وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ۖ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ ۗ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا (83)

قوله تعالى : وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا
قوله تعالى : وإذا جاءهم أمر من الأمن في إذا معنى الشرط ولا يجازى بها وإن زيدت عليها " ما " وهي قليلة الاستعمال . قال سيبويه . والجيد ما قال كعب بن زهير :
وإذا ما تشاء تبعث منها مغرب الشمس ناشطا مذعورا
يعني أن الجيد لا يجزم بإذا ما كما لم يجزم في هذا البيت ، وقد تقدم في أول " البقرة " .
والمعنى أنهم إذا سمعوا شيئا من الأمور فيه أمن نحو ظفر المسلمين وقتل عدوهم أو الخوف وهو ضد هذا أذاعوا به أي أفشوه وأظهروه وتحدثوا به قبل أن يقفوا على حقيقته . فقيل : كان هذا من ضعفة المسلمين ؛ عنالحسن ؛ لأنهم كانوا يفشون أمر النبي صلى الله عليه وسلم ويظنون أنهم لا شيء عليهم في ذلك . وقال الضحاك وابن زيد : وهو في المنافقين فنهوا عن ذلك لما يلحقهم من الكذب في الإرجاف .
قوله تعالى : ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم أي لم يحدثوا به ولم يفشوه حتى يكون النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي يحدث به ويفشيه . أو أولوا الأمر وهم أهل العلم والفقه ؛ عن الحسن وقتادة وغيرهما . السدي وابن زيد : الولاة . وقيل : أمراء السرايا . لعلمه الذين يستنبطونه منهم أي يستخرجونه ، أي لعلموا ما ينبغي أن يفشى منه وما ينبغي أن يكتم . والاستنباط مأخوذ من استنبطت الماء إذا استخرجته . والنبط : الماء المستنبط أول ما يخرج من ماء البئر أول ما تحفر . وسمي النبط نبطا لأنهم يستخرجون ما في الأرض . والاستنباط في اللغة الاستخراج ، وهو يدل على الاجتهاد إذا عدم النص والإجماع كما تقدم .
قوله تعالى : ولولا فضل الله عليكم ورحمته رفع بالابتداء عند سيبويه ، ولا يجوز أن يظهر الخبر عنده . والكوفيون يقولون : رفع بلولا . لاتبعتم الشيطان إلا قليلا في هذه الآية ثلاثة أقوال ؛ قال ابن عباس وغيره : المعنى أذاعوا به إلا قليلا منهم لم يذع ولم يفش . وقاله جماعة من النحويين : الكسائي والأخفش وأبو عبيد وأبو حاتم والطبري . وقيل : المعنى لعلمه الذين يستنبطونه منهم إلا قليلا منهم ؛ عن الحسن وغيره ، واختاره الزجاج قال : لأن هذا الاستنباط الأكثر يعرفه ؛ لأنه استعلام خبر . واختار الأول الفراء قال : لأن علم السرايا إذا ظهر علمه المستنبط وغيره ، والإذاعة تكون في بعض دون بعض . قال الكلبي عنه : فلذلك استحسنت الاستثناء من الإذاعة . قال النحاس : فهذان قولان على المجاز ، يريد أن في الكلام تقديما وتأخيرا . وقول ثالث بغير مجاز : يكون المعنى ولولا فضل الله عليكم ورحمته بأن بعث فيكم رسولا أقام فيكم الحجة لكفرتم وأشركتم إلا قليلا منكم فإنه كان يوحد . وفيه قول رابع - قال الضحاك : المعنى لاتبعتم الشيطان إلا قليلا ، أي إن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم حدثوا أنفسهم بأمر من الشيطان إلا قليلا ، يعني الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى . وعلى هذا القول يكون قوله إلا قليلا مستثنى من قوله لاتبعتم الشيطان . قال المهدوي : وأنكر هذا القول أكثر العلماء ، إذ لولا فضل الله ورحمته لاتبع الناس كلهم الشيطان .
وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ۖ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ ۗ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا (83)

قوله تعالى : ( وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ) وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبعث السرايا فإذا غلبوا أو غلبوا بادر المنافقون يستخبرون عن حالهم ، فيفشون ويحدثون به قبل أن يحدث به رسول الله صلى الله عليه وسلم فيضعفون به قلوب المؤمنين فأنزل الله تعالى ( وإذا جاءهم ) يعني : المنافقين ( أمر من الأمن ) أي : الفتح والغنيمة ( أو الخوف ) القتل والهزيمة ( أذاعوا به ) أشاعوه وأفشوه ، ( ولو ردوه إلى الرسول ) أي : لو لم يحدثوا به حتى يكون النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي يحدث به ، ( وإلى أولي الأمر منهم ) أي : ذوي الرأي من الصحابة مثل أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم ، ( لعلمه الذين يستنبطونه منهم ) أي : يستخرجونه وهم العلماء ، أي : علموا ما ينبغي أن يكتم وما ينبغي أن يفشى ، والاستنباط : الاستخراج ، يقال : استنبط الماء إذا استخرجه ، وقال عكرمة : يستنبطونه أي : يحرصون عليه ويسألون عنه ، وقال الضحاك : يتبعونه ، يريد الذين سمعوا تلك الأخبار من المؤمنين والمنافقين ، لو ردوه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وإلى ذوي الرأي والعلم ، لعلمه الذين يستنبطونه منهم ، أي : يحبون أن يعلموه على حقيقته كما هو .
( ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان ) كلكم ( إلا قليلا ) فإن قيل : كيف استثنى القليل ولولا فضله لاتبع الكل الشيطان؟ قيل : هو راجع إلى ما قبله ، قيل : معناه أذاعوا به إلا قليلا لم يفشه ، عني بالقليل المؤمنين ، وهذا قول الكلبي واختيار الفراء ، وقال : لأن علم السر إذا ظهر علمه المستنبط وغيره ، والإذاعة قد تكون في بعض دون بعض ، وقيل : لعلمه الذين يستنبطونه منهم إلا قليلا ثم قوله : ( ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان ) كلام تام .
وقيل : فضل الله : الإسلام ، ورحمته : القرآن ، يقول لولا ذلك لاتبعتم الشيطان إلا قليلا وهم قوم اهتدوا قبل مجيء الرسول صلى الله عليه وسلم ونزول القرآن ، مثل زيد بن عمرو بن نفيل ، وورقة بن نوفل وجماعة سواهما .
وفي الآية دليل على جواز القياس ، فإن من العلم ما يدرك بالتلاوة والرواية وهو النص ، ومنه ما يدرك بالاستنباط وهو القياس على المعاني المودعة في النصوص .
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features