تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ ۖ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ ۖ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (134)

وقوله تعالى : ( تلك أمة قد خلت ) أي : مضت ( لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ) أي : إن السلف الماضين من آبائكم من الأنبياء والصالحين لا ينفعكم انتسابكم إليهم إذا لم تفعلوا خيرا يعود نفعه عليكم ، فإن لهم أعمالهم التي عملوها ولكم أعمالكم : ( ولا تسألون عما كانوا يعملون )
وقال أبو العالية ، والربيع ، وقتادة : ( تلك أمة قد خلت ) يعني : إبراهيم ، وإسماعيل ، وإسحاق ، ويعقوب ، والأسباط [ ولهذا جاء ، في الأثر : من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه
تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ ۖ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ ۖ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (134)

تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { تِلْكَ أُمَّة قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { تِلْكَ أُمَّة قَدْ خَلَتْ } إبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب وَوَلَدهمْ . يَقُول لِلْيَهُودِ وَالنَّصَارَى : يَا مَعْشَر الْيَهُود وَالنَّصَارَى دَعَوْا ذِكْر إبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب وَالْمُسْلِمِينَ مِنْ أَوْلَادهمْ بِغَيْرِ مَا هُمْ أَهْله وَلَا تَنْحَلُوهُمْ كُفْر الْيَهُودِيَّة وَالنَّصْرَانِيَّة فَتُضِيفُوهَا إلَيْهِمْ , فَإِنَّهُمْ أُمَّة - وَيَعْنِي بِالْأُمَّةِ فِي هَذَا الْمَوْضِع الْجَمَاعَة , وَالْقَرْن مِنْ النَّاس - قَدْ خَلَتْ : مَضَتْ لِسَبِيلِهَا . وَإِنَّمَا قِيلَ لِلَّذِي قَدْ مَاتَ فَذَهَبَ : قَدْ خَلَا , لِتَخَلِّيهِ مِنْ الدُّنْيَا , وَانْفِرَاده بِمَا كَانَ مِنْ الْأُنْس بِأَهْلِهِ وَقُرَنَائِهِ فِي دُنْيَاهُ , وَأَصْله مِنْ قَوْلهمْ : خَلَا الرَّجُل , إذَا صَارَ بِالْمَكَانِ الَّذِي لَا أَنِيس لَهُ فِيهِ وَانْفَرَدَ مِنْ النَّاس , فَاسْتَعْمَلَ ذَلِكَ فِي الَّذِي يَمُوت عَلَى ذَلِكَ الْوَجْه . ثُمَّ قَالَ تَعَالَى ذِكْره لِلْيَهُودِ وَالنَّصَارَى : إنَّ لِمَنْ نَحَلْتُمُوهُ بِضَلَالِكُمْ وَكُفْركُمْ الَّذِي أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَنْبِيَائِي وَرُسُلِي مَا كَسَبَتْ . وَالْهَاء وَالْأَلِف فِي قَوْله : { لَهَا } عَائِدَة إنْ شِئْت عَلَى " تِلْكَ " , وَإِنْ شِئْت عَلَى " الْأُمَّة " . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { لَهَا مَا كَسَبَتْ } أَيْ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْر , وَلَكُمْ يَا مَعْشَر الْيَهُود وَالنَّصَارَى مِثْل ذَلِكَ مَا عَمِلْتُمْ . وَلَا تُؤَاخَذُونَ أَنْتُمْ أَيّهَا النَّاحِلُونَ مَا نَحَلْتُمُوهُمْ مِنْ الْمِلَل , فَسَأَلُوا عَمَّا كَانَ إبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب وَوَلَدهمْ يَعْمَلُونَ فَيَكْسِبُونَ مِنْ خَيْر وَشَرّ ; لِأَنَّ لِكُلِّ نَفْس مَا كَسَبَتْ , وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ . فَدَعَوْا انْتِحَالهمْ وَانْتِحَال مِلَلهمْ , فَإِنَّ الدَّعَاوَى غَيْر مُغْنِيَتكُمْ عِنْد اللَّه , وَإِنَّمَا يُغْنِي عَنْكُمْ عِنْده مَا سَلَف لَكُمْ مِنْ صَالِح أَعْمَالكُمْ إنْ كُنْتُمْ عَمِلْتُمُوهَا وَقَدَّمْتُمُوهَا .
تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ ۖ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ ۖ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (134)

قوله تعالى : تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون قوله تعالى : تلك أمة قد خلت تلك مبتدأ ، وأمة خبر ، قد خلت نعت لأمة ، وإن شئت كانت خبر المبتدأ ، وتكون أمة بدلا من تلك . لها ما كسبت ما في موضع رفع بالابتداء أو بالصفة على قول الكوفيين . ولكم ما كسبتم مثله ، يريد من خير وشر . وفي هذا دليل على أن العبد يضاف إليه أعمال وأكساب ، وإن كان الله تعالى أقدره على ذلك ، إن كان خيرا فبفضله وإن كان شرا فبعدله ، وهذا مذهب أهل السنة ، والآي في القرآن بهذا المعنى كثيرة . فالعبد مكتسب لأفعاله ، على معنى أنه خلقت له قدرة مقارنة للفعل ، يدرك بها الفرق بين حركة الاختيار وحركة الرعشة مثلا ، وذلك التمكن هو مناط التكليف . وقال الجبرية بنفي اكتساب العبد ، وإنه كالنبات الذي تصرفه الرياح . وقالت القدرية والمعتزلة خلاف هذين القولين ، وإن العبد يخلق أفعاله .
قوله تعالى : ولا تسألون عما كانوا يعملون أي لا يؤاخذ أحد بذنب أحد ، مثل قوله تعالى : ولا تزر وازرة وزر أخرى أي لا تحمل حاملة ثقل أخرى ، وسيأتي .
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features