وَأُوحِيَ إِلَىٰ نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلَّا مَن قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (36)

قوله تعالى : وأوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون
قوله تعالى : وأوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن " أنه " في موضع رفع على أنه اسم ما لم يسم فاعله . ويجوز أن يكون في موضع نصب ، ويكون التقدير : ب " أنه " . و " آمن " في موضع نصب ب " يؤمن " ومعنى الكلام الإياس من إيمانهم ، واستدامة كفرهم ، تحقيقا لنزول الوعيد بهم . قال الضحاك : فدعا عليهم لما أخبر بهذا فقال : رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا الآيتين . وقيل : إن رجلا من قوم نوح حمل ابنه على كتفه ، فلما رأى الصبي نوحا قال لأبيه : اعطني حجرا ; فأعطاه حجرا ، ورمى به نوحا - عليه السلام - فأدماه ; فأوحى الله تعالى إليه أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن .
فلا تبتئس بما كانوا يفعلون أي فلا تغتم بهلاكهم حتى تكون بائسا ; أي حزينا . والبؤس الحزن ; ومنه قول الشاعر :
وكم من خليل أو حميم رزئته فلم أبتئس والرزء فيه جليل
يقال : ابتأس الرجل إذا بلغه شيء يكرهه . والابتئاس حزن في استكانة .
وَأُوحِيَ إِلَىٰ نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلَّا مَن قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (36)

قوله تعالى : ( وأوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن ) روى الضحاك عن ابن عباس : أن قوم نوح عليه السلام كانوا يضربون نوحا حتى يسقط ، فيلقونه في لبد ويلقونه في قعر بيت ، يظنون أنه قد مات فيخرج في اليوم الثاني ويدعوهم إلى الله عز وجل .
روي أن شيخا منهم جاء يتوكأ على عصا ، ومعه ابنه ، فقال : يا بني لا يغرنك هذا الشيخ المجنون ، فقال له : يا أبت أمكني من العصا ، فأخذ العصا من أبيه ، فضرب نوحا حتى شجه شجة منكرة ، فأوحى الله عز وجل إليه ( أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن ) ( فلا تبتئس ) أي : فلا تحزن ، ( بما كانوا يفعلون ) فإني مهلكهم ومنقذك منهم فحينئذ دعا نوح عليهم : " وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا " ( نوح - 26 ) .
وحكى محمد بن إسحاق عن عبيد بن عمير الليثي أنه بلغه أنهم كانوا يبطشون به فيخنقونه حتى يغشى عليه ، فإذا أفاق قال : رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون ، حتى إذا تمادوا في المعصية واشتد عليه منهم البلاء ، وانتظر الجيل بعد الجيل فلا يأتي قرن إلا كان أخبث من الذي قبله حتى إن كان الآخر منهم ليقول : قد كان هذا مع آبائنا وأجدادنا هكذا مجنونا لا يقبلون منه شيئا ، فشكا إلى الله تعالى فقال : " رب إني دعوت قومي ليلا ونهارا " إلى أن قال : " رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا " ، فأوحى الله تعالى إليه :
وَأُوحِيَ إِلَىٰ نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلَّا مَن قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (36)

القول في تأويل قوله تعالى : وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (36)
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره: وأوحَى الله إلى نوح ، لمّا حَقّ على قومه القولُ، وأظلَّهم أمرُ الله، أنه لن يؤمن، يا نوح ، بالله فيوحِّده ، ويتبعك على ما تدعوه إليه ، (من قومك إلا من قد آمن)، فصدّق بذلك واتبعك.(فلا تبتئس) ، يقول: فلا تستكن ولا تحزن ، (بما كانوا يفعلون)، فإني مهلكهم ، ومنقذك منهم ومن اتبعك. وأوحى الله ذلك إليه ، بعد ما دعا عليهم نوحٌ بالهلاك فقال: رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا ، [سورة نوح: 26] .
* * *
، وهو " تفتعل " من " البؤس "، يقال: " ابتأس فلان بالأمر يبتئس ابتئاسًا ": كما قال لبيد بن ربيعة:
فِـــي مَـــأْتَمٍ كَنِعَــاجِ صَــا
رَةَ يَبْتَئِسْــــنَ بِمَـــا لَقَيْنـــا (10)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
18121- حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (فلا تبتئس) ، قال: لا تحزن.
18122- حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ، وحدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبى نجيح، عن مجاهد مثله.
18123- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: (فلا تبتئس بما كانوا يفعلون) ، يقول: فلا تحزن.
18124- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (فلا تبتئس بما كانوا يفعلون) ، قال: لا تأسَ ولا تحزن.
18125- حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (وأوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن) ، وذلك حين دعا عليهم قال رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا ، [سورة نوح: 26] ، قوله: (فلا تبتئس)، يقول: فلا تأسَ ولا تحزن.
18126- حدثت عن الحسين بن الفرج قال: سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن) ، فحينئذ دعا على قومه ، لما بيَّن الله له أنه لن يؤمن من قومه إلا من قد آمن.
---------------------
الهوامش :
(10) ديوانه 2 : 46 ( القصيدة : 35 ، البيت : 21 ) ، اللسان ( يأس ) قصيدة له ، يذكر بنته أو امرأته وحالها بعد موته :
وَحَــذِرْتُ بَعْــدَ المَــوْتِ يَــوْ
مَ تَشِـــينُ أَسْـــمَاءُ الجَبِينَـــا
فِــي رَبْــرَبٍ كَنِعَــاجِ صَــارَ
ةَ يَبْتَئِسْــــنَ بِمَــــا لَقِينَـــا
مُتَسَـــلِّبَاتٍ فِـــي مُسُـــوحِ
الشَّــــعْرِ أَبْكَـــارًا وَعُونَـــا
وهذا شعر ، حسبك به من شعر ! .
وَأُوحِيَ إِلَىٰ نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلَّا مَن قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (36)

وقوله: { وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ } أي: قد قسوا، { فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ } أي: فلا تحزن، ولا تبال بهم, وبأفعالهم، فإن الله قد مقتهم، وأحق عليهم عذابه الذي لا يرد.
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features