وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَٰهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ ۖ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ ۚ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ ۚ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ ۚ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (116)

هذا أيضا مما يخاطب الله تعالى به عبده ورسوله عيسى ابن مريم ، - عليه السلام - ، قائلا له يوم القيامة بحضرة من اتخذه وأمه إلهين من دون الله : ( وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله ) ؟ وهذا تهديد للنصارى وتوبيخ وتقريع على رؤوس الأشهاد . هكذا قاله قتادة وغيره ، واستدل قتادة على ذلك بقوله تعالى : ( هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم )
وقال السدي : هذا الخطاب والجواب في الدنيا .
قال ابن جرير : هذا هو الصواب ، وكان ذلك حين رفعه الله إلى سماء الدنيا . واحتج ابن جرير على ذلك بمعنيين :
أحدهما : أن الكلام لفظ المضي .
والثاني : قوله : ( إن تعذبهم ) و ( إن تغفر لهم )
وهذان الدليلان فيهما نظر ; لأن كثيرا من أمور يوم القيامة ذكر بلفظ المضي ، ليدل على الوقوع والثبوت . ومعنى قوله : ( إن تعذبهم فإنهم عبادك ) الآية : التبري منهم ورد المشيئة فيهم إلى الله ، وتعليق ذلك على الشرط لا يقتضي وقوعه ، كما في نظائر ذلك من الآيات .
والذي قاله قتادة وغيره هو الأظهر ، والله أعلم : أن ذلك كائن يوم القيامة ، ليدل على تهديد النصارى وتقريعهم وتوبيخهم على رؤوس الأشهاد يوم القيامة . وقد روي بذلك حديث مرفوع ، رواه الحافظ ابن عساكر في ترجمة أبي عبد الله ، مولى عمر بن عبد العزيز ، وكان ثقة ، قال : سمعت أبا بردة يحدث عمر بن عبد العزيز عن أبيه أبي موسى الأشعري قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إذا كان يوم القيامة دعي بالأنبياء وأممهم ، ثم يدعى بعيسى ؛ فيذكره الله نعمته عليه ، فيقر بها ، فيقول : ( يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك ) الآية [ المائدة : 110 ] ثم يقول : ( أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله ) ؟ فينكر أن يكون قال ذلك ، فيؤتى بالنصارى فيسألون ، فيقولون : نعم ، هو أمرنا بذلك ، قال : فيطول شعر عيسى ، - عليه السلام - ، فيأخذ كل ملك من الملائكة بشعرة من شعر رأسه وجسده . فيجاثيهم بين يدي الله ، عز وجل ، مقدار ألف عام ، حتى ترفع عليهم الحجة ، ويرفع لهم الصليب ، وينطلق بهم إلى النار " ، وهذا حديث غريب عزيز .
وقوله : ( سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق ) هذا توفيق للتأدب في الجواب الكامل ، كما قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا ابن أبي عمر ، حدثنا سفيان ، عن عمرو ، عن طاوس ، عن أبي هريرة قال : يلقى عيسى حجته ، ولقاه الله في قوله : ( وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله ) ؟ قال أبو هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فلقاه الله : ( سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق ) إلى آخر الآية .
وقد رواه الثوري ، عن معمر ، عن ابن طاوس ، عن طاوس ، بنحوه .
وقوله : ( إن كنت قلته فقد علمته ) أي : إن كان صدر مني هذا فقد علمته يا رب ، فإنه لا يخفى عليك شيء مما قلته ولا أردته في نفسي ولا أضمرته ; ولهذا قال : ( تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب)
وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَٰهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ ۖ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ ۚ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ ۚ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ ۚ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (116)

{ وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ } وهذا توبيخ للنصارى الذين قالوا: إن الله ثالث ثلاثة، فيقول الله هذا الكلام لعيسى. فيتبرأ عيسى ويقول: { سُبْحَانَكَ } عن هذا الكلام القبيح، وعمّا لا يليق بك. { مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ } أي: ما ينبغي لي، ولا يليق أن أقول شيئا ليس من أوصافي ولا من حقوقي، فإنه ليس أحد من المخلوقين، لا الملائكة المقربون ولا الأنبياء المرسلون ولا غيرهم له حق ولا استحقاق لمقام الإلهية وإنما الجميع عباد، مدبرون، وخلق مسخرون، وفقراء عاجزون { إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ } فأنت أعلم بما صدر مني و { إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ } وهذا من كمال أدب المسيح عليه الصلاة والسلام في خطابه لربه، فلم يقل عليه السلام: "لم أقل شيئا من ذلك" وإنما أخبر بكلام ينفي عن نفسه أن يقول كل مقالة تنافي منصبه الشريف، وأن هذا من الأمور المحالة، ونزه ربه عن ذلك أتم تنزيه، ورد العلم إلى عالم الغيب والشهادة.
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features