قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ۖ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ ۖ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۖ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (46)

قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ
أي ليس , من أهلك الذين وعدتهم أن أنجيهم ; قاله سعيد بن جبير .
وقال الجمهور : ليس من أهل دينك ولا ولايتك ; فهو على حذف مضاف ; وهذا يدل على أن حكم الاتفاق في الدين أقوى من حكم النسب .أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ
قرأ ابن عباس وعروة وعكرمة ويعقوب والكسائي " إنه عمل غير صالح " أي من الكفر والتكذيب ; واختاره أبو عبيد .
وقرأ الباقون " عمل " أي ابنك ذو عمل غير صالح فحذف المضاف ; قاله الزجاج وغيره .
قال : ترتع ما رتعت حتى إذا ادكرت فإنما هي إقبال وإدبار أي ذات إقبال وإدبار .
وهذا القول والذي قبله يرجع إلى معنى واحد .
ويجوز أن تكون الهاء للسؤال ; أي إن سؤالك إياي أن أنجيه .
عمل غير صالح .
قال قتادة .
وقال الحسن : معنى عمل غير صالح أنه ولد على فراشه ولم يكن ابنه .
وكان لغير رشدة , وقاله أيضا مجاهد .
قال قتادة سألت الحسن عنه فقال : والله ما كان ابنه ; قلت إن الله أخبر عن نوح أنه قال : " إن ابني من أهلي " فقال : لم يقل مني , وهذه إشارة إلى أنه كان ابن امرأته من زوج آخر ; فقلت له : إن الله حكى عنه أنه قال : " إن ابني من أهلي " " ونادى نوح ابنه " ولا يختلف أهل الكتابين أنه ابنه ; فقال الحسن : ومن يأخذ دينه عن أهل الكتاب ! إنهم يكذبون .
وقرأ : " فخانتاهما " [ التحريم : 10 ] .
وقال ابن جريج : ناداه وهو يحسب أنه ابنه , وكان ولد على فراشه , وكانت امرأته خانته فيه , ولهذا قال : " فخانتاهما " .
وقال ابن عباس : ( ما بغت امرأة نبي قط ) , وأنه كان ابنه لصلبه .
وكذلك قال الضحاك وعكرمة وسعيد بن جبير وميمون بن مهران وغيرهم , وأنه كان ابنه لصلبه .
وقيل لسعيد بن جبير يقول نوح : " إن ابني من أهلي " أكان من أهله ؟ أكان ابنه ؟ فسبح الله طويلا ثم قال : ( لا إله إلا الله ! يحدث الله محمدا صلى الله عليه وسلم أنه ابنه , وتقول إنه ليس ابنه ! نعم كان ابنه ; ولكن كان مخالفا في النية والعمل والدين , ولهذا قال الله تعالى : " إنه ليس من أهلك " ) ; وهذا هو الصحيح في الباب إن شاء الله تعالى لجلالة من قال به , وإن قوله : " إنه ليس من أهلك " ليس مما ينفي عنه أنه ابنه .
وقوله : " فخانتاهما " [ التحريم : 10 ] يعني في الدين لا في الفراش , وذلك أن هذه كانت تخبر الناس أنه مجنون , وذلك أنها قالت له : أما ينصرك ربك ؟ فقال لها : نعم .
قالت : فمتى ؟ قال : إذا فار التنور ; فخرجت تقول لقومها : يا قوم والله إنه لمجنون , يزعم أنه لا ينصره ربه إلا أن يفور هذا التنور , فهذه خيانتها .
وخيانة الأخرى أنها كانت تدل على الأضياف على ما سيأتي إن شاء الله .
والله أعلم .
وقيل : الولد قد يسمى عملا كما يسمى كسبا , كما في الخبر ( أولادكم من كسبكم ) .
ذكره القشيري .
في هذه الآية تسلية للخلق في فساد أبنائهم وإن كانوا صالحين .
وروي أن ابن مالك بن أنس نزل من فوق ومعه حمام قد غطاه , قال : فعلم مالك أنه قد فهمه الناس ; فقال مالك : الأدب أدب الله لا أدب الآباء والأمهات , والخير خير الله لا خير الآباء والأمهات .
وفيها أيضا دليل على أن الابن من الأهل لغة وشرعا , ومن أهل البيت ; فمن وصى لأهله دخل في ذلك ابنه , ومن تضمنه منزله , وهو في عياله .
وقال تعالى في آية أخرى : " ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون .
ونجيناه وأهله من الكرب العظيم " [ الصافات : 75 ] فسمى جميع من ضمه منزله من أهله .
ودلت الآية على قول الحسن ومجاهد وغيرهما : أن الولد للفراش ; ولذلك قال نوح ما قال آخذا بظاهر الفراش .
وقد روى سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار أنه سمع عبيد بن عمير يقول : نرى رسول الله صلى عليه وسلم إنما قضى بالولد للفراش من أجل ابن نوح عليه السلام ; ذكره أبو عمر في كتاب " التمهيد " .
وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( الولد للفراش وللعاهر الحجر ) يريد الخيبة .
وقيل : الرجم بالحجارة .
وقرأ عروة بن الزبير .
" ونادى نوح ابنها " يريد ابن امرأته , وهي تفسير القراءة المتقدمة عنه , وعن علي رضي الله عنه , وهي حجة للحسن ومجاهد ; إلا أنها قراءة شاذة , فلا نترك المتفق عليها لها .
والله أعلم .عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ
أي أنهاك عن هذا السؤال , وأحذرك لئلا تكون , أو كراهية أن تكون من الجاهلين ; أي الآثمين .
ومنه قوله تعالى : " يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا " [ النور : 17 ] أي يحذركم الله وينهاكم .
وقيل : المعنى أرفعك أن تكون من الجاهلين .
قال ابن العربي : وهذه زيادة من الله وموعظة يرفع بها نوحا عن مقام الجاهلين , ويعليه بها إلى مقام العلماء والعارفين
قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ۖ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ ۖ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۖ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (46)

( قال يانوح إنه ليس من أهلك ) أي : الذين وعدت إنجاءهم ; لأني إنما وعدتك بنجاة من آمن من أهلك; ولهذا قال : ( وأهلك إلا من سبق عليه القول ) [ هود : 40 ] ، فكان هذا الولد ممن سبق عليه القول بالغرق لكفره ومخالفته أباه نبي الله نوحا ، عليه السلام .
وقد نص غير واحد من الأئمة على تخطئة من ذهب في تفسير هذا إلى أنه ليس بابنه ، وإنما كان ابن زنية ، ويحكى القول بأنه ليس بابنه ، وإنما كان ابن امرأته عن مجاهد ، والحسن ، وعبيد بن عمير ، وأبي جعفر الباقر ، وابن جريج ، واحتج بعضهم بقوله : ( إنه عمل غير صالح ) وبقوله : ( فخانتاهما ) [ التحريم : 10 ] ، فممن قاله الحسن البصري ، احتج بهاتين الآيتين . وبعضهم يقول : كان ابن امرأته . وهذا يحتمل أن يكون أراد ما أراد الحسن ، أو أراد أنه نسب إليه مجازا ، لكونه كان ربيبا عنده ، فالله أعلم .
وقال ابن عباس ، وغير واحد من السلف : ما زنت امرأة نبي قط ، قال : وقوله : ( إنه ليس من أهلك ) أي : الذين وعدتك نجاتهم .
وقول ابن عباس في هذا هو الحق الذي لا محيد عنه ، فإن الله سبحانه أغير من أن يمكن امرأة نبي من الفاحشة ولهذا غضب الله على الذين رموا أم المؤمنين عائشة بنت الصديق زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنكر على المؤمنين الذين تكلموا بهذا وأشاعوه; ولهذا قال تعالى : ( إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم ) إلى قوله ( إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم ) [ النور : 11 - 15 ] .
وقال عبد الرزاق : أخبرنا معمر ، عن قتادة وغيره ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : هو ابنه غير أنه خالفه في العمل والنية . قال عكرمة : في بعض الحروف : " إنه عمل عملا غير صالح " ، والخيانة تكون على غير باب .
وقد ورد في الحديث أن رسول الله قرأ بذلك ، فقال الإمام أحمد : حدثنا يزيد بن هارون ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن شهر بن حوشب ، عن أسماء بنت يزيد قالت ، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ : " إنه عمل غير صالح " ، وسمعته يقول : ( ياعبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا ) ولا يبالي ( إنه هو الغفور الرحيم ) [ الزمر : 53 ] .
وقال أحمد أيضا : حدثنا وكيع ، حدثنا هارون النحوي ، عن ثابت البناني ، عن شهر بن حوشب ، عن أم سلمة أن رسول الله قرأها : " إنه عمل غير صالح " .
أعاده أحمد أيضا في مسنده .
أم سلمة هي أم المؤمنين والظاهر - والله أعلم - أنها أسماء بنت يزيد ، فإنها تكنى بذلك أيضا .
وقال عبد الرزاق أيضا : أخبرنا الثوري وابن عيينة ، عن موسى بن أبي عائشة ، عن سليمان بن قتة قال : سمعت ابن عباس - سئل - وهو إلى جنب الكعبة - عن قول الله : ( فخانتاهما ) [ التحريم : 10 ] ، قال : أما وإنه لم يكن بالزنا ، ولكن كانت هذه تخبر الناس أنه مجنون ، وكانت هذه تدل على الأضياف . ثم قرأ : ( إنه عمل غير صالح ) قال ابن عيينة : وأخبرني عمار الدهني أنه سأل سعيد بن جبير عن ذلك فقال : كان ابن نوح ، إن الله لا يكذب! قال تعالى : ( ونادى نوح ابنه ) قال : وقال بعض العلماء : ما فجرت امرأة نبي قط .
وكذا روي عن مجاهد أيضا ، وعكرمة ، والضحاك ، وميمون بن مهران وثابت بن الحجاج ، وهو اختيار أبي جعفر بن جرير ، وهو الصواب [ الذي ] لا شك فيه .
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features