وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ۖ لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُكَ ۗ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ (132)

قوله تعالى : وأمر أهلك بالصلاة أمره تعالى بأن يأمر أهله بالصلاة ويمتثلها معهم ، ويصطبر عليها ويلازمها . وهذا خطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - ويدخل في عمومه جميع أمته ؛ وأهل بيته على التخصيص . وكان - عليه السلام - بعد نزول هذه الآية يذهب كل صباح إلى بيت فاطمة وعلي - رضوان الله عليهما - فيقول : الصلاة . ويروى أن عروة بن الزبير - رضي الله عنه - كان إذا رأى شيئا من أخبار السلاطين وأحوالهم بادر إلى منزله فدخله ، وهو يقرأ ولا تمدن عينيك الآية إلى قوله : وأبقى ثم ينادي بالصلاة : الصلاة يرحمكم الله ؛ ويصلي . وكان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يوقظ أهل داره لصلاة الليل ويصلي وهو يتمثل بالآية .
قوله تعالى : لا نسألك رزقا أي لا نسألك أن ترزق نفسك وإياهم ، وتشتغل عن الصلاة بسبب الرزق ، بل نحن نتكفل برزقك وإياهم ، فكان - عليه السلام - إذا نزل بأهله ضيق أمرهم بالصلاة . وقد قال الله تعالى : وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون إن الله هو الرزاق .
قوله تعالى : والعاقبة للتقوى أي الجنة لأهل التقوى ؛ يعني العاقبة المحمودة . وقد تكون لغير التقوى عاقبة ولكنها مذمومة فهي كالمعدومة .
وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ۖ لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُكَ ۗ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ (132)

أي: حث أهلك على الصلاة، وأزعجهم إليها من فرض ونفل. والأمر بالشيء، أمر بجميع ما لا يتم إلا به، فيكون أمرا بتعليمهم، ما يصلح الصلاة ويفسدها ويكملها.
{ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا } أي: على الصلاة بإقامتها، بحدودها وأركانها وآدابها وخشوعها، فإن ذلك مشق على النفس، ولكن ينبغي إكراهها وجهادها على ذلك، والصبر معها دائما، فإن العبد إذا أقام صلاته على الوجه المأمور به، كان لما سواها من دينه أحفظ وأقوم، وإذا ضيعها كان لما سواها أضيع، ثم ضمن تعالى لرسوله الرزق، وأن لا يشغله الاهتمام به عن إقامة دينه، فقال: { نَحْنُ نَرْزُقُكَ } أي: رزقك علينا قد تكفلنا به، كما تكفلنا بأرزاق الخلائق كلهم، فكيف بمن قام بأمرنا، واشتغل بذكرنا؟! ورزق الله عام للمتقي وغيره، فينبغي الاهتمام بما يجلب السعادة الأبدية، وهو: التقوى، ولهذا قال: { وَالْعَاقِبَةُ } في الدنيا والآخرة { لِلتَّقْوَى } التي هي فعل المأمور وترك المنهي، فمن قام بها، كان له العاقبة، كما قال تعالى { وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ }
وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ۖ لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُكَ ۗ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ (132)

( وأمر أهلك بالصلاة ) أي : قومك . وقيل : من كان على دينك ، كقوله تعالى : " وكان يأمر أهله بالصلاة " ( مريم : 55 ) ، ( واصطبر عليها ) أي اصبر على الصلاة ، فإنها تنهى عن الفحشاء والمنكر .
( لا نسألك رزقا ) لا نكلفك أن ترزق أحدا من خلقنا ، ولا أن ترزق نفسك وإنما نكلفك عملا ( نحن نرزقك والعاقبة ) الخاتمة الجميلة المحمودة ، ( للتقوى ) أي لأهل التقوى . قال ابن عباس : الذين صدقوك واتبعوك واتقوني .
وفي بعض المسانيد أن النبي صلى الله عليه وسلم : " كان إذا أصاب أهله ضر أمرهم بالصلاة وتلا هذه الآية .
وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ۖ لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُكَ ۗ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ (132)

القول في تأويل قوله تعالى : وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى (132)
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: (وأمُرْ) يا محمد ( أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ) يقول: واصطبر على القيام بها، وأدائها بحدودها أنت ( لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا ) يقول: لا نسألك مالا بل نكلفك عملا ببدنك، نؤتيك عليه أجرا عظيما وثوابا جزيلا يقول ( نَحْنُ نَرْزُقُكَ ) نحن نعطيك المال ونكسبكه، ولا نسألكه ، وقوله: ( وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ) يقول: والعاقبة الصالحة من عمل كلّ عامل لأهل التقوى والخشية من الله دون من لا يخاف له عقابا، ولا يرجو له ثوابا.
وبنحو الذي قلنا في قوله ( وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ) قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني أبو السائب، قال: ثنا حفص بن غياث، عن هشام بن عروة، قال: كان عروة إذا رأى ما عند السلاطين دخل داره، فقال ( لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ) ثم ينادي: الصلاة الصلاة، يرحمكم الله.
حدثنا أبو كريب قال: ثنا عثام، عن هشام بن عروة، عن أبيه، أنه كان إذا رأى شيئا من الدنيا جاء إلى أهله، فقال الصلاة ( وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا ).
حدثنا العباس بن عبد العظيم، قال: ثنا جعفر بن عون، قال: أخبرنا هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، قال: كان يبيت عند عمر بن الخطاب من غلمانه أنا ويرفأ، وكانت له من الليل ساعة يصليها، فإذا قلنا لا يقوم من الليل كان قياما (5) .
، وكان إذا صلى من الليل ثم فرغ قرأ هذه الآية ( وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ).... الآية.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، مثله.
---------------
الهوامش:
(5) لعله يريد : كان يقوم قياما ، أي قياما طويلا ، والضمير في كان راجع إلى " عمر " رضي الله عنه .
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features