وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ ۗ وَمَن يَعْتَصِم بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (101)

قوله تعالى : وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم
قاله تعالى على جهة التعجب ، أي وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله يعني القرآن .
وفيكم رسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - . قال ابن عباس : كان بين الأوس والخزرج قتال وشر في الجاهلية ، فذكروا ما كان بينهم فثار بعضهم على بعض بالسيوف ; فأتي النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكر ذلك له فذهب إليهم ; فنزلت هذه الآية وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله - إلى قوله تعالى : فأنقذكم منها ويدخل في هذه الآية من لم ير النبي - صلى الله عليه وسلم - لأن ما فيهم من سنته يقوم مقام رؤيته . قال الزجاج : يجوز أن يكون هذا الخطاب لأصحاب محمد خاصة ; لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان فيهم وهم يشاهدونه . ويجوز أن يكون هذا الخطاب لجميع الأمة ; لأن آثاره وعلاماته والقرآن الذي أوتي فينا مكان النبي - صلى الله عليه وسلم - فينا وإن لم نشاهده . وقال قتادة : في هذه الآية علمان بينان : كتاب الله ونبي الله ; فأما نبي الله فقد مضى ، وأما كتاب الله فقد أبقاه بين أظهرهم رحمة منه ونعمة ; فيه حلاله وحرامه ، وطاعته ومعصيته . وكيف في موضع نصب ، وفتحت الفاء عند الخليل وسيبويه لالتقاء الساكنين ، واختير لها الفتح لأن ما قبل الفاء ياء فثقل أن يجمعوا بين ياء وكسرة .
قوله تعالى : ومن يعتصم بالله أي يمتنع ويتمسك بدينه وطاعته . فقد هدي وفق وأرشد إلى صراط مستقيم ابن جريج يعتصم بالله يؤمن به . وقيل : المعنى ومن يعتصم بالله أي يتمسك بحبل الله ، وهو القرآن . يقال : أعصم به واعتصم ، وتمسك واستمسك إذا امتنع به من غيره . واعتصمت فلانا هيأت له ما يعتصم به . وكل متمسك بشيء معصم ومعتصم . وكل مانع شيئا فهو عاصم ; قال الفرزدق :
أنا ابن العاصمين بني تميم إذا ما أعظم الحدثان نابا
قال النابغة :
يظل من خوفه الملاح معتصما بالخيزرانة بعد الأين والنجد
وقال آخر :
فأشرط فيها نفسه وهو معصم وألقى بأسباب له وتوكلا
وعصمه الطعام : منع الجوع منه ; تقول العرب : عصم فلانا الطعام أي منعه من الجوع ; فكنوا السويق بأبي عاصم لذلك . قال أحمد بن يحيى : العرب تسمي الخبز عاصما وجابرا ; وأنشد :
فلا تلوميني ولومي جابرا فجابر كلفني الهواجرا
ويسمونه عامرا . وأنشد :
أبو مالك يعتادني بالظهائر يجيء فيلقي رحله عند عامر
أبو مالك كنية الجوع .
وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ ۗ وَمَن يَعْتَصِم بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (101)

( وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله ) يعني : أن الكفر بعيد منكم وحاشاكم منه ، فإن آيات الله تنزل على رسوله ليلا ونهارا ، وهو يتلوها عليكم ويبلغها إليكم ، وهذا كقوله تعالى : ( وما لكم لا تؤمنون بالله والرسول يدعوكم لتؤمنوا بربكم وقد أخذ ميثاقكم إن كنتم مؤمنين ) [ الحديد : 8 ] والآية بعدها . وكما جاء في الحديث : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوما لأصحابه : " أي المؤمنين أعجب إليكم إيمانا ؟ " قالوا : الملائكة . قال : " وكيف لا يؤمنون وهم عند ربهم ؟! " وذكروا الأنبياء قال : " وكيف لا يؤمنون والوحي ينزل عليهم ؟ " قالوا : فنحن . قال : " وكيف لا تؤمنون وأنا بين أظهركم ؟! " قالوا : فأي الناس أعجب إيمانا ؟ قال : " قوم يجيئون من بعدكم يجدون صحفا يؤمنون بما فيها " . وقد ذكرت سند هذا الحديث والكلام عليه في أول شرح البخاري ، ولله الحمد .
ثم قال تعالى : ( ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم ) أي : ومع هذا فالاعتصام بالله والتوكل عليه هو العمدة في الهداية ، والعدة في مباعدة الغواية ، والوسيلة إلى الرشاد وطريق السداد وحصول المراد .
وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ ۗ وَمَن يَعْتَصِم بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (101)

( وكيف تكفرون ) يعني : ولم تكفرون؟ ( وأنتم تتلى عليكم آيات الله ) القرآن ، ( وفيكم رسوله ) محمد صلى الله عليه وسلم .
قال قتادة في هذه الآية علمان بينان : كتاب الله ونبي الله أما نبي الله فقد مضى وأما كتاب الله فأبقاه بين أظهركم رحمة من الله ونعمة .
أخبرنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن العباس الحميدي ، أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ ، أنا أبو الفضل الحسن بن يعقوب بن يوسف العدل ، أخبرنا أبو أحمد محمد بن عبد الوهاب العبدي أنا أبو جعفر بن عوف أخبرنا أبو حيان يحيى بن سعيد بن حبان [ عن يزيد بن حيان ] قال : سمعت زيد بن أرقم قال : " قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم خطيبا ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أما بعد أيها الناس إنما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيبه ، وإني تارك فيكم الثقلين أولهما : كتاب الله فيه الهدى والنور ، فتمسكوا بكتاب الله وخذوا به ، فحث عليه ورغب فيه ثم قال : وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي .
قوله تعالى ( ومن يعتصم بالله ) أي : يمتنع بالله ويستمسك بدينه وطاعته ، ( فقد هدي إلى صراط مستقيم ) طريق واضح ، وقال ابن جريج ومن يعتصم بالله أي : يؤمن بالله ، وأصل العصمة : المنع ، فكل مانع شيئا فهو عاصم له .
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features