وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ ۚ كَذَٰلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ (81)

قوله : والله جعل لكم مما خلق ظلالا وجعل لكم من الجبال أكنانا وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون
فيه ست مسائل :
الأولى : قوله تعالى : ظلالا الظلال : كل ما يستظل به من البيوت والشجر . وقوله مما خلق يعم جميع الأشخاص المظلة .
الثانية : قوله تعالى : أكنانا الأكنان : جمع كن ، وهو الحافظ من المطر والريح وغير ذلك ; وهي هنا الغيران في الجبال ، جعلها الله عدة للخلق يأوون إليها ويتحصنون به أو يعتزلون عن الخلق فيها . وفي الصحيح أنه - عليه السلام - كان في أول أمره يتعبد بغار حراء ويمكث فيه الليالي . . الحديث ، وفي صحيح البخاري قال : خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من مكة مهاجرا هاربا من قومه فارا بدينه مع صاحبه أبي بكر حتى لحقا بغار في جبل ثور ، فكمنا فيه ثلاث ليال يبيت عندهما فيه عبد الله بن أبي بكر وهو غلام شاب ثقف لقن فيدلج من عندهما بسحر فيصبح مع قريش بمكة كبائت فلا يسمع أمرا يكادان به إلا وعاه حتى يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظلام ، ويرعى عليهما عامر بن فهيرة مولى أبي بكر منحة من غنم فيريحها عليهما حتى تذهب ساعة من العشاء فيبيتان في رسل ، وهو لبن منحتهما ورضيفهما حتى ينعق بهما عامر بن فهيرة بغلس ، يفعل ذلك في كل ليلة من تلك الليالي الثلاث . . . وذكر الحديث . انفرد بإخراجه البخاري .
الثالثة : قوله تعالى : وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر يعني القمص ، واحدها سربال .
وسرابيل تقيكم بأسكم يعني الدروع التي تقي الناس في الحرب ; ومنه قول كعب بن زهير :
شم العرانين أبطال لبوسهم من نسج داود في الهيجا سرابيل
الرابعة : إن قال قائل : كيف قال وجعل لكم من الجبال أكنانا ولم يذكر السهل ، قال تقيكم الحر ولم يذكر البرد ؟ فالجواب أن القوم كانوا أصحاب جبال ولم يكونوا أصحاب سهل ، وكانوا أهل حر ولم يكونوا أهل برد ، فذكر لهم نعمه التي تختص بهم كما خصهم بذكر الصوف وغيره ، ولم يذكر القطن والكتان ولا الثلج - كما تقدم - فإنه لم يكن ببلادهم ; قال معناه عطاء الخراساني وغيره . وأيضا : وأيضا : فذكر أحدهما يدل على الآخر ; ومنه قول الشاعر :
وما أدري إذا يممت أرضا أريد الخير أيهما يليني
أألخير الذي أنا أبتغيه أم الشر الذي هو يبتغيني
الخامسة : قال العلماء : في قوله - تعالى - : وسرابيل تقيكم بأسكم دليل على اتخاذ العباد عدة الجهاد ليستعينوا بها على قتال الأعداء ، وقد لبسها النبي - صلى الله عليه وسلم - تقاة الجراحة وإن كان يطلب الشهادة ، وليس للعبد أن يطلبها بأن يستسلم للحتوف وللطعن بالسنان وللضرب بالسيوف ، ولكنه يلبس لأمة حرب لتكون له قوة على قتال عدوه ، ويقاتل لتكون كلمة الله هي العليا ، ويفعل الله بعد ما يشاء .
السادسة : قوله تعالى : كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون قرأ ابن محيصن وحميد " تتم " بتاءين ، " نعمته " رفعا على أنها الفاعل . الباقون يتم بضم الياء على أن الله هو يتمها . وتسلمون قراءة ابن عباس وعكرمة " تسلمون " بفتح التاء واللام ، أي تسلمون من الجراح ، وإسناده ضعيف ; رواه عباد بن العوام عن حنظلة عن شهر عن ابن عباس . الباقون بضم التاء ، ومعناه تستسلمون وتنقادون إلى معرفة الله وطاعته شكرا على نعمه . قال أبو عبيد : والاختيار قراءة العامة ; لأن ما أنعم الله به علينا من الإسلام أفضل مما أنعم به من السلامة من الجراح .
وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ ۚ كَذَٰلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ (81)

وقوله : ( والله جعل لكم مما خلق ظلالا ) قال قتادة : يعني : الشجر .
( وجعل لكم من الجبال أكنانا ) أي : حصونا ومعاقل ، كما ( جعل لكم سرابيل تقيكم الحر ) وهي الثياب من القطن والكتان والصوف ، ( وسرابيل تقيكم بأسكم ) كالدروع من الحديد المصفح والزرد وغير ذلك ، ( كذلك يتم نعمته عليكم ) أي : هكذا يجعل لكم ما تستعينون به على أمركم ، وما تحتاجون إليه ؛ ليكون عونا لكم على طاعته وعبادته ، (لعلكم تسلمون )
هكذا فسره الجمهور ، وقرءوه بكسر اللام من " تسلمون " أي : من الإسلام .
وقال قتادة في قوله : ( كذلك يتم نعمته عليكم [ لعلكم تسلمون ] ) هذه السورة تسمى : سورة النعم .
وقال عبد الله بن المبارك وعباد بن العوام ، عن حنظلة السدوسي ، عن شهر بن حوشب ، عن ابن عباس أنه كان يقرؤها " تسلمون " بفتح اللام ، يعني من الجراح . رواه أبو عبيد القاسم بن سلام ، عن عباد ، وأخرجه ابن جرير من الوجهين ، ورد هذه القراءة .
وقال عطاء الخراساني : إنما نزل القرآن على قدر معرفة العرب ، ألا ترى إلى قوله تعالى : ( والله جعل لكم مما خلق ظلالا وجعل لكم من الجبال أكنانا ) وما جعل [ لكم ] من السهل أعظم وأكثر ، ولكنهم كانوا أصحاب جبال ؟ ألا ترى إلى قوله : ( ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين ) وما جعل لكم من غير ذلك أعظم منه وأكثر ولكنهم كانوا أصحاب وبر وشعر ، ألا ترى إلى قوله : ( وينزل من السماء من جبال فيها من برد ) [ النور : 43 ] لعجبهم من ذلك ، وما أنزل من الثلج أعظم وأكثر ، ولكنهم كانوا لا يعرفونه ؟ ألا ترى إلى قوله تعالى : ( سرابيل تقيكم الحر ) وما بقي من البرد أعظم وأكثر ولكنهم كانوا أصحاب حر .
وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ ۚ كَذَٰلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ (81)

( والله جعل لكم مما خلق ظلالا ) تستظلون بها من شدة الحر ، وهي ظلال الأبنية والأشجار ، ( وجعل لكم من الجبال أكنانا ) يعني : الأسراب ، والغيران ، واحدها كن ( وجعل لكم سرابيل ) قمصا من الكتان والقز ، والقطن ، والصوف ، ( تقيكم ) تمنعكم ، ( الحر ) قال أهل المعاني : أراد الحر والبرد فاكتفى بذكر أحدهما لدلالة الكلام عليه . ( وسرابيل تقيكم بأسكم ) يعني : الدروع ، والبأس : الحرب ، يعني : تقيكم في بأسكم السلاح أن يصيبكم .
( كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون ) تخلصون له الطاعة .
قال عطاء الخراساني : إنما أنزل القرآن على قدر معرفتهم ، فقال : وجعل لكم من الجبال أكنانا ، وما جعل [ لهم ] من السهول أكثر وأعظم ، ولكنهم كانوا أصحاب جبال كما قال : " ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها " لأنهم كانوا أصحاب وبر ، وشعر ، وكما قال : " وينزل من السماء من جبال فيها من برد " ( النور - 43 ) وما أنزل من الثلج أكثر ، ولكنهم كانوا لا يعرفون الثلج . وقال : " تقيكم الحر " وما تقي من البرد أكثر ، ولكنهم كانوا أصحاب حر .
وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ ۚ كَذَٰلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ (81)

{ وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ } أي: من مخلوقاته التي لا صنعة لكم فيها، { ظِلَالًا } وذلك كأظلة الأشجار والجبال والآكام ونحوها، { وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا } أي: مغارات تكنكم من الحر والبرد والأمطار والأعداء.
{ وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ } أي: ألبسة وثيابا { تَقِيكُمُ الْحَرَّ } ولم يذكر الله البرد لأنه قد تقدم أن هذه السورة أولها في أصول النعم وآخرها في مكملاتها ومتمماتها، ووقاية البرد من أصول النعم فإنه من الضرورة، وقد ذكره في أولها في قوله { لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ }
{ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ } أي: وثيابا تقيكم وقت البأس والحرب من السلاح، وذلك كالدروع والزرد ونحوها، كذلك يتم نعمته عليكم حيث أسبغ عليكم من نعمه ما لا يدخل تحت الحصر { لَعَلَّكُمْ } إذا ذكرتم نعمة الله ورأيتموها غامرة لكم من كل وجه { تُسْلِمُونَ } لعظمته وتنقادون لأمره، وتصرفونها في طاعة موليها ومسديها، فكثرة النعم من الأسباب الجالبة من العباد مزيد الشكر ، والثناء بها على الله تعالى، ولكن أبى الظالمون إلا تمردا وعنادا.
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features