وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا (112)

ثم قال : ( ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا [ فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا ] ) يعني : كما اتهم بنو أبيرق بصنيعهم القبيح ذلك الرجل الصالح ، وهو لبيد بن سهل ، كما تقدم في الحديث ، أو زيد بن السمين اليهودي على ما قاله الآخرون ، وقد كان بريئا وهم الظلمة الخونة ، كما أطلع الله على ذلك رسوله صلى الله عليه وسلم . ثم هذا التقريع وهذا التوبيخ عام فيهم وفي غيرهم ممن اتصف مثل صفتهم وارتكب مثل خطيئتهم ، فعليه مثل عقوبتهم .
وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا (112)

القول في تأويل قوله : وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (112)
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: ومن يعمل خطيئة، وهي الذنب=" أو إثمًا "، وهو ما لا يحلّ من المعصية. (65)
* * *
وإنما فرق بين " الخطيئة " و " الإثم "، لأن " الخطيئة "، قد تكون من قبل العَمْد وغير العمد، و " الإثم " لا يكون إلا من العَمْد، ففصل جل ثناؤه لذلك بينهما فقال: ومن يأت " خطيئة " على غير عمد منه لها=" أو إثمًا " على عمد منه.
* * *
=" ثم يرم به بريئًا "، (66) يعني: ثم يُضيف ماله من خطئه أو إثمه الذي تعمده (67) =" بريئًا " مما أضافه إليه ونحله إياه=" فقد احتمل بُهتانًا وإثمًا مبينًا "، يقول: (68) فقد تحمّل بفعله ذلك فريَة وكذبًا وإثمًا عظيمًا= يعني، وجُرْمًا عظيمًا، على علم منه وعمدٍ لما أتى من معصيته وذنبه.
* * *
واختلف أهل التأويل فيمن عنى الله بقوله: " بريئًا "، بعد إجماع جميعهم على أن الذي رمى البريءَ من الإثم الذي كان أتاه، ابن أبيرق الذي وصفنا شأنه قبل.
فقال بعضهم: عنى الله عز وجل بالبريء، رجلا من المسلمين يقال له: " لبيد بن سهل ". (69)
* * *
وقال آخرون: بل عنى رجلا من اليهود يقال له: " زيد بن السمين "، وقد ذكرنا الرواية عمن قال ذلك فيما مضى. (70)
* * *
وممن قال: " كان يهوديًّا "، ابنُ سيرين.
10425- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا غندر، عن شعبة، عن خالد الحذاء، عن ابن سيرين: " ثم يرم به بريئًا "، قال: يهوديًّا.
10426- حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا بدل بن المحبر قال، حدثنا شعبة، عن خالد، عن ابن سيرين، مثله. (71)
* * *
وقيل: " يرم به بريئًا "، بمعنى: ثم يرم بالإثم الذي أتى هذا الخائن، من هو بريء مما رماه به= فـ" الهاء " في قوله: " به " عائدة على " الإثم ". ولو جعلت كناية من ذكر " الإثم " و " الخطيئة "، كان جائزًا، لأن الأفعال وإن اختلفت العبارات عنها، فراجعة إلى معنى واحد بأنها فعلٌ. (72)
* * *
= وأما قوله: " فقد احتمل بهتانًا وإثمًا مبينًا "، فإن معناه: فقد تحمل - هذا الذي رمَى بما أتى من المعصية وركب من الإثم الخطيئة، مَنْ هو بريء مما رماه به من ذلك=" بهتانًا "، وهو الفرية والكذب (73) =" وإثمًا مبينًا "، يعني وِزْرًا " مبينًا "، يعني: أنه يبين عن أمر متحمِّله وجراءته على ربه، (74) وتقدّمه على خلافه فيما نهاه عنه لمن يعرف أمرَه.
--------------------
الهوامش :
(65) انظر تفسير"خطيئة" فيما سلف 2: 110 ، 284 ، 285.
(66) في المطبوعة زيادة حذفتها ، كان الكلام: "ثم يرم به بريئًا ، يعني بالذي تعمده بريئًا ، يعني ..." وهو فساد في التفسير ، فحذفته لذلك وتابعت المخطوطة.
(67) في المطبوعة: "ثم يصف ما أتى من خطئه ..." وأثبت ما في المخطوطة ، وهو الصواب.
(68) انظر تفسير"البهتان" فيما سلف 5 : 432 / 8 : 124.
(69) انظر الأثر رقم: 10411.
(70) انظر رقم: 10412 ، 10416.
(71) الأثر: 10426 -"بدل بن المحبر بن المنبه التميمي اليربوعي" روى عن شعبة ، والخليل بن أحمد صاحب العروض ، وغيرهما. وروى عنه البخاري ، والأربعة بواسطة محمد بن بشار. ثقة.
و"بدل" بفتحتين.
(72) هذا مختصر مقالة الفراء في معاني القرآن 1 : 286 ، 287.
(73) انظر تفسير"البهتان" فيما سلف ص: 197 ، تعليق: 4.
(74) انظر تفسير"مبين" فيما سلف ص: 3 ، تعليق: 1 ، والمراجع هناك. وكان في المطبوعة: "يبين عن أمر عمله" ، والصواب من المخطوطة.
وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا (112)

( ومن يكسب خطيئة ) أي : سرقة الدرع ، ( أو إثما ) يمينه الكاذبة ، ( ثم يرم به ) أي : يقذف بما جنى ( بريئا ) منه وهو نسبة السرقة إلى اليهودي ( فقد احتمل بهتانا ) البهتان : هو البهت ، وهو الكذب الذي يتحير في عظمه ، ( وإثما مبينا ) أي : ذنبا بينا ، وقوله ( ثم يرم به ) ولم يقل بهما بعد ذكر الخطيئة والإثم ، رد الكناية إلى الإثم ، أو جعل الخطيئة والإثم كالشيء الواحد .
وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا (112)

قوله تعالى : ومن يكسب خطيئة أو إثما قيل : هما بمعنى واحد كرر لاختلاف اللفظ تأكيدا . وقال الطبري : إنما فرق بين الخطيئة والإثم أن الخطيئة تكون عن عمد وعن غير عمد ، والإثم لا يكون إلا عن عمد . وقيل : الخطيئة ما لم تتعمده خاصة كالقتل بالخطأ . وقيل : الخطيئة الصغيرة ، والإثم الكبيرة ، وهذه الآية لفظها عام يندرج تحته أهل النازلة وغيرهم .
قوله تعالى : ثم يرم به بريئا قد تقدم اسم البريء في البقرة . والهاء في به للإثم أو للخطيئة . لأن معناها الإثم ، أو لهما جميعا . وقيل : ترجع إلى الكسب . فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا تشبيه ؛ إذ الذنوب ثقل ووزر فهي كالمحمولات . وقد قال تعالى : وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم . والبهتان من البهت ، وهو أن تستقبل أخاك بأن تقذفه بذنب وهو منه بريء . وروى مسلم عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أتدرون ما الغيبة ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم ؛ قال : ذكرك أخاك بما يكره . قيل : أفرأيت إن كان في أخي ما أقول ؟ قال : إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه فقد بهته . وهذا نص ؛ فرمي البريء بهت له . يقال : بهته بهتا وبهتا وبهتانا إذا قال عليه ما لم يفعله . وهو بهات والمقول له مبهوت . ويقال : بهت الرجل ( بالكسر ) إذا دهش وتحير . وبهت ( بالضم ) مثله ، وأفصح منهما بهت ، كما قال الله تعالى : فبهت الذي كفر لأنه يقال : رجل مبهوت ولا يقال : باهت ولا بهيت ، قاله الكسائي
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features