فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ ۗ وَقُل لِّلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ ۚ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوا ۖ وَّإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ ۗ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (20)

ثم قال تعالى : ( فإن حاجوك ) أي : جادلوك في التوحيد ( فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعن ) أي : فقل أخلصت عبادتي لله وحده ، لا شريك له ولا ند [ له ] ولا ولد ولا صاحبة له ( ومن اتبعن ) على ديني ، يقول كمقالتي ، كما قال تعالى : ( قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني [ وسبحان الله وما أنا من المشركين ] ) [ يوسف : 108 ] .
ثم قال تعالى آمرا لعبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم أن يدعو إلى طريقته ودينه ، والدخول في شرعه وما بعثه الله به الكتابيين من الملتين والأميين من المشركين فقال : ( وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ ) أي : والله عليه حسابهم وإليه مرجعهم ومآبهم ، وهو الذي يهدي من يشاء ، ويضل من يشاء ، وله الحكمة في ذلك ، والحجة البالغة ، ولهذا قال : ( والله بصير بالعباد ) أي : هو عليم بمن يستحق الهداية ممن يستحق الضلالة ، وهو الذي ( لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ) [ الأنبياء : 33 ] وما ذاك إلا لحكمته ورحمته .
وهذه الآية وأمثالها من أصرح الدلالات على عموم بعثته ، صلوات الله وسلامه عليه ، إلى جميع الخلق ، كما هو معلوم من دينه ضرورة ، وكما دل عليه الكتاب والسنة في غير ما آية وحديث ، فمن ذلك قوله تعالى : ( قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا ) [ الأعراف : 158 ] وقال تعالى : ( تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا ) [ الفرقان : 1 ] وفي الصحيحين وغيرهما ، مما ثبت تواتره بالوقائع المتعددة ، أنه بعث كتبه صلى الله عليه وسلم يدعو إلى الله ملوك الآفاق ، وطوائف بني آدم من عربهم وعجمهم ، كتابيهم وأميهم ، امتثالا لأمر الله له بذلك . وقد روى عبد الرزاق ، عن معمر ، عن همام ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " والذي نفسي بيده ، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ، ومات ولم يؤمن بالذي أرسلت به ، إلا كان من أهل النار " رواه مسلم .
وقال صلى الله عليه وسلم : " بعثت إلى الأحمر والأسود " وقال : " كان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة " . وقال الإمام أحمد : حدثنا مؤمل ، حدثنا حماد ، حدثنا ثابت عن أنس ، رضي الله عنه : أن غلاما يهوديا كان يضع للنبي صلى الله عليه وسلم وضوءه ويناوله نعليه ، فمرض ، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم فدخل عليه وأبوه قاعد عند رأسه ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " يا فلان ، قل : لا إله إلا الله " فنظر إلى أبيه ، فسكت أبوه ، فأعاد عليه النبي صلى الله عليه وسلم ، فنظر إلى أبيه ، فقال أبوه : أطع أبا القاسم ، فقال الغلام : أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله ، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول : " الحمد لله الذي أخرجه بي من النار " أخرجه البخاري في الصحيح إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث .
فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ ۗ وَقُل لِّلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ ۚ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوا ۖ وَّإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ ۗ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (20)

ثم أمر تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم عند محاجة النصارى وغيرهم ممن يفضل غير دين الإسلام عليه أن يقول لهم: قد { أسلمت وجهي لله ومن اتبعن } أي: أنا ومن اتبعني قد أقررنا وشهدنا وأسلمنا وجوهنا لربنا، وتركنا ما سوى دين الإسلام، وجزمنا ببطلانه، ففي هذا تأييس لمن طمع فيكم، وتجديد لدينكم عند ورود الشبهات، وحجة على من اشتبه عليه الأمر، لأنه قد تقدم أن الله استشهد على توحيده بأهل العلم من عباده ليكونوا حجة على غيرهم، وسيد أهل العلم وأفضلهم وأعلمهم هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ثم من بعده أتباعه على اختلاف مراتبهم وتفاوت درجاتهم، فلهم من العلم الصحيح والعقل الرجيح ما ليس لأحد من الخلق ما يساويهم أو يقاربهم، فإذا ثبت وتقرر توحيد الله ودينه بأدلته الظاهرة، وقام به أكمل الخلق وأعلمهم، حصل بذلك اليقين وانتفى كل شك وريب وقادح، وعرف أن ما سواه من الأديان باطلة، فلهذا قال { وقل للذين أوتوا الكتاب } من النصارى واليهود { والأميين } مشركي العرب وغيرهم { أأسلمتم فإن أسلموا } أي: بمثل ما أمنتم به { فقد اهتدوا } كما اهتديتم وصاروا إخوانكم، لهم ما لكم، وعليهم ما عليكم { وإن تولوا } عن الإسلام ورضوا بالأديان التي تخالفه { فإنما عليك البلاغ } فقد وجب أجرك على ربك، وقامت عليهم الحجة، ولم يبق بعد هذا إلا مجازاتهم بالعقاب على جرمهم، فلهذا قال { والله بصير بالعباد }
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features