وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا ۚ قُلْ كَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ (43)

يقول : ويكذبك هؤلاء الكفار ويقولون : ( لست مرسلا ) أي : ما أرسلك الله ، ( قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ) أي : حسبي الله ، وهو الشاهد علي وعليكم ، شاهد علي فيما بلغت عنه من الرسالة ، وشاهد عليكم أيها المكذبون فيما تفترونه من البهتان .
وقوله : ( ومن عنده علم الكتاب ) قيل : نزلت في عبد الله بن سلام . قاله مجاهد .
وهذا القول غريب; لأن هذه الآية مكية ، وعبد الله بن سلام إنما أسلم في أول مقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة . والأظهر في هذا ما قاله العوفي ، عن ابن عباس قال : هم من اليهود والنصارى .
وقال قتادة : منهم ابن سلام ، وسلمان ، وتميم الداري .
وقال مجاهد - في رواية - عنه : هو الله تعالى .
وكان سعيد بن جبير ينكر أن يكون المراد بها عبد الله بن سلام ، ويقول : هي مكية ، وكان يقرؤها : " ومن عنده علم الكتاب " ، ويقول : من عند الله .
وكذا قرأها مجاهد والحسن البصري .
وقد روى ابن جرير من حديث ، هارون الأعور ، عن الزهري ، عن سالم ، عن ابن عمر; أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرأها : " " ومن عنده علم الكتاب " ، ثم قال : لا أصل له من حديث الزهري عند الثقات .
قلت : وقد رواه الحافظ أبو يعلى في مسنده ، من طريق هارون بن موسى هذا ، عن سليمان بن أرقم - وهو ضعيف - عن الزهري ، عن سالم ، عن أبيه مرفوعا كذلك . ولا يثبت . والله أعلم
والصحيح في هذا : أن ) ومن عنده ) اسم جنس يشمل علماء أهل الكتاب الذين يجدون صفة محمد - صلى الله عليه وسلم - ونعته في كتبهم المتقدمة ، من بشارات الأنبياء به ، كما قال تعالى : ( ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل ) الآية [ الأعراف : 156 ، 157 ] وقال تعالى : ( أولم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل ) الآية : [ الشعراء : 197 ] . وأمثال ذلك مما فيه الإخبار عن علماء بني إسرائيل : أنهم يعلمون ذلك من كتبهم المنزلة . وقد ورد في حديث الأحبار ، عن عبد الله بن سلام بأنه أسلم بمكة قبل الهجرة . قال الحافظ أبو نعيم الأصبهاني في كتاب " دلائل النبوة " ، وهو كتاب جليل :
حدثنا سليمان بن أحمد الطبراني ، حدثنا عبدان بن أحمد ، حدثنا محمد بن مصفى ، حدثنا الوليد بن مسلم ، عن محمد بن حمزة بن يوسف ، بن عبد الله بن سلام ، عن أبيه ، أن عبد الله بن سلام قال لأحبار اليهود : إني أردت أن أجدد بمسجد أبينا إبراهيم وإسماعيل عهدا فانطلق إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو بمكة ، فوافاهم وقد انصرفوا من الحج ، فوجد رسول الله ، بمنى ، والناس حوله ، فقام مع الناس ، فلما نظر إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " أنت عبد الله بن سلام ؟ " قال : قلت : نعم . قال : " ادن " . فدنوت منه ، قال : " أنشدك بالله يا عبد الله بن سلام ، أما تجدني في التوراة رسول الله ؟ " فقلت له : انعت ربنا . قال : فجاء جبريل حتى وقف بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال له : ( قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ) [ سورة الإخلاص ] فقرأها علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال ابن سلام : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأنك رسول الله . ثم انصرف ابن سلام إلى المدينة فكتم إسلامه . فلما هاجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة وأنا فوق نخلة لي أجدها ، فألقيت نفسي ، فقالت أمي : [ لله ] أنت ، لو كان موسى بن عمران ما كان لك أن تلقي نفسك من رأس النخلة . فقلت : والله لأني أسر بقدوم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من موسى بن عمران إذ بعث .
وهذا حديث غريب جدا .
آخر تفسير سورة الرعد ولله الحمد والمنة.
وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا ۚ قُلْ كَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ (43)

{ وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا } أي: يكذبونك ويكذبون ما أرسلت به، { قُلْ } لهم -إن طلبوا على ذلك شهيدا: { كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ } وشهادته بقوله وفعله وإقراره، أما قوله فبما أوحاه الله إلى أصدق خلقه مما يثبت به رسالته.
وأما فعله فلأن الله تعالى أيد رسوله ونصره نصرا خارجا عن قدرته وقدرة أصحابه وأتباعه وهذا شهادة منه له بالفعل والتأييد.
وأما إقراره، فإنه أخبر الرسول عنه أنه رسوله، وأنه أمر الناس باتباعه، فمن اتبعه فله رضوان الله وكرامته، ومن لم يتبعه فله النار والسخط وحل له ماله ودمه والله يقره على ذلك، فلو تقول عليه بعض الأقاويل لعاجله بالعقوبة.
{ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ } وهذا شامل لكل علماء أهل الكتابين، فإنهم يشهدون للرسول من آمن واتبع الحق، صرح بتلك الشهادة التي عليه، ومن كتم ذلك فإخبار الله عنه أن عنده شهادة أبلغ من خبره، ولو لم يكن عنده شهادة لرد استشهاده بالبرهان، فسكوته يدل على أن عنده شهادة مكتومة.
وإنما أمر الله باستشهاد أهل الكتاب لأنهم أهل هذا الشأن، وكل أمر إنما يستشهد فيه أهله ومن هم أعلم به من غيرهم، بخلاف من هو أجنبي عنه، كالأميين من مشركي العرب وغيرهم، فلا فائدة في استشهادهم لعدم خبرتهم ومعرفتهم والله أعلم.
تم تفسير سورة الرعد ,
والحمد لله رب العالمين.
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features