى يرمى الكافر من أعلاه فيهوي أربعين خريفا قبل أن يبلغ أصله قال الله تعالى : ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى وذكر الحديث ؛ وقد ذكرناه في كتاب ( التذكرة ) .
كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي ۖ وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَىٰ (81)

{ كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ } أي: واشكروه على ما أسدى إليكم من النعم { وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ } أي: في رزقه، فتستعملونه في معاصيه، وتبطرون النعمة، فإنكم إن فعلتم ذلك، حل عليكم غضبي أي: غضبت عليكم، ثم عذبتكم، { وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى } أي: ردى وهلك، وخاب وخسر، لأنه عدم الرضا والإحسان، وحل عليه الغضب والخسران.
كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي ۖ وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَىٰ (81)

( كلوا من طيبات ما رزقناكم ) قرأ حمزة والكسائي : " أنجيتكم " ، و " واعدتكم " ، و " رزقتكم " بالتاء على التوحيد ، وقرأ الآخرون بالنون والألف على التعظيم ، ولم يختلفوا في ( ونزلنا ) لأنه مكتوب بالألف .
( ولا تطغوا فيه ) قال ابن عباس : لا تظلموا . قال الكلبي : لا تكفروا النعمة فتكونوا طاغين .
وقيل : لا تنفقوا في معصيتي .
وقيل : لا تدخروا ، ثم ادخروا فتدود ، ( فيحل ) قرأ الأعمش ، والكسائي : " فيحل " بضم الحاء " ومن يحلل " بضم اللام ، أي : ينزل ، وقرأ الآخرون بكسرها أي : يجب ، ( عليكم غضبي ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى ) هلك وتردى في النار .
كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي ۖ وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَىٰ (81)

وقوله ( كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ) يقول تعالى ذكره لهم: كلوا يا بني إسرائيل من شهيات رزقنا الذي رزقناكم، وحلاله الذي طيبناه لكم ( وَلا تَطْغَوْا فِيهِ ) يقول: ولا تعتدوا فيه، ولا يظلم فيه بعضكم بعضا. كما حدثنا عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس قوله: ( وَلا تَطْغَوْا فِيهِ ) يقول: ولا تظلموا.
وقوله ( فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي ) يقول: فينـزل عليكم عقوبتي.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد عن قتادة، قوله ( فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي ) يقول: فينـزل عليكم غضبي.
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الحجاز والمدينة والبصرة والكوفة ( فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ ) بكسر الحاء وَمَنْ يَحْلِلْ بكسر اللام، ووجهوا معناه إلى: فيجب عليكم غضبي، وقرأ ذلك جماعة من أهل الكوفة ( فَيَحُلَّ عَلَيْكُم) بضم الحاء، ووجهوا تأويله إلى ما ذكرنا عن قَتادة من أنه فيقع وينـزل عليكم غضبي.
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان مشهورتان قد قرأ بكل واحدة منهما علماء من القرّاء، وقد حذّر الله الذين قيل لهم هذا القول من بني إسرائيل وقوع بأسه بهم ونـزوله بمعصيتهم إياه إن هم عصوه، وخوّفهم وجوبه لهم، فسواء قرئ ذلك بالوقوع أو بالوجوب، لأنهم كانوا قد خوّفوا المعنيين كليهما.
"81"
القول في تأويل قوله تعالى : وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى (81)
يقول تعالى ذكره: ومن يجب عليه غضبي، فينـزل به، فقد هوى، يقول فقد تردى فشقي. كما حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله ( فَقَدْ هَوَى ) يقول: فقد شقي.
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features