قُلْ مَن كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَٰنُ مَدًّا ۚ حَتَّىٰ إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضْعَفُ جُندًا (75)

يقول تعالى : ( قل ) يا محمد ، لهؤلاء المشركين بربهم المدعين ، أنهم على الحق وأنكم على الباطل : ( من كان في الضلالة ) أي : منا ومنكم ، ( فليمدد له الرحمن مدا ) أي : فأمهله الرحمن فيما هو فيه ، حتى يلقى ربه وينقضي أجله ، ( إما العذاب ) يصيبه ، ( وإما الساعة ) بغتة تأتيه ، ( فسيعلمون ) حينئذ ( من هو شر مكانا وأضعف جندا ) أي : في مقابلة ما احتجوا به من خيرية المقام وحسن الندي .
قال مجاهد في قوله : ( فليمدد له الرحمن مدا ) فليدعه الله في طغيانه . هكذا قرر ذلك أبو جعفر بن جرير ، رحمه الله .
وهذه مباهلة للمشركين الذين يزعمون أنهم على هدى فيما هم فيه ، كما ذكر تعالى مباهلة اليهود في قوله : ( قل يا أيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين ) [ الجمعة : 6 ] أي : ادعوا على المبطل منا ومنكم بالموت إن كنتم تدعون أنكم على الحق ، فإنه لا يضركم الدعاء ، فنكلوا عن ذلك ، وقد تقدم تقرير ذلك في سورة " البقرة " مبسوطا ، ولله الحمد . وكما ذكر تعالى المباهلة مع النصارى في سورة " آل عمران " حين صمموا على الكفر ، واستمروا على الطغيان والغلو في دعواهم أن عيسى ولد الله ، وقد ذكر الله حججه وبراهينه على عبودية عيسى ، وأنه مخلوق كآدم ، قال بعد ذلك : ( فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين ) [ آل عمران : 61 ] فنكلوا أيضا عن ذلك .
قُلْ مَن كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَٰنُ مَدًّا ۚ حَتَّىٰ إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضْعَفُ جُندًا (75)

لما ذكر دليلهم الباطل، الدال على شدة عنادهم، وقوة ضلالهم، أخبر هنا، أن من كان في الضلالة، بأن رضيها لنفسه، وسعى فيها، فإن الله يمده منها، ويزيده فيها حبا، عقوبة له على اختيارها على الهدى، قال تعالى: { فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ } { وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ }
{ حَتَّى إِذَا رَأَوْا } أي: القائلون: { أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا } { مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ } بقتل أو غيره { وَإِمَّا السَّاعَةَ } التي هي باب الجزاء على الأعمال { فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضْعَفُ جُنْدًا } أي: فحينئذ يتبين لهم بطلان دعواهم، وأنها دعوى مضمحلة، ويتيقنون أنهم أهل الشر، { وَأَضْعَفُ جُنْدًا } ولكن لا يفيدهم هذا العلم شيئا، لأنه لا يمكنهم الرجوع إلى الدنيا، فيعملون غير عملهم الأول.
قُلْ مَن كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَٰنُ مَدًّا ۚ حَتَّىٰ إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضْعَفُ جُندًا (75)

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد لهؤلاء المشركين بربهم، القائلين: إذا تتلى عليهم آياتنا، أيّ الفريقين منا ومنكم خير مقاما وأحسن نديا ، من كان منا ومنكم في الضلالة جائرا عن طريق الحقّ ، سالكا غير سبيل الهدى، فليمدد له الرحمن مدّا: يقول: فليطوَّل له الله في ضلالته، وليمله فيها إملاء.
وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله ( فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا ) فليَدعْه الله في طغيانه.
وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنى حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
وقوله ( حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ ) يقول تعالى ذكره: قل لهم: من كان منا ومنكم في الضلالة، فليمدد له الرحمن في ضلالته إلى أن يأتيهم أمر الله، إما عذاب عاجل، أو يلقوا ربهم عند قيام الساعة التي وعد الله خلقه أن يجمعهم لها، فإنهم إذا أتاهم وعد الله بأحدِ هذين الأمرين ( فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَانًا ) ومسكنا منكم ومنهم ( وَأَضْعَفُ جُنْدًا ) أهم أم انتم؟ ويتبينون حينئذ أيّ الفريقين خير مقاما، وأحسن نديا.
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features