وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115)

قوله تعالى : ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا
فيه مسألتان :
الأولى : قال العلماء : هاتان الآيتان نزلتا بسبب ابن أبيرق السارق ، لما حكم النبي صلى الله عليه وسلم عليه بالقطع وهرب إلى مكة وارتد ، قال سعيد بن جبير : لما صار إلى مكة نقب بيتا بمكة فلحقه المشركون فقتلوه ؛ فأنزل الله تعالى : إن الله لا يغفر أن يشرك به إلى قوله : فقد ضل ضلالا بعيدا . وقال الضحاك : قدم نفر من قريش المدينة وأسلموا ثم انقلبوا إلى مكة مرتدين فنزلت هذه الآية ومن يشاقق الرسول . والمشاقة المعاداة . والآية وإن نزلت في سارق الدرع أو غيره فهي عامة في كل من خالف طريق المسلمين . والهدى : الرشد والبيان ، وقد تقدم . وقوله تعالى : نوله ما تولى يقال : إنه نزل فيمن ارتد ؛ والمعنى ؛ نتركه وما يعبد ؛ عن مجاهد . أي نكله إلى الأصنام التي لا تنفع ولا تضر ؛ وقاله مقاتل . وقال الكلبي ؛ نزل قوله تعالى : نوله ما تولى في ابن أبيرق ؛ لما ظهرت حاله وسرقته هرب إلى مكة وارتد ونقب حائطا لرجل بمكة يقال له : حجاج بن علاط ، فسقط فبقي في النقب حتى وجد على حاله ، وأخرجوه من مكة ؛ فخرج إلى الشام فسرق بعض أموال القافلة فرجموه وقتلوه ، فنزلت نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا . وقرأ عاصم وحمزة وأبو عمرو " نوله " " ونصله " بجزم الهاء ، والباقون بكسرها ، وهما لغتان .
الثانية : قال العلماء في قوله تعالى : ومن يشاقق الرسول دليل على صحة القول بالإجماع ،
وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115)

قوله تعالى : ( ومن يشاقق الرسول ) نزلت في طعمة بن أبيرق وذلك أنه لما ظهرت عليه السرقة خاف على نفسه من قطع اليد والفضيحة ، فهرب إلى مكة وارتد عن الدين ، فقال تعالى : ( ومن يشاقق الرسول ) أي : يخالفه ، ( من بعد ما تبين له الهدى ) التوحيد والحدود ( ويتبع غير سبيل المؤمنين ) [ أي : غير طريق المؤمنين ( نوله ما تولى ) أي : نكله في الآخرة ] إلى ما تولى في الدنيا ، ( ونصله جهنم وساءت مصيرا )
روي أن طعمة بن أبيرق نزل على رجل من بني سليم من أهل مكة يقال له الحجاج بن علاط ، فنقب بيته فسقط عليه حجر فلم يستطع أن يدخل ولا أن يخرج حتى أصبح ، فأخذ ليقتل ، فقال بعضهم : دعوه فإنه قد لجأ إليكم فتركوه فأخرجوه من مكة ، فخرج مع تجار من قضاعة نحو الشام ، فنزلوا منزلا فسرق بعض متاعهم وهرب ، فطلبوه وأخذوه ورموه بالحجارة حتى قتلوه ، فصار قبره تلك الحجارة ، وقيل : إنه ركب سفينة إلى جدة فسرق فيها كيسا فيه دنانير فأخذ ، فألقي في البحر ، وقيل : إنه نزل في حرة بني سليم وكان يعبد صنما إلى أن مات فأنزل الله تعالى فيه :
وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115)

القول في تأويل قوله : وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115)
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: " ومن يشاقق الرسول "، ومن يباين الرسولَ محمدًا صلى الله عليه وسلم، معاديًا له، فيفارقه على العداوة له (12) =" من بعد ما تبين له الهدى "، يعني: من بعد ما تبين له أنه رسول الله، وأن ما جاء به من عند الله يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم=" ويتبع غير سبيل المؤمنين "، يقول: ويتبع طريقًا غير طريق أهل التصديق، ويسلك منهاجًا غير منهاجهم، وذلك هو الكفر بالله، لأن الكفر بالله ورسوله غير سبيل المؤمنين وغير منهاجهم=" نولّه ما تولّى "، يقول: نجعل ناصره ما استنصره واستعان به من الأوثان والأصنام، (13) وهي لا تغنيه ولا تدفع عنه من عذاب الله شيئًا، ولا تنفعه، كما:-
10427- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: " نوله ما تولى "، قال: من آلهة الباطل.
10428- حدثني ابن المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
* * *
=" ونصله جهنم "، يقول: ونجعله صِلاءَ نار جهنم، (14) يعني: نحرقه بها.
* * *
وقد بينا معنى " الصلى " فيما مضى قبل، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (15)
* * *
=" وساءت مصيرًا "، يقول وساءت جهنم (16) =" مصيرًا "، موضعًا يصير إليه من صار إليه. (17)
* * *
ونـزلت هذه الآية في الخائنين الذين ذكرهم الله في قوله: وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا ، لما أبى التوبة من أبى منهم، وهو طعمة بن الأبيرق، ولحق بالمشركين من عبدة الأوثان بمكة مرتدًّا، مفارقًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ودينه.
-----------------
الهوامش :
(12) انظر تفسير"الشقاق" فيما سلف 3 : 115 ، 116 ، 336 / 8 : 319.
(13) انظر تفسير"ولي" فيما سلف ص: 17 ، تعليق: 3 ، والمراجع هناك.
(14) في المطبوعة: "صلى" بتشديد الياء ، والصواب من المخطوطة. و"الصلاء" (بكسر الصاد): الشواء ، لأنه يصلى بالنار.
(15) انظر ما سلف في تفسير"الإصلاء" 8 : 27-29 ، 231 ، 484.
(16) انظر تفسير"ساء" فيما سلف ص 101 ، تعليق: 2 ، والمراجع هناك.
(17) انظر تفسير"مصير" فيما سلف ص: 101 ، تعليق: 3 ، والمراجع هناك.
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features