وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ ۖ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَٰلِكَ ۚ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا (64)

قوله : وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك وما كان ربك نسيا
روى الترمذي عن ابن عباس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لجبريل : ما منعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا قال : فنزلت هذه الآية وما نتنزل إلا بأمر ربك إلى آخر الآية . قال هذا حديث حسن غريب ورواه البخاري : حدثنا خلاد بن يحيى حدثنا عمر بن ذر قال : سمعت أبي يحدث عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لجبريل : ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا فنزلت وما نتنزل إلا بأمر ربك الآية ؛ قال كان هذا الجواب لمحمد - صلى الله عليه وسلم - .
وقال مجاهد أبطأ الملك على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم أتاه فقال : ما الذي أبطأك قال : كيف نأتيكم وأنتم لا تقصون أظفاركم ولا تأخذون من شواربكم ، ولا تنقون رواجبكم ، ولا تستاكون ؛ قال مجاهد : فنزلت الآية في هذا وقال مجاهد أيضا وقتادة وعكرمة والضحاك ومقاتل والكلبي احتبس جبريل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حين سأله قومه عن قصة أصحاب الكهف وذي القرنين والروح ، ولم يدر ما يجيبهم ورجا أن يأتيه جبريل بجواب ما سألوه عنه ، قال عكرمة : فأبطأ عليه أربعين يوما ، وقال مجاهد : اثنتي عشرة ليلة ، وقيل : خمسة عشر يوما ، وقيل : ثلاثة عشر ، وقيل : ثلاثة أيام ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - أبطأت علي حتى ساء ظني واشتقت إليك فقال جبريل - عليه السلام - : إني كنت أشوق ولكني عبد مأمور إذا بعثت نزلت وإذا حبست احتبست فنزلت الآية وما نتنزل إلا بأمر ربك وأنزل والضحى والليل إذا سجى ما ودعك ربك وما قلى ذكره الثعلبي والواحدي والقشيري وغيرهم وقيل هو إخبار من أهل الجنة أنهم يقولون عند دخولها ، وما نتنزل هذه الجنان إلا بأمر ربك ، وعلى هذا تكون الآية متصلة بما قبل ، وعلى ما ذكرنا من الأقوال قبل : تكون غير متصلة بما قبلها والقرآن سور ثم السور تشتمل على جمل ، وقد تنفصل جملة عن جملة وما نتنزل أي قال الله تعالى قل يا جبريل : وما نتنزل إلا بأمر ربك وهذا يحتمل وجهين : أحدهما : إنا إذا أمرنا نزلنا عليك . الثاني : إذا أمرك ربك نزلنا عليك فيكون الأمر على الأول متوجها إلى النزول ، وعلى الوجه الثاني متوجها إلى التنزيل .
وقوله تعالى : له أي لله ما بين أيدينا أي علم ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك قال ابن عباس وابن جريج : ما مضى أمامنا من أمر الدنيا ، وما يكون بعدنا من أمرها وأمر الآخرة وما بين ذلك من البرزخ . وقال قتادة ومقاتل : له ما بين أيدينا من أمر الآخرة وما خلفنا ما مضى من الدنيا وما بين ذلك ما بين النفختين وبينهما أربعون سنة . الأخفش : ما بين أيدينا ما كان قبل أن نخلق وما خلفنا ما يكون بعد أن نموت وما بين ذلك ما يكون منذ خلقنا إلى أن نموت . وقيل : ما بين أيدينا من الثواب والعقاب وأمور الآخرة وما خلفنا ما مضى من أعمالنا في الدنيا وما بين ذلك أي ما يكون من هذا الوقت إلى يوم القيامة ويحتمل خامسا ما بين أيدينا السماء وما خلفنا الأرض وما بين ذلك أي ما بين السماء والأرض وقال ابن عباس في رواية له ما بين أيدينا يريد الدنيا إلى الأرض وما خلفنا يريد السماوات - وهذا على عكس ما قبله - وما بين ذلك يريد الهواء ، ذكر الأول الماوردي والثاني القشيري الزمخشري : وقيل ما مضى من أعمارنا وما غبر منها والحال التي نحن فيها ولم يقل ما بين ذينك لأن المراد ما بين ما ذكرنا كما قال لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك أي بين ما ذكرنا وما كان ربك نسيا أي ناسيا إذا شاء أن يرسل إليك أرسل ، وقيل : المعنى لم ينسك وإن تأخر عنك الوحي وقيل المعنى أنه عالم بجميع الأشياء متقدمها ومتأخرها ولا ينسى شيئا منها .
وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ ۖ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَٰلِكَ ۚ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا (64)

قال الإمام أحمد : حدثنا يعلى ووكيع قالا : حدثنا عمر بن ذر ، عن أبيه ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل : " ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا ؟ " قال : فنزلت ( وما نتنزل إلا بأمر ربك ) إلى آخر الآية .
انفرد بإخراجه البخاري ، فرواه عند تفسير هذه الآية عن أبي نعيم ، عن عمر بن ذر به . ورواه ابن أبي حاتم وابن جرير ، من حديث عمر بن ذر به وعندهما زيادة في آخر الحديث ، فكان ذلك الجواب لمحمد صلى الله عليه وسلم .
وقال العوفي عن ابن عباس : احتبس جبريل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فوجد رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك وحزن ، فأتاه جبريل وقال : يا محمد ، ( وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك وما كان ربك نسيا )
وقال مجاهد : لبث جبريل عن محمد صلى الله عليه وسلم اثنتي عشرة ليلة ، ويقولون قلي فلما جاءه قال : يا جبريل لقد رثت علي حتى ظن المشركون كل ظن . فنزلت : ( وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك وما كان ربك نسيا ) قال : وهذه الآية كالتي في الضحى .
وكذلك قال الضحاك بن مزاحم ، وقتادة ، والسدي ، وغير واحد : إنها نزلت في احتباس جبريل .
وقال الحكم بن أبان ، عن عكرمة قال : أبطأ جبريل النزول على رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين يوما ، ثم نزل ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " ما نزلت حتى اشتقت إليك " فقال له جبريل : بل أنا كنت إليك أشوق ، ولكني مأمور ، فأوحي إلى جبريل أن قل له : ( وما نتنزل إلا بأمر ربك ) الآية . رواه ابن أبي حاتم ، رحمه الله ، وهو غريب .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن سنان ، حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الأعمش ، عن مجاهد قال : أبطأت الرسل على النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم أتاه جبريل فقال له : ما حبسك يا جبريل ؟ فقال له جبريل : وكيف نأتيكم وأنتم لا تقصون أظفاركم ، ولا تنقون براجمكم ، ولا تأخذون شواربكم ، ولا تستاكون ؟ ثم قرأ : ( وما نتنزل إلا بأمر ربك ) إلى آخر الآية .
وقد قال الطبراني : حدثنا أبو عامر النحوي ، حدثنا محمد بن إبراهيم الصوري ، حدثنا سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي حدثنا إسماعيل بن عياش ، أخبرني ثعلبة بن مسلم ، عن أبي كعب مولى ابن عباس ، عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم : أن جبريل أبطأ عليه ، فذكر ذلك له فقال : وكيف وأنتم لا تستنون ، ولا تقلمون أظفاركم ، ولا تقصون شواربكم ، ولا تنقون رواجبكم .
وهكذا رواه الإمام أحمد ، عن أبي اليمان ، عن إسماعيل بن عياش ، به نحوه .
وقال الإمام أحمد : حدثنا سيار ، حدثنا جعفر بن سليمان ، حدثنا المغيرة بن حبيب - ختن مالك بن دينار - حدثني شيخ من أهل المدينة ، عن أم سلمة قالت : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أصلحي لنا المجلس ، فإنه ينزل ملك إلى الأرض ، لم ينزل إليها قط "
وقوله : ( له ما بين أيدينا وما خلفنا ) قيل : المراد ما بين أيدينا : أمر الدنيا ، وما خلفنا : أمر الآخرة ، ( وما بين ذلك ) ما بين النفختين . هذا قول أبي العالية ، وعكرمة ، ومجاهد ، وسعيد بن جبير . وقتادة ، في رواية عنهما ، والسدي ، والربيع بن أنس .
وقيل : ( ما بين أيدينا ) ما نستقبل من أمر الآخرة ، ( وما خلفنا ) أي : ما مضى من الدنيا ، ( وما بين ذلك ) أي : ما بين الدنيا والآخرة . يروى نحوه عن ابن عباس ، وسعيد بن جبير ، والضحاك ، وقتادة ، وابن جريج ، والثوري . واختاره ابن جرير أيضا ، والله أعلم .
وقوله : ( وما كان ربك نسيا ) قال مجاهد والسدي معناه : ما نسيك ربك .
وقد تقدم عنه أن هذه الآية كقوله : ( والضحى والليل إذا سجى ما ودعك ربك وما قلى ) [ الضحى : 1 - 3 ]
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا يزيد بن محمد بن عبد الصمد الدمشقي ، حدثنا محمد بن عثمان - يعني أبا الجماهر - حدثنا إسماعيل بن عياش ، حدثنا عاصم بن رجاء بن حيوة ، عن أبيه ، عن أبي الدرداء يرفعه قال : " ما أحل الله في كتابه فهو حلال وما حرم فهو حرام وما سكت عنه فهو عافية ، فاقبلوا من الله عافيته ، فإن الله لم يكن لينسى شيئا " ثم تلا هذه الآية : ( وما كان ربك نسيا )
وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ ۖ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَٰلِكَ ۚ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا (64)

استبطأ النبي صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام مرة في نزوله إليه فقال له: " لو تأتينا أكثر مما تأتينا " -تشوقا إليه، وتوحشا لفراقه، وليطمئن قلبه بنزوله- فأنزل الله تعالى على لسان جبريل: { وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ } أي: ليس لنا من الأمر شيء، إن أمرنا، ابتدرنا أمره، ولم نعص له أمرا، كما قال عنهم: { لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } فنحن عبيد مأمورون، { لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ } أي: له الأمور الماضية والمستقبلة والحاضرة، في الزمان والمكان، فإذا تبين أن الأمر كله لله، وأننا عبيد مدبرون، فيبقى الأمر دائرا بين: " هل تقتضيه الحكمة الإلهية فينفذه؟ أم لا تقتضيه فيؤخره " ؟ ولهذا قال: { وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا } أي: لم يكن لينساك ويهملك، كما قال تعالى: { مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى } بل لم يزل معتنيا بأمورك، مجريا لك على أحسن عوائده الجميلة، وتدابيره الجميلة.
أي: فإذا تأخر نزولنا عن الوقت المعتاد، فلا يحزنك ذلك ولا يهمك، واعلم أن الله هو الذي أراد ذلك، لما له من الحكمة فيه.
وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ ۖ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَٰلِكَ ۚ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا (64)

قوله عز وجل : ( وما نتنزل إلا بأمر ربك ) أخبرنا عبد الواحد المليحي أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي أخبرنا محمد بن يوسف أخبرنا محمد بن إسماعيل أخبرنا خلاد بن يحيى أخبرنا عمر بن ذر قال : سمعت أبي يحدث عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يا جبريل ما يمنعك أن تزورنا " فنزلت : ( وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا ) الآية . قال : كان هذا الجواب لمحمد صلى الله عليه وسلم " .
وقال عكرمة والضحاك وقتادة ومقاتل والكلبي : احتبس جبريل عن النبي صلى الله عليه وسلم حين سأله قومه عن أصحاب الكهف وذي القرنين والروح فقال : أخبركم غدا ولم يقل : إن شاء الله حتى شق ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم ثم نزل بعد أيام فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أبطأت علي حتى ساء ظني واشتقت إليك " فقال له جبريل : إني كنت أشوق ولكني عبد مأمور إذا بعثت نزلت وإذا حبست احتبست فأنزل الله : ( وما نتنزل إلا بأمر ربك ) وأنزل : " والضحى والليل إذا سجى ما ودعك ربك وما قلى " .
( ( له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك ) أي : له علم ما بين أيدينا . واختلفوا فيه : فقال سعيد بن جبير وقتادة ومقاتل : ( ما بين أيدينا ) من أمر الآخرة والثواب والعقاب ( وما خلفنا ) ما مضى من الدنيا ( وما بين ذلك ) ما يكون من هذا الوقت إلى قيام الساعة .
وقيل ( ما بين أيدينا ) ما بقي من الدنيا ( وما خلفنا ) ما مضى منها ( وما بين ذلك ) أي : ما بين النفختين وبينهما أربعون سنة .
وقيل : ( ما بين أيدينا ) ما بقي من الدنيا ( وما خلفنا ) ما مضى منها ( وما بين ذلك ) مدة حياتنا .
وقيل : ( ما بين أيدينا ) بعد أن نموت ( وما خلفنا ) قبل أن نخلق ( وما بين ذلك ) مدة الحياة .
وقيل : ( ما بين أيدينا ) الأرض إذا أردنا النزول إليها ( وما خلفنا ) السماء إذا نزلنا منها ( وما بين ذلك ) الهواء يريد : أن ذلك كله لله عز وجل فلا نقدر على شيء إلا بأمره . ( وما كان ربك نسيا ) أي : ناسيا يقول : ما نسيك ربك أي : ما تركك ، والناسي التارك .
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features