الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ۗ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا (37)

قوله تعالى : الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما آتاهم الله من فضله وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا
قوله تعالى : الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل فيه مسألتان :
الأولى : قوله تعالى : الذين يبخلون الذين في موضع نصب على البدل من " من " في قوله : من كان ولا يكون صفة ؛ لأن " من " و " ما " لا يوصفان ولا يوصف بهما . ويجوز أن يكون في موضع رفع بدلا من المضمر الذي في فخور . ويجوز أن يكون في موضع رفع فيعطف عليه . ويجوز أن يكون ابتداء والخبر محذوف ، أي الذين يبخلون ، لهم كذا ، أو يكون الخبر إن الله لا يظلم مثقال ذرة . ويجوز أن يكون منصوبا بإضمار أعني ، فتكون الآية في المؤمنين ؛ فتجيء الآية على هذا التأويل أن الباخلين منفية عنهم محبة الله ، فأحسنوا أيها المؤمنون إلى من سمي فإن الله لا يحب من فيه الخلال المانعة من الإحسان .
الثانية : قوله تعالى : يبخلون ويأمرون الناس بالبخل البخل المذموم في الشرع هو الامتناع من أداء ما أوجب الله تعالى عليه . وهو مثل قوله تعالى : ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله الآية . وقد مضى في " آل عمران " القول في البخل وحقيقته ، والفرق بينه وبين الشح مستوفى . والمراد بهذه الآية في قول ابن عباس وغيره اليهود ؛ فإنهم جمعوا بين الاختيال والفخر والبخل بالمال وكتمان ما أنزل الله من التوراة من نعت محمد صلى الله عليه وسلم . وقيل : المراد المنافقون الذي كان إنفاقهم وإيمانهم تقية ، والمعنى إن الله لا يحب كل مختال فخور ، ولا الذين يبخلون ؛ على ما ذكرنا من إعرابه .
قوله تعالى : وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا فصل تعالى توعد المؤمنين الباخلين من توعد الكافرين بأن جعل الأول عدم المحبة والثاني عذابا مهينا .
الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ۗ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا (37)

يقول تعالى ذاما الذين يبخلون بأموالهم أن ينفقوها فيما أمرهم الله به - من بر الوالدين ، والإحسان إلى الأقارب واليتامى والمساكين ، والجار ذي القربى ، والجار الجنب ، والصاحب بالجنب ، وابن السبيل ، وما ملكت أيمانكم من الأرقاء - ولا يدفعون حق الله فيها ، ويأمرون الناس بالبخل أيضا . وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وأي داء أدوأ من البخل ؟ " . وقال : " إياكم والشح ، فإنه أهلك من كان قبلكم ، أمرهم بالقطيعة فقطعوا ، وأمرهم بالفجور ففجروا " .
وقوله : ( ويكتمون ما آتاهم الله من فضله ) فالبخيل جحود لنعمة الله عليه لا تظهر عليه ولا تبين ، لا في أكله ولا في ملبسه ، ولا في إعطائه وبذله ، كما قال تعالى : ( إن الإنسان لربه لكنود . وإنه على ذلك لشهيد ) [ العاديات : 6 ، 7 ] أي : بحاله وشمائله ، ( وإنه لحب الخير لشديد ) [ العاديات : 8 ] وقال هاهنا : ( ويكتمون ما آتاهم الله من فضله ) ولهذا توعدهم بقوله : ( وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا ) والكفر هو الستر والتغطية ، فالبخيل يستر نعمة الله عليه ويكتمها ويجحدها ، فهو كافر لنعم الله عليه .
وفي الحديث : " إن الله إذا أنعم نعمة على عبد أحب أن يظهر أثرها عليه " وفي الدعاء النبوي : " واجعلنا شاكرين لنعمتك ، مثنين بها عليك قابليها - ويروى : قائليها - وأتممها علينا " .
وقد حمل بعض السلف هذه الآية على بخل اليهود بإظهار العلم الذي عندهم ، من صفة النبي صلى الله عليه وسلم وكتمانهم ذلك ; ولهذا قال : ( وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا ) رواه ابن إسحاق ، عن محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة أو سعيد بن جبير ، عن ابن عباس . وقاله مجاهد وغير واحد .
ولا شك أن الآية محتملة لذلك ، والظاهر أن السياق في البخل بالمال ، وإن كان البخل بالعلم داخلا في ذلك بطريق الأولى ; فإن سياق الكلام في الإنفاق على الأقارب والضعفاء ،وكذا الآية التي بعدها ، وهي قوله :
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features