يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ ۖ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (105)

فيه أربع مسائل: الأولى- قال علماؤنا: وجه اتصال هذه الآية بما قبلها التحذير مما يجب أن يحذر منه، وهو حال من تقدمت صفته ممن ركن في دينه إلى تقليد آبائه وأسلافه. وظاهر هذه الآية يدل على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس القيام به بواجب إذا استقام الإنسان، وأنه لا يؤاخذ أحد بذنب غيره، لولا ما ورد من تفسيرها في السنة وأقاويل الصحابة والتابعين على ما نذكره بحول الله تعالى.
الثانية: قوله تعالى:" عليكم أنفسكم" معناه احفظوا أنفسكم من المعاصي، تقول عليك زيدا بمعنى الزم زيدا، ولا يجوز عليه زيدا، بل إنما يجري هذا في المخاطبة في ثلاثة ألفاظ عليك زيدا أي خذ زيدا، وعندك عمرا أي حضرك، ودونك زيدا أي قرب منك، وأنشد:
يا أيها المائح دلوي دونكا
وأما قوله: عليه رجلا ليسني، فشاذ.
الثالثة- روى أبو داود والترمذي وغيرهما عن قيس قال: خطبنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه فقال: إنكم تقرءون هذه الآية وتتأولونها على غير تأويلها "يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم" وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: [إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعذاب من عنده]. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، قال إسحاق بن إبراهيم سمعت عمرو بن علي يقول سمعت وكيعا يقول: لا يصح عن أبي بكر عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا حديث واحد، قلت: ولا إسماعيل عن قيس، قال: إن إسماعيل روى عن قيس موقوفا. قال النقاش: وهذا إفراط من وكيع، رواه شعبة عن سفيان وإسحاق عن إسماعيل مرفوعا، وروى أبو داود والترمذي وغيرهما عن أبي أمية الشعباني قال: أتيت أبا ثعلبة الخشني فقلت له: كيف تصنع بهذه الآية؟ فقال: أية آية؟ قلت: قوله تعالى:" يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم" قال أما والله لقد سألت عنها خبيرا، سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: [بل ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر حتى إذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك بخاصة نفسك ودع عنك أمر العامة فإن من ورائكم أياما الصبر فيهن مثل القبض على الجمر للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلا يعملون مثل عملكم]. وفي رواية قيل: يا رسول الله أجر خمسين منا أو منهم؟ قال :[بل أجر خمسين منكم]. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب. قال ابن عبد البر قوله: [بل منكم] هذه اللفظة قد سكت عنها بعض الرواة فلم يذكرها، وقد تقدم. وروى الترمذي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [إنكم في زمان من ترك منكم عشر ما أمر به هلك ثم يأتي زمان من عمل منهم بعشر ما أمر به نجا] قال: هذا حديث غريب. وروي عن ابن مسعود أنه قال: ليس هذا بزمان هذه الآية، قولوا الحق ما قبل منكم، فإذا رد عليكم فعليكم أنفسكم. وقيل لابن عمر في بعض أوقات الفتن: لو تركت القول في هذه الأيام فلم تأمر ولم تنه؟ فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا: [ليبلغ الشاهد الغائب] ونحن شهدنا فيلزمنا أن نبلغكم، وسيأتي زمان إذا قيل فيه الحق لم يقبل. في رواية عن ابن عمر بعد قوله: [ليبلغ الشاهد الغائب] فكنا نحن الشهود وأنتم الغيب، ولكن هذه الآية لأقوام يجيئون من بعدنا إن قالوا، لم يقبل منهم. وقال ابن المبارك قوله تعالى: "عليكم أنفسكم" خطاب لجميع المؤمنين، أي عليكم أهله دينكم، كقوله تعالى: "ولا تقتلوا أنفسكم" فكأنه قال: ليأمر بعضكم بعضا، ولينه بعضكم بعضا، فهو دليل على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا يضركم ضلال المشركين والمنافقين وأهل الكتاب، وهذا لأن الأمر بالمعروف يجري مع المسلمين من أهل العصيان كما تقدم، وروي معنى هذا عن سعيد بن جبير. وقال سعيد بن المسيب: معنى الآية لا يضركم من ضل إذا اهتديتم بعد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وقال ابن خويز منداد: تضمنت الآية اشتغال الإنسان بخاصة نفسه، وتركه التعرض لمعايب الناس، والبحث عن أحوالهم فإنهم لا يسألون عن حاله فلا يسأل عن حالهم وهذا كقوله تعالى:" كل نفس بما كسبت رهينة" [المدثر: 38]، "ولا تزر وازرة وزر أخرى" [الانعام: 461]. وقول النبي صلى الله عليه وسلم: [كن جليس بيتك وعليك بخاصة نفسك]. ويجوز أن يكون أريد به الزمان الذي يتعذر فيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فينكر بقلبه، ويشتغل بإصلاح نفسه. قلت: قد جاء حديث غريب رواه ابن لهيعة: قال حدثنا بكر بن سوادة الجذامي عن عقبة بن عامر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [إذا كان رأس مائتين فلا تأمر بمعروف ولا تنه عن منكر وعليك بخاصة نفسك]. قال علماؤنا: إنما قال عليه السلام ذلك لتغير الزمان، وفساد الأحوال، وقلة المعينين. وقال جابر بن زيد: معنى الآية: يا أيها الذين آمنوا من أبناء أولئك الذين بحروا البحيرة وسيبوا السوائب، عليكم أنفسكم في الاستقامة على الدين، لا يضركم ضلال الأسلاف إذا اهتديتم، قال: وكان الرجل إذا أسلم قال له الكفار سفهت آباءك وضللتهم وفعلت وفعلت، فأنزل الله الآية بسبب ذلك. وقيل: الآية في أهل الأهواء الذين لا ينفعهم الوعظ، فإذا علمت من قوم أنهم لا يقبلون، بل يستخفون ويظهرون فاسكت عنهم. وقيل: نزلت في الأسارى الذين عذبهم المشركون حتى ارتد بعضهم، فقيل لمن بقي على الإسلام: عليكم أنفسكم لا يضركم ارتداد أصحابكم. وقال: سعيد بن جبير: هي في أهل الكتاب- وقال مجاهد: في اليهود والنصارى ومن كان مثلهم، يذهبان إلى أن المعنى لا يضركم كفر أهل الكتاب إذا أدوا الجزية. وقيل: هي منسوخة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قاله المهدوي. قال ابن عطية: وهذا ضعيف ولا يعلم قائله. قلت: قد جاء عن أبي عبيد القاسم بن سلام أنه قال: ليس في كتاب الله تعالى آية جمعت الناسخ والمنسوخ غير هذه الآية. قال غيره: الناسخ منها قوله: "إذا اهتديتم" والهدى هنا هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والله أعلم.
الرابعة- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر متعين متى رجي القبول، أو رجي رد الظالم ولو بعنف، ما لم يخف الآمر ضررا يلحقه في خاصته، أو فتنة يدخلها على المسلمين، إما بشق عصا، وإما بضرر يلحق طائفة من الناس، فإذا خيف هذا ف "عليكم أنفسكم" محكم واجب أن يوقف عنده. ولا يشترط في الناهي أن يكون عدلا كما تقدم، وعلى هذا جماعة أهل العلم فاعلمه.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ ۖ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (105)

يقول تعالى آمرا عباده المؤمنين أن يصلحوا أنفسهم ويفعلوا الخير بجهدهم وطاقتهم ، ومخبرا لهم أنه من أصلح أمره لا يضره فساد من فسد من الناس ، سواء كان قريبا منه أو بعيدا .
قال العوفي ، عن ابن عباس عند تفسير هذه الآية : يقول تعالى : إذا ما العبد أطاعني فيما أمرته به من الحلال والحرام فلا يضره من ضل بعده ، إذا عمل بما أمرته به .
وكذا روى الوالبي عنه . وهكذا قال مقاتل بن حيان . فقوله : ( يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم ) نصب على الإغراء ( لا يضركم من ضل إذا اهتديتم إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم تعملون ) أي : فيجازي كل عامل بعمله ، إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر .
وليس في الآية مستدل على ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، إذا كان فعل ذلك ممكنا ، وقد قال الإمام أحمد رحمه الله :
حدثنا هاشم بن القاسم ، حدثنا زهير - يعني ابن معاوية - حدثنا إسماعيل بن أبي خالد ، حدثنا قيس قال : قام أبو بكر ، - رضي الله عنه - ، فحمد الله وأثنى عليه ، وقال : أيها الناس ، إنكم تقرؤون هذه الآية : ( يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم ) إلى آخر الآية ، وإنكم تضعونها على غير موضعها ، وإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن الناس إذا رأوا المنكر ولا يغيرونه أوشك الله ، عز وجل ، أن يعمهم بعقابه " . قال : وسمعت أبا بكر يقول : يا أيها الناس ، إياكم والكذب ، فإن الكذب مجانب الإيمان .
وقد روى هذا الحديث أصحاب السنن الأربعة وابن حبان في صحيحه ، وغيرهم من طرق كثيرة عن جماعة كثيرة ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، به متصلا مرفوعا ، ومنهم من رواه عنه به موقوفا على الصديق وقد رجح رفعه الدارقطني وغيره وذكرنا طرقه والكلام عليه مطولا في مسند الصديق ، - رضي الله عنه - .
وقال أبو عيسى الترمذي : حدثنا سعيد بن يعقوب الطالقاني ، وحدثنا عبد الله بن المبارك ، حدثنا عتبة بن أبي حكيم ، حدثنا عمرو بن جارية اللخمي ، عن أبي أمية الشعباني قال : أتيت أبا ثعلبة الخشني فقلت له : كيف تصنع في هذه الآية؟ فقال : أية آية؟ قلت : قوله [ تعالى ] ( يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم ) فقال : أما والله لقد سألت عنها خبيرا ، سألت عنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : " بل ائتمروا بالمعروف ، وتناهوا عن المنكر ، حتى إذا رأيت شحا مطاعا ، وهوى متبعا ، ودنيا مؤثرة ، وإعجاب كل ذي رأي برأيه ، فعليك بخاصة نفسك ، ودع العوام ، فإن من ورائكم أياما الصبر فيهن مثل القبض على الجمر ، للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلا يعملون كعملكم " - قال عبد الله بن المبارك : وزاد غير عتبة : قيل يا رسول الله ، أجر خمسين رجلا منهم أو منا؟ قال : " بل أجر خمسين منكم " .
ثم قال الترمذي : هذا حديث حسن غريب صحيح . وكذا رواه أبو داود من طريق ابن المبارك ورواه ابن ماجه وابن جرير وابن أبي حاتم ، عن عتبة بن أبي حكيم .
وقال عبد الرزاق : أنبأنا معمر ، عن الحسن أن ابن مسعود سأله رجل عن قوله ( يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم ) فقال : إن هذا ليس بزمانها ، إنها اليوم مقبولة . ولكنه قد أوشك أن يأتي زمانها ، تأمرون فيصنع بكم كذا وكذا - أو قال : فلا يقبل منكم - فحينئذ ( عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل )
ورواه أبو جعفر الرازي ، عن الربيع ، عن أبي العالية عن ابن مسعود في قوله : ( يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم ) الآية ، قال : كانوا عند عبد الله بن مسعود جلوسا ، فكان بين رجلين بعض ما يكون بين الناس ، حتى قام كل واحد منهما إلى صاحبه ، فقال رجل من جلساء عبد الله : ألا أقوم فآمرهما بالمعروف وأنهاهما عن المنكر؟ فقال آخر إلى جنبه : عليك بنفسك ، فإن الله يقول : ( [ يا أيها الذين آمنوا ] عليكم أنفسكم ) الآية . قال : فسمعها ابن مسعود فقال : مه ، لم يجئ تأويل هذه بعد ، إن القرآن أنزل حيث أنزل ومنه آي قد مضى تأويلهن قبل أن ينزلن ، ومنه آي قد وقع تأويلهن على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ومنه آي قد وقع تأويلهن بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - بيسير ، ومنه آي يقع تأويلهن بعد اليوم ، ومنه آي تأويلهن عند الساعة على ما ذكر من الساعة ، ومنه آي يقع تأويلهن يوم الحساب على ما ذكر من الحساب والجنة والنار . فما دامت قلوبكم واحدة ، وأهواؤكم واحدة ولم تلبسوا شيعا ، ولم يذق بعضكم بأس بعض فأمروا وانهوا . فإذا اختلفت القلوب والأهواء ، وألبستم شيعا ، وذاق بعضكم بأس بعض فامرؤ ونفسه ، عند ذلك جاءنا تأويل هذه الآية . رواه ابن جرير .
وقال ابن جرير : حدثنا الحسن بن عرفة ، حدثنا شبابة بن سوار ، حدثنا الربيع بن صبيح ، عن سفيان بن عقال قال : قيل لابن عمر : لو جلست في هذه الأيام فلم تأمر ولم تنه ، فإن الله قال : ( عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم ) ؟ فقال ابن عمر : إنها ليست لي ولا لأصحابي إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " ألا فليبلغ الشاهد الغائب " . فكنا نحن الشهود وأنتم الغيب ، ولكن هذه الآية لأقوام يجيئون من بعدنا ، إن قالوا لم يقبل منهم .
وقال أيضا : حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا محمد بن جعفر وأبو عاصم قالا حدثنا عوف عن سوار بن شبيب قال : كنت عند ابن عمر ، إذ أتاه رجل جليد في العين ، شديد اللسان ، فقال : يا أبا عبد الرحمن ، نفر ستة كلهم قد قرأ القرآن فأسرع فيه ، وكلهم مجتهد لا يألو وكلهم بغيض إليه أن يأتي دناءة ، وهم في ذلك يشهد بعضهم على بعض بالشرك . فقال رجل من القوم : وأي دناءة تريد أكثر من أن يشهد بعضهم على بعض بالشرك؟
فقال الرجل : إني لست إياك أسأل ، إنما أسأل الشيخ . فأعاد على عبد الله الحديث ، فقال عبد الله : لعلك ترى ، لا أبا لك ، أني سآمرك أن تذهب فتقتلهم! عظهم وانههم ، فإن عصوك فعليك نفسك فإن الله ، عز وجل يقول : ( يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم ) الآية .
وقال أيضا : حدثني أحمد بن المقدام ، حدثنا المعتمر بن سليمان ، سمعت أبي ، حدثنا قتادة ، عن أبي مازن قال : انطلقت على عهد عثمان إلى المدينة ، فإذا قوم من المسلمين جلوس ، فقرأ أحدهم هذه الآية : ( يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل ) فقال أكبرهم لم يجئ تأويل هذه الآية اليوم .
وقال : حدثنا القاسم ، حدثنا الحسين ، حدثنا ابن فضالة ، عن معاوية بن صالح عن جبير بن نفير قال : كنت في حلقة فيها أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وإني لأصغر القوم ، فتذاكروا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فقلت أنا : أليس الله يقول في كتابه : ( يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم ) ؟ فأقبلوا علي بلسان واحد وقالوا : تنزع آية من القرآن ولا تعرفها ، ولا تدري ما تأويلها!! حتى تمنيت أني لم أكن تكلمت ، وأقبلوا يتحدثون ، فلما حضر قيامهم قالوا : إنك غلام حدث السن ، وإنك نزعت بآية ولا تدري ما هي؟ وعسى أن تدرك ذلك الزمان ، إذا رأيت شحا مطاعا ، وهوى متبعا ، وإعجاب كل ذي رأي برأيه ، فعليك بنفسك ، لا يضرك من ضل إذا اهتديت .
وقال ابن جرير : حدثنا علي بن سهل ، حدثنا ضمرة بن ربيعة قال : تلا الحسن هذه الآية : ( يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم ) فقال الحسن : الحمد لله بها ، والحمد لله عليها ، ما كان مؤمن فيما مضى ، ولا مؤمن فيما بقي ، إلا وإلى جانبه منافق يكره عمله .
وقال سعيد بن المسيب : إذا أمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر ، فلا يضرك من ضل إذا اهتديت .
رواه ابن جرير ، وكذا روي من طريق سفيان الثوري ، عن أبي العميس ، عن أبي البختري ، عن حذيفة مثله ، وكذا قال غير واحد من السلف .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا هشام بن خالد الدمشقي ، حدثنا الوليد ، حدثنا ابن لهيعة ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن كعب في قوله : ( عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم ) قال : إذا هدمت كنيسة دمشق ، فجعلت مسجدا ، وظهر لبس العصب ، فحينئذ تأويل هذه الآية .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ ۖ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (105)

يقول تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ } أي: اجتهدوا في إصلاحها وكمالها وإلزامها سلوك الصراط المستقيم، فإنكم إذا صلحتم لا يضركم من ضل عن الصراط المستقيم، ولم يهتد إلى الدين القويم، وإنما يضر نفسه. ولا يدل هذا على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لا يضر العبدَ تركُهما وإهمالُهما، فإنه لا يتم هداه, إلا بالإتيان بما يجب عليه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. نعم، إذا كان عاجزا عن إنكار المنكر بيده ولسانه وأنكره بقلبه، فإنه لا يضره ضلال غيره. وقوله: { إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا } أي: مآلكم يوم القيامة، واجتماعكم بين يدي الله تعالى. { فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } من خير وشر.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ ۖ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (105)

قوله عز وجل : ( ياأيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم ) روينا عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال : يا أيها الناس إنكم تقرءون هذه الآية : ( ياأيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم ) وتضعونها في غير موضعها ولا تدرون ما هي ، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الناس إذا رأوا منكرا فلم يغيروه يوشك أن يعمهم الله تعالى بعقابه " .
وفي رواية " لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليستعملن الله سبحانه وتعالى عليكم شراركم فليسومنكم سوء العذاب ، ثم ليدعون الله عز وجل خياركم فلا يستجاب [ لكم ] " .
قال أبو عبيد : خاف الصديق أن يتأول الناس الآية على غير متأولها فيدعوهم إلى ترك الأمر بالمعروف [ والنهي عن المنكر ] فأعلمهم أنها ليست كذلك وأن الذي أذن في الإمساك عن تغييره من المنكر ، هو الشرك الذي ينطق به المعاهدون من أجل أنهم يتدينون به ، وقد صولحوا عليه ، فأما الفسوق والعصيان والريب من أهل الإسلام فلا يدخل فيه .
وقال مجاهد وسعيد بن جبير : الآية في اليهود والنصارى ، يعني : عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل من أهل الكتاب فخذوا منهم الجزية واتركوهم .
وعن ابن مسعود قال في هذه الآية : مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر ما قبل منكم فإن رد عليكم فعليكم أنفسكم ، ثم قال : إن القرآن قد نزل منه آي قد مضى تأويلهن قبل أن ينزلن ، ومنه آي قد وقع تأويلهن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومنه آي يقع تأويلهن بعد رسول الله بيسير ، ومنه آي يقع تأويلهن في آخر الزمان ، ومنه آي يقع تأويلهن يوم القيامة ، ما ذكر من الحساب والجنة والنار ، فما دامت قلوبكم وأهواؤكم واحدة ولم تلبسوا شيعا ولم يذق بعضكم بأس بعض ، فأمروا وانهوا ، وإذا اختلفت القلوب والأهواء وألبستم شيعا ، وذاق بعضكم بأس بعض ، فامرؤ ونفسه ، فعند ذلك جاء تأويل هذه الآية
أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا أبو جعفر أحمد بن محمد العنزي أخبرنا عيسى بن نصر أنا عبد الله بن المبارك أنا عتبة بن أبي حكيم حدثني عمرو بن جارية اللخمي أنا أبو أمية الشعباني قال : أتيت أبا ثعلبة الخشني فقلت : يا أبا ثعلبة كيف تصنع في هذه الآية؟ قال : أية آية؟ قلت : قول الله عز وجل ( عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم ) فقال : أما والله لقد سألت عنها خبيرا ، سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " بل ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر حتى إذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا ودنيا مؤثرة ، وإعجاب كل ذي رأي برأيه ، ورأيت أمرا لا بد لك منه فعليك نفسك ودع أمر العوام ، فإن من ورائكم أيام الصبر ، فمن صبر فيهن قبض على الجمر ، للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلا يعملون مثل عمله " قال ابن المبارك : وزادني غيره قالوا : يا رسول الله أجر خمسين منهم؟ قال : " أجر خمسين منكم " .
وقيل : نزلت في أهل الأهواء ، قال أبو جعفر الرازي : دخل على صفوان بن محرز شاب من أهل الأهواء فذكر شيئا من أمره ، فقال صفوان ألا أدلك على خاصة الله التي خص بها أولياءه ( ياأيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم )
قوله عز وجل : ( إلى الله مرجعكم جميعا ) الضال والمهتدي ، ( فينبئكم بما كنتم تعملون )
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features