يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ ۖ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ (39)

قوله تعالى : يمحو الله ما يشاء ويثبت أي يمحو من ذلك الكتاب ما يشاء أن يوقعه بأهله ويأتي به . ويثبت ما يشاء ; أي يؤخره إلى وقته ; يقال : محوت الكتاب محوا ، أي أذهبت أثره . ويثبت أي ويثبته ; كقوله : " والذاكرين الله كثيرا والذاكرات " أي والذاكرات الله . وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم ويثبت بالتخفيف ، وشدد الباقون ; وفي قراءة ابن عباس ، واختيار أبي حاتم وأبي عبيد لكثرة من قرأ بها ; لقوله : يثبت الله الذين آمنوا . وقال ابن عمر : سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : يمحو الله ما يشاء ويثبت إلا السعادة والشقاوة والموت . وقال ابن عباس : يمحو الله ما يشاء ويثبت إلا أشياء ; الخلق والخلق والأجل والرزق والسعادة والشقاوة ; وعنه : هما كتابان سوى أم الكتاب ، يمحو الله منهما ما يشاء ويثبت . وعنده أم الكتاب الذي لا يتغير منه شيء . قال القشيري : وقيل السعادة والشقاوة والخلق والخلق والرزق لا تتغير ; فالآية فيما عدا هذه الأشياء ; وفي هذا القول نوع تحكم . قلت : مثل هذا لا يدرك بالرأي والاجتهاد ، وإنما يؤخذ : توقيفا ، فإن صح فالقول به يجب ويوقف عنده ، وإلا فتكون الآية عامة في جميع الأشياء ، وهو الأظهر والله أعلم ; وهذا يروى معناه عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وابن مسعود وأبي وائل وكعب الأحبار وغيرهم ، وهو قول الكلبي . وعن أبي عثمان النهدي أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كان يطوف بالبيت وهو يبكي ويقول : اللهم إن كنت كتبتني في أهل السعادة فأثبتني فيها ، وإن كنت كتبتني في أهل الشقاوة والذنب فامحني وأثبتني في أهل السعادة والمغفرة ; فإنك تمحو ما تشاء وتثبت ، وعندك أم الكتاب . وقال ابن مسعود : اللهم إن كنت كتبتني في السعداء فأثبتني فيهم ، وإن كنت كتبتني في الأشقياء فامحني من الأشقياء واكتبني في السعداء ; فإنك تمحو ما تشاء وتثبت ; وعندك أم الكتاب . وكان أبو وائل يكثر أن يدعو : اللهم إن كنت كتبتنا أشقياء فامح واكتبنا سعداء ، وإن كنت كتبتنا سعداء فأثبتنا ، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أم الكتاب . وقال كعب لعمر بن الخطاب : لولا آية في كتاب الله لأنبأتك بما هو كائن إلى يوم القيامة . يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب . وقال مالك بن دينار في المرأة التي دعا لها : اللهم إن كان في بطنها جارية فأبدلها غلاما فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أم الكتاب . وقد تقدم في الصحيحين عن أبي هريرة قال : سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : من سره أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه . ومثله عن أنس بن مالك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : من أحب فذكره بلفظه سواء ; وفيه تأويلان : أحدهما : معنوي ، وهو ما يبقى بعده من الثناء الجميل والذكر الحسن ، والأجر المتكرر ، فكأنه لم يمت . والآخر : يؤخر أجله المكتوب في اللوح المحفوظ ; والذي في علم الله ثابت لا تبدل له ، كما قال : يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب . وقيل لابن عباس لما روى الحديث الصحيح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : من أحب أن يمد الله في عمره وأجله ويبسط له في رزقه فليتق الله وليصل رحمه كيف يزاد في العمر والأجل ؟ ! فقال : قال الله - عز وجل - : هو الذي خلقكم من طين ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده . فالأجل الأول أجل العبد من حين ولادته إلى حين موته ، والأجل الثاني : يعني المسمى عنده - من حين وفاته إلى يوم يلقاه في البرزخ لا يعلمه إلا الله ; فإذا اتقى العبد ربه ووصل رحمه زاده الله في أجل عمره الأول من أجل البرزخ ما شاء ، وإذا عصى وقطع رحمه نقصه الله من أجل عمره في الدنيا ما شاء ، فيزيده في أجل البرزخ ، فإذا تحتم الأجل في علمه السابق امتنع الزيادة والنقصان ; لقوله تعالى : فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون فتوافق الخبر والآية ; وهذه زيادة في نفس العمر وذات الأجل على ظاهر اللفظ ، في اختيار حبر الأمة ، والله أعلم . وقال مجاهد : يحكم الله أمر السنة في رمضان فيمحو ما يشاء ويثبت ما يشاء ، إلا الحياة والموت ، والشقاء والسعادة ; وقد مضى القول فيه . وقال الضحاك : يمحو الله ما يشاء من ديوان الحفظة ما ليس فيه ثواب ولا عقاب ، ويثبت ما فيه ثواب وعقاب ; وروى معناه أبو صالح عن ابن عباس . وقال الكلبي : يمحو من الرزق ويزيد فيه ، ويمحو من الأجل ويزيد فيه ، ورواه عن النبي صلى الله عليه وسلم . ثم سئل الكلبي عن هذه الآية فقال : يكتب القول كله ، حتى إذا كان يوم الخميس طرح منه كل شيء ليس فيه ثواب ولا عقاب ، مثل قولك : أكلت وشربت ودخلت وخرجت ونحوه ، وهو صادق ، ويثبت ما فيه الثواب والعقاب . وقال قتادة وابن زيد وسعيد بن جبير : يمحو الله ما يشاء من الفرائض والنوافل فينسخه ويبدله ، ويثبت ما يشاء فلا ينسخه ، وجملة الناسخ والمنسوخ عنده في أم الكتاب ; ونحوه ذكره النحاس والمهدوي عن ابن عباس ; قال النحاس : وحدثنا بكر بن سهل ، قال حدثنا أبو صالح ، عن معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ، يمحو الله ما يشاء يقول : يبدل الله من القرآن ما يشاء فينسخه ، ويثبت ما يشاء فلا يبدله ، وعنده أم الكتاب يقول : جملة ذلك عنده في أم الكتاب ، الناسخ والمنسوخ . وقال سعيد بن جبير أيضا : يغفر ما يشاء - يعني - من ذنوب عباده ، ويترك ما يشاء فلا يغفره . وقال عكرمة : يمحو ما يشاء - يعني بالتوبة - جميع الذنوب ويثبت بدل الذنوب حسنات قال تعالى : إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا الآية . وقال الحسن : يمحو الله ما يشاء من جاء أجله ، ويثبت من لم يأت أجله . وقال الحسن : يمحو الآباء ، ويثبت الأبناء . وعنه أيضا . ينسي الحفظة من الذنوب ولا ينسي . وقال السدي : يمحو الله ما يشاء يعني القمر ، ويثبت يعني الشمس ; بيانه قوله : فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة وقال الربيع بن أنس : هذا في الأرواح حالة النوم ; يقبضها عند النوم ، ثم إذا أراد موته فجأة أمسكه ، ومن أراد بقاءه أثبته ورده إلى صاحبه ; بيانه قوله : الله يتوفى الأنفس حين موتها الآية . وقال علي بن أبي طالب يمحو الله ما يشاء من القرون ، كقوله : ألم يروا كم أهلكنا قبلهم من القرون ويثبت ما يشاء منها ، كقوله : ثم أنشأنا من بعدهم قرنا آخرين فيمحو قرنا ، ويثبت قرنا . وقيل : هو الرجل يعمل الزمن الطويل بطاعة الله ، ثم يعمل بمعصية الله فيموت على ضلاله ; فهو الذي يمحو ، والذي يثبت : الرجل يعمل بمعصية الله الزمان الطويل ثم يتوب ، فيمحوه الله من ديوان السيئات ، ويثبته في ديوان الحسنات ; ذكره الثعلبي والماوردي عن ابن عباس . وقيل : يمحو الله ما يشاء - يعني الدنيا - ويثبت الآخرة . وقال قيس بن عباد في اليوم العاشر من رجب : هو اليوم الذي يمحو الله فيه ما يشاء ، ويثبت فيه ما يشاء ، وقد تقدم عن مجاهد أن ذلك يكون في رمضان . وقال ابن عباس : إن لله لوحا محفوظا مسيرة خمسمائة عام ، من درة بيضاء ، لها دفتان من ياقوتة حمراء ، لله فيه كل يوم ثلاثمائة وستون نظرة ، يثبت ما يشاء ويمحو ما يشاء . وروى أبو الدرداء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إن الله سبحانه يفتح الذكر في ثلاث ساعات يبقين من الليل فينظر في الكتاب الذي لا ينظر فيه أحد غيره فيثبت ما يشاء ويمحو ما يشاء . والعقيدة أنه لا تبديل لقضاء الله ; وهذا المحو والإثبات مما سبق به القضاء ، وقد تقدم أن من القضاء ما يكون واقعا محتوما ، وهو الثابت ; ومنه ما يكون مصروفا بأسباب ، وهو الممحو ، والله أعلم . وقال الغزنوي : وعندي أن ما في اللوح خرج عن الغيب لإحاطة بعض الملائكة ; فيحتمل التبديل ; لأن إحاطة الخلق بجميع علم الله محال ; وما في علمه من تقدير الأشياء لا يبدل . وعنده أم الكتاب أي أصل ما كتب من الآجال وغيرها . وقيل : أم الكتاب اللوح المحفوظ الذي لا يبدل ولا يغير . وقد قيل : إنه يجري فيه التبديل . وقيل : إنما يجري في الجرائد الأخر . وسئل ابن عباس عن أم الكتاب فقال : علم الله ما هو خالق ، وما خلقه عاملون ; فقال لعلمه : كن كتابا ، ولا تبديل في علم الله ، وعنه أنه الذكر ; دليله قوله تعالى : ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر وهذا يرجع معناه إلى الأول ; وهو معنى قول كعب . قال كعب الأحبار : أم الكتاب علم الله تعالى بما خلق وبما هو خالق .
يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ ۖ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ (39)

وقوله : ( يمحو الله ما يشاء ويثبت ) اختلف المفسرون في ذلك ، فقال الثوري ، ووكيع ، وهشيم ، عن ابن أبي ليلى ، عن المنهال بن عمرو ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : يدبر أمر السنة ، فيمحو ما يشاء ، إلا الشقاء والسعادة ، والحياة والموت . وفي رواية : ( يمحو الله ما يشاء ويثبت ) قال : كل شيء إلا الحياة والموت ، والشقاء والسعادة فإنهما قد فرغ منهما .
وقال مجاهد : ( يمحوا الله ما يشاء ويثبت ) إلا الحياة والموت ، والشقاء والسعادة ، فإنهما لا يتغيران .
وقال منصور : سألت مجاهدا فقلت : أرأيت دعاء أحدنا يقول : اللهم ، إن كان اسمي في السعداء فأثبته فيهم ، وإن كان في الأشقياء فامحه عنهم واجعله في السعداء . فقال : حسن . ثم لقيته بعد ذلك بحول أو أكثر ، فسألته عن ذلك ، فقال : ( إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين فيها يفرق كل أمر حكيم ) [ الدخان : 3 ، 4 ] قال : يقضي في ليلة القدر ما يكون في السنة من رزق أو مصيبة ، ثم يقدم ما يشاء ويؤخر ما يشاء ، فأما كتاب الشقاوة والسعادة فهو ثابت لا يغير .
وقال الأعمش ، عن أبي وائل شقيق بن سلمة : إنه كان يكثر أن يدعو بهذا الدعاء : اللهم ، إن كنت كتبتنا أشقياء فامحه ، واكتبنا سعداء ، وإن كنت كتبتنا سعداء فأثبتنا ، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أم الكتاب . رواه ابن جرير .
وقال ابن جرير أيضا : حدثنا عمرو بن علي ، حدثنا معاذ بن هشام ، حدثني أبي ، عن أبي حكيمة عصمة ، عن أبي عثمان النهدي; أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال وهو يطوف بالبيت وهو يبكي : اللهم ، إن كنت كتبت علي شقوة أو ذنبا فامحه ، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت ، وعندك أم الكتاب ، فاجعله سعادة ومغفرة .
وقال حماد عن خالد الحذاء ، عن أبي قلابة عن ابن مسعود أنه كان يدعو بهذا الدعاء أيضا .
ورواه شريك ، عن هلال بن حميد ، عن عبد الله بن عكيم ، عن ابن مسعود ، بمثله .
وقال ابن جرير : حدثني المثنى ، حدثنا حجاج ، حدثنا خصاف ، عن أبي حمزة ، عن إبراهيم; أن كعبا قال لعمر بن الخطاب : يا أمير المؤمنين ، لولا آية في كتاب الله لأنبأتك بما هو كائن إلى يوم القيامة . قال : وما هي ؟ قال : قول الله تعالى : ( يمحوا الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب ) .
ومعنى هذه الأقوال : أن الأقدار ينسخ الله ما يشاء منها ، ويثبت منها ما يشاء ، وقد يستأنس لهذا القول بما رواه الإمام أحمد :
حدثنا وكيع ، حدثنا سفيان ، وهو الثوري ، عن عبد الله بن عيسى ، عن عبد الله بن أبي الجعد ، عن ثوبان قال : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : " إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه ، ولا يرد القدر إلا الدعاء ، ولا يزيد في العمر إلا البر " .
ورواه النسائي وابن ماجه ، من حديث سفيان الثوري ، به .
وثبت في الصحيح أن صلة الرحم تزيد في العمر وفي الحديث الآخر : " إن الدعاء والقضاء ليعتلجان بين السماء والأرض " .
وقال ابن جرير : حدثني محمد بن سهل بن عسكر ، حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا ابن جريج ، عن عطاء ، عن ابن عباس قال : إن لله لوحا محفوظا مسيرة خمسمائة عام ، من درة بيضاء لها دفتان من ياقوت - والدفتان لوحان - لله ، عز وجل [ كل يوم ثلاثمائة ] وستون لحظة ، يمحو ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب .
وقال الليث بن سعد ، عن زياد بن محمد ، عن محمد بن كعب القرظي ، عن فضالة بن عبيد ، عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : " [ إن الله ] يفتح الذكر في ثلاث ساعات يبقين من الليل ، في الساعة الأولى منها ينظر في الذكر الذي لا ينظر فيه أحد غيره ، فيمحو ما يشاء ويثبت " . وذكر تمام الحديث . رواه ابن جرير .
وقال الكلبي : ( يمحوا الله ما يشاء ويثبت ) قال : يمحو من الرزق ويزيد فيه ، ويمحو من الأجل ويزيد فيه . فقيل له : من حدثك بهذا ؟ فقال : أبو صالح ، عن جابر بن عبد الله بن رئاب ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم سئل بعد ذلك عن هذه الآية فقال : يكتب القول كله ، حتى إذا كان يوم الخميس ، طرح منه كل شيء ليس فيه ثواب ولا عقاب ، مثل قولك : أكلت وشربت ، دخلت وخرجت ونحوه من الكلام ، وهو صادق ، ويثبت ما كان فيه الثواب ، وعليه العقاب .
وقال عكرمة ، عن ابن عباس : الكتاب كتابان : فكتاب يمحو الله منه ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب .
وقال العوفي ، عن ابن عباس في قوله : ( يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب ) يقول : هو الرجل يعمل الزمان بطاعة الله ، ثم يعود لمعصية الله فيموت على ضلالة ، فهو الذي يمحو ، والذي يثبت : الرجل يعمل بمعصية الله ، وقد كان سبق له خير حتى يموت وهو في طاعة الله ، وهو الذي يثبت .
وروي عن سعيد بن جبير : أنها بمعنى : ( فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شيء قدير ) [ البقرة : 284 ] .
وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : ( يمحو الله ما يشاء ويثبت ) يقول : يبدل ما يشاء فينسخه ، ويثبت ما يشاء فلا يبدله ، ( وعنده أم الكتاب ) يقول : وجملة ذلك عنده في أم الكتاب ، الناسخ والمنسوخ ، وما يبدل ، وما يثبت كل ذلك في كتاب .
وقال قتادة في قوله : ( يمحو الله ما يشاء ويثبت ) كقوله ( ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ) [ البقرة : 106 ]
وقال ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : ( يمحو الله ما يشاء ويثبت ) قال : قالت كفار قريش حين أنزلت : ( وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله ) ما نراك يا محمد تملك من شيء ، ولقد فرغ من الأمر . فأنزلت هذه الآية تخويفا ، ووعيدا لهم : إنا إن شئنا أحدثنا له من أمرنا ما شئنا ، ونحدث في كل رمضان ، فنمحو ونثبت ما نشاء من أرزاق الناس ومصائبهم ، وما نعطيهم ، وما نقسم لهم .
وقال الحسن البصري : ( يمحو الله ما يشاء ) قال : من جاء أجله ، فذهب ، ويثبت الذي هو حي يجري إلى أجله .
وقد اختار هذا القول أبو جعفر بن جرير ، رحمه الله .
وقوله : ( وعنده أم الكتاب ) قال : الحلال والحرام .
وقال قتادة : أي جملة الكتاب وأصله .
وقال الضحاك : ( وعنده أم الكتاب ) قال : كتاب عند رب العالمين .
وقال سنيد بن داود ، حدثني معتمر ، عن أبيه ، عن سيار ، عن ابن عباس; أنه سأل كعبا عن " أم الكتاب " ، فقال : علم الله ، ما هو خالق ، وما خلقه عاملون ، ثم قال لعلمه : " كن كتابا " . فكانا كتابا .
وقال ابن جرير ، عن ابن عباس : ( وعنده أم الكتاب ) قال : الذكر ، [ والله أعلم ] .
يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ ۖ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ (39)

( يمحو الله ما يشاء ويثبت ) قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وعاصم ، ويعقوب " ويثبت " بالتخفيف وقرأ الآخرون بالتشديد . واختلفوا في معنى الآية :
فقال سعيد بن جبير ، وقتادة : يمحو الله ما يشاء من الشرائع ، والفرائض فينسخه ويبدله ، ويثبت ما يشاء منها فلا ينسخه .
وقال ابن عباس : يمحو الله ما يشاء ويثبت إلا الرزق والأجل والسعادة والشقاوة .
وروينا عن حذيفة بن أسيد ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : " يدخل الملك على النطفة بعدما تستقر في الرحم بأربعين ، أو خمس وأربعين ليلة ، فيقول : يا رب أشقي أم سعيد ؟ فيكتبان ، فيقول : أي رب ، أذكر أم أنثى ؟ فيكتبان ، ويكتب عمله وأثره ، وأجله ، ورزقه ، ثم تطوى الصحف فلا يزاد فيها ، ولا ينقص " .
وعن عمر ، وابن مسعود - رضي الله عنهما - أنهما قالا يمحو السعادة ، والشقاوة أيضا ، ويمحو الرزق والأجل ويثبت ما يشاء .
وروي عن عمر رضي الله عنه أنه كان يطوف بالبيت وهو يبكي ويقول : اللهم إن كنت كتبتني في أهل السعادة فأثبتني فيها ، وإن كنت كتبت علي الشقاوة فامحني ، وأثبتني في أهل السعادة والمغفرة ، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أم الكتاب . ومثله عن ابن مسعود .
وفي بعض الآثار : أن الرجل يكون قد بقي من عمره ثلاثون سنة فيقطع رحمه فترد إلى ثلاثة أيام ، والرجل يكون قد بقي من عمره ثلاثة أيام فيصل رحمه فيمد إلى ثلاثين سنة .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أبو منصور السمعاني ، حدثنا أبو جعفر الرياني ، حدثنا حميد بن زنجويه ، حدثنا عبد الله بن صالح ، حدثني الليث بن سعد ، حدثني زيادة بن محمد الأنصاري ، عن محمد بن كعب القرظي ، عن فضالة بن عبيد ، عن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ينزل الله عز وجل في آخر ثلاث ساعات يبقين من الليل ، فينظر في الساعة الأولى منهن في أم الكتاب الذي لا ينظر فيه أحد غيره فيمحو ما يشاء ويثبت " .
وقيل : معنى الآية : إن الحفظة يكتبون جميع أعمال بني آدم وأقوالهم ، فيمحو الله من ديوان الحفظة ما ليس فيه ثواب ولا عقاب ، مثل قوله : أكلت ، شربت ، دخلت ، خرجت ، ونحوها من كلام هو صادق فيه ، ويثبت ما فيه ثواب وعقاب ، هذا قول الضحاك والكلبي .
وقال الكلبي : يكتب القول كله ، حتى إذا كان يوم الخميس طرح منه كل شيء ليس فيه ثواب ولا عقاب .
وقال عطية ، عن ابن عباس : هو الرجل يعمل بطاعة الله عز وجل ثم يعود لمعصية الله فيموت على ضلالة فهو الذي يمحو ، والذي يثبت : الرجل يعمل بطاعة الله ، فيموت وهو في طاعة الله عز وجل فهو الذي يثبت .
وقال الحسن : ( يمحو الله ما يشاء ويثبت ) أي من جاء أجله يذهب به ، ويثبت من لم يجئ أجله إلى أجله .
وعن سعيد بن جبير قال : ( يمحو الله ما يشاء ) من ذنوب العباد فيغفرها ويثبت ما يشاء فلا يغفرها .
وقال عكرمة : ( يمحو الله ما يشاء ) من الذنوب بالتوبة ، ويثبت بدل الذنوب حسنات ، كما قال الله تعالى : ( فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات ) ( الفرقان - 70 ) . وقال السدي : ( يمحو الله ما يشاء ) يعني القمر ( ويثبت ) يعني الشمس ، بيانه قوله تعالى : ( فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة ) ( الإسراء - 12 ) .
وقال الربيع : هذا في الأرواح يقبضها الله عند النوم ، فمن أراد موته محاه فأمسكه ومن أراد بقاءه أثبته ورده إلى صاحبه ، بيانه قوله عز وجل : ( الله يتوفى الأنفس حين موتها ) الآية ( الزمر - 42 ) . ( وعنده أم الكتاب ) أي : أصل الكتاب ، وهو اللوح المحفوظ الذي لا يبدل ولا يغير .
وقال عكرمة ، عن ابن عباس رضي الله عنهما : هما كتابان : كتاب سوى أم الكتاب ، يمحو منه ما يشاء ويثبت ، وأم الكتاب الذي لا يغير منه شيء .
وعن عطاء ، عن ابن عباس قال : إن لله تعالى لوحا محفوظا مسيرة خمسمائة عام ، من درة بيضاء لها دفتان من ياقوت ، لله في كل يوم ثلاثمائة وستون لحظة ( يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب ) وسأل ابن عباس كعبا عن أم الكتاب ؟ فقال : علم الله ، ما هو خالق ، وما خلقه عاملون .
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features