نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ (3)

وقوله تعالى ( نزل عليك الكتاب بالحق ) يعني : نزل عليك القرآن يا محمد ) بالحق ) أي : لا شك فيه ولا ريب ، بل هو منزل من عند الله [ عز وجل ] أنزله بعلمه والملائكة يشهدون ، وكفى بالله شهيدا .
وقوله : ( مصدقا لما بين يديه ) أي : من الكتب المنزلة قبله من السماء على عباد الله الأنبياء ، فهي تصدقه بما أخبرت به وبشرت في قديم الزمان ، وهو يصدقها ، لأنه طابق ما أخبرت به وبشرت ، من الوعد من الله بإرسال محمد صلى الله عليه وسلم ، وإنزال القرآن العظيم عليه .
وقوله : ( وأنزل التوراة ) أي : على موسى بن عمران [ عليه السلام ] ) والإنجيل ) أي : على عيسى ابن مريم .
نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ (3)

القول في تأويل قوله : نَـزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ
قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: يا محمد، إنّ ربك وربَّ عيسى وربَّ كل شيء، هو الرّبّ الذي أنـزل عليك الكتاب = يعني بـ" الكتاب "، القرآن =" بالحق " يعني: بالصّدق فيما اختلف فيه أهل التوراة والإنجيل، وفيما خالفك فيه محاجُّوك من نصارى أهل نجران وسائر أهل الشرك غيرهم =" مُصَدّقًا لما بين يديه "، يعني بذلك القرآن، أنه مصدّق لما كان قبله من كتب الله التي أنـزلها على أنبيائه ورسله، ومحقق ما جاءت به رُسل الله من عنده. (36) لأن منـزل جميع ذلك واحد، فلا يكون فيه اختلاف، ولو كان من عند غيره كان فيه اختلاف كثير.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
6554 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: " مصدقًا لما بين يديه ". قال: لما قبله من كتاب أو رسول.
6555 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: " مصدقًا لما بين يديه "، لما قبله من كتاب أو رسول.
6556 - حدثني محمد بن حميد قال، حدثنا سلمة قال، حدثنى محمد بن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير: " نـزل عليك الكتاب بالحق "، أي بالصدق فيما اختلفوا فيه. (37)
6557 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: " نـزل عليك الكتاب بالحق مصدقًا لما بين يديه "، يقول: القرآن، =" مصدّقًا لما بين يديه " من الكتب التي قد خلت قبله.
6558 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثني ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قوله: " نـزل عليك الكتاب بالحق مصدقًا لما بين يديه "، يقول: مصدّقًا لما قبله من كتاب ورسول.
* * *
القول في تأويل قوله جل ثناؤه : وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ (3) مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: " وَأَنْـزَلَ التَّوْرَاةَ"، على موسى =" وَالإِنْجِيلَ" على عيسى =" من قبل "، يقول: من قبل الكتاب الذي نـزله عليك = ويعني بقوله: " هُدًى للناس "، بيانًا للناس من الله فيما اختلفوا فيه &; 6-162 &; من توحيد الله وتصديق رسله، ونَعْتِيك يا محمد بأنك نبيّى ورسولى، (38) وفي غير ذلك من شرائع دين الله، كما:-
6559 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: " وَأَنْـزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ * مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ"، هما كتابان أنـزلهما الله، فيهما بيانٌ من الله، وعصمةٌ لمن أخذ به وصدّق به، وعمل بما فيه.
6560 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير: " وَأَنْـزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ"، التوراة على موسى، والإنجيل على عيسى، كما أنـزل الكتب على من كان قبله. (39)
____________________
الهوامش :
(36) في المخطوطة"ومخفو ما جاءت به رسل الله" ، وهو خطأ ، والصواب ما في المطبوعة.
(37) الأثر: 6556- هو بقية الآثار السالفة ، التي آخرها آنفًا رقم: 6553.
(38) في المطبوعة: "ومفيدًا يا محمد أنك نبيي رسولي" ، وفي المخطوطة هكذا: "وحفيك يا محمد بأنك نبيي ورسولي" ، الحرف الأول حاء ، والثاني"فاء" والثالث"ياء" ، والرابع كالدال ، إلا أنه بالكاف أشبه. وقد رجحت أن تكون الكلمة: "نعتيك" ، لأن الله لما نعت محمدًا بأنه نبيه ورسوله ، اختلف الناس في صفته هذه. وكذلك فعل هذا الوفد من نصارى نجران ، كما هو واضح من حديثهم في سيرة ابن هشام. وقوله"ونعتيك" معطوف على قوله: "من توحيد الله ، وتصديق رسوله" ، أي ومن نعتيك. أما ما جاء في المطبوعة ، فهو فاسد في السياق وفي المعنى جميعًا.
(39) الأثر: 6560 - هو بقية الآثار السالفة ، التي آخرها رقم: 6556 ، وفي المطبوعة"على من كان قبلهما" ، والصواب من المخطوطة وسيرة ابن هشام.
نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ (3)

( نزل عليك الكتاب ) أي القرآن ( بالحق ) بالصدق ( مصدقا لما بين يديه ) لما قبله من الكتب في التوحيد والنبوات والأخبار وبعض الشرائع ( وأنزل التوراة والإنجيل من قبل ) وإنما قال : وأنزل التوراة والإنجيل لأن التوراة والإنجيل أنزلا جملة واحدة ، وقال في القرآن " نزل " لأنه نزل مفصلا والتنزيل للتكثير ، والتوراة قال البصريون : أصلها وورية على وزن فوعلة مثل : دوحلة وحوقلة ، فحولت الواو الأولى تاء وجعلت الياء المفتوحة ألفا فصارت توراة ، ثم كتبت بالياء على أصل الكلمة ، وقال الكوفيون : أصلها تفعلة مثل توصية وتوفية فقلبت الياء ألفا على لغة طيئ فإنهم يقولون للجارية جاراة ، وللتوصية توصاة ، وأصلها من قولهم : ورى الزند إذا خرجت ناره ، وأوريته أنا ، قال الله تعالى : " أفرأيتم النار التي تورون " ( الواقعة - 71 ) فسمي التوراة لأنها نور وضياء ، قال الله تعالى : " وضياء وذكرا للمتقين " ( الأنبياء - 48 ) وقيل هي من التوراة وهي كتمان [ السر ] والتعريض بغيره ، وكان أكثر التوراة معاريض من غير تصريح
والإنجيل : إفعيل من النجل وهو الخروج ومنه سمي الولد نجلا لخروجه ، فسمي الإنجيل به لأن الله تعالى أخرج به دارسا من الحق عافيا ، ويقال : هو من النجل وهو سعة العين ، سمي به لأنه أنزل سعة لهم ونورا ، وقيل : التوراة بالعبرانية تور ، وتور معناه الشريعة ، والإنجيل بالسريانية أنقليون ومعناه الإكليل
نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ (3)

ومن قيامه تعالى بعباده ورحمته بهم أن نزل على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم الكتاب، الذي هو أجل الكتب وأعظمها المشتمل على الحق في إخباره وأوامره ونواهيه، فما أخبر به صدق، وما حكم به فهو العدل، وأنزله بالحق ليقوم الخلق بعبادة ربهم ويتعلموا كتابه { مصدقا لما بين يديه } من الكتب السابقة، فهو المزكي لها، فما شهد له فهو المقبول، وما رده فهو المردود، وهو المطابق لها في جميع المطالب التي اتفق عليها المرسلون، وهي شاهدة له بالصدق، فأهل الكتاب لا يمكنهم التصديق بكتبهم إن لم يؤمنوا به، فإن كفرهم به ينقض إيمانهم بكتبهم، ثم قال تعالى { وأنزل التوراة } أي: على موسى { والإنجيل } على عيسى.
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features