وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ (58)

ذكر السدي ، ومحمد بن إسحاق ، وغيرهما من المفسرين : أن السبب الذي أقدم إخوة يوسف بلاد مصر ، أن يوسف ، عليه السلام ، لما باشر الوزارة بمصر ، ومضت السبع السنين المخصبة ، ثم تلتها سنين الجدب ، وعم القحط بلاد مصر بكمالها ، ووصل إلى بلاد كنعان ، وهي التي فيها يعقوب ، عليه السلام ، وأولاده . وحينئذ احتاط يوسف ، عليه السلام ، للناس في غلاتهم ، وجمعها أحسن جمع ، فحصل من ذلك مبلغ عظيم ، وأهراء متعددة هائلة ، وورد عليه الناس من سائر الأقاليم والمعاملات ، يمتارون لأنفسهم وعيالهم ، فكان لا يعطى الرجل أكثر من حمل بعير في السنة . وكان ، عليه السلام ، لا يشبع نفسه ولا يأكل هو والملك وجنودهما إلا أكلة واحدة في وسط النهار ، حتى يتكفى الناس بما في أيديهم مدة السبع سنين . وكان رحمة من الله على أهل مصر .
وما ذكره بعض المفسرين من أنه باعهم في السنة الأولى بالأموال ، وفي الثانية بالمتاع ، وفي الثالثة بكذا ، وفي الرابعة بكذا ، حتى باعهم بأنفسهم وأولادهم بعدما تملك عليهم جميع ما يملكون ، ثم أعتقهم ورد عليهم أموالهم كلها ، الله أعلم بصحة ذلك ، وهو من الإسرائيليات التي لا تصدق ولا تكذب .
والغرض أنه كان في جملة من ورد للميرة إخوة يوسف ، عن أمر أبيهم لهم في ذلك ، فإنه بلغهم أن عزيز مصر يعطي الناس الطعام بثمنه ، فأخذوا معهم بضاعة يعتاضون بها طعاما ، وركبوا عشرة نفر ، واحتبس يعقوب ، عليه السلام ، عنده بنيامين شقيق يوسف ، عليهما السلام ، وكان أحب ولده إليه بعد يوسف . فلما دخلوا على يوسف ، وهو جالس في أبهته ورياسته وسيادته ، عرفهم حين نظر إليهم ، ( وهم له منكرون ) أي : لا يعرفونه; لأنهم فارقوه وهو صغير حدث فباعوه للسيارة ، ولم يدروا أين يذهبون به ، ولا كانوا يستشعرون في أنفسهم أن يصير إلى ما صار إليه ، فلهذا لم يعرفوه ، وأما هو فعرفهم .
فذكر السدي وغيره : أنه شرع يخاطبهم ، فقال لهم كالمنكر عليهم : ما أقدمكم بلادي ؟ قالوا : أيها العزيز ، إنا قدمنا للميرة . قال : فلعلكم عيون ؟ قالوا : معاذ الله . قال : فمن أين أنتم ؟ قالوا : من بلاد كنعان ، وأبونا يعقوب نبي الله . قال : وله أولاد غيركم ؟ قالوا : نعم ، كنا اثنى عشر ، فذهب أصغرنا ، هلك في البرية ، وكان أحبنا إلى أبيه ، وبقي شقيقه فاحتبسه أبوه ليتسلى به عنه . فأمر بإنزالهم وإكرامهم .
وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ (58)

أي: لما تولى يوسف عليه السلام خزائن الأرض، دبرها أحسن تدبير، فزرع في أرض مصر جميعها في السنين الخصبة، زروعا هائلة، واتخذ لها المحلات الكبار، وجبا من الأطعمة شيئا كثيرا وحفظه، وضبطه ضبطا تاما، فلما دخلت السنون المجدبة، وسرى الجدب، حتى وصل إلى فلسطين، التي يقيم فيها يعقوب وبنوه، فأرسل يعقوب بنيه لأجل الميرة إلى مصر. { وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ } أي: لم يعرفوه.
وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ (58)

القول في تأويل قوله تعالى : وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (58)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: (وجاء إخوة يوسف فدخلوا عليه فعرفهم) ، يوسف، (وهم) ليوسف (منكرون) لا يعرفونه .
* * *
وكان سبب مجيئهم يوسفَ ، فيما ذكر لي , كما:-
19463 - حدثنا ابن حميد , قال: حدثنا سلمة , عن ابن إسحاق , قال: لما اطمأن يوسف في ملكه , وخرج من البلاء الذي كان فيه , وخلت السنون المخصبة التي كان أمرهم بالإعداد فيها للسنين التي أخبرهم بها أنها كائنة , جُهد الناس في كل وجه , وضربوا إلى مصر يلتمسون بها الميرة من كل بلدة . وكان يوسف حين رأى ما أصاب الناس من الجهد , قد آسى بينهم , (11) وكان لا يحمل للرجل إلا بعيرًا واحدًا , ولا يحمل للرجل الواحد بعيرين , تقسيطًا بين الناس , وتوسيعًا عليهم , (12) فقدم إخوته فيمن قدم عليه من الناس , يلتمسون الميرة من مصر , فعرفهم وهم له منكرون , لما أراد الله أن يبلغ ليوسف عليه السلام فيما أراد. (13)
19464- حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا عمرو , عن أسباط , عن السدي , قال: أصاب الناس الجوعُ , حتى أصاب بلادَ يعقوب التي هو بها , فبعث بنيه إلى مصر , وأمسك أخا يوسف بنيامين ; فلما دخلوا على يوسف عرفهم وهم له منكرون ; فلما نظر إليهم , قال: أخبروني ما أمركم , فإني أنكر شأنكم ! قالوا: نحن قوم من أرض الشأم . قال: فما جاء بكم قالوا: جئنا نمتار طعامًا . قال: &; 16-154 &; كذبتم , أنتم عيون، كم أنتم؟ قالوا: عشرة . قال: أنتم عشرة آلاف , كل رجل منكم أمير ألف , فأخبروني خبركم. قالوا: إنّا إخوة بنو رجل صِدِّيق , وإنا كنا اثنى عشر , وكان أبونا يحبّ أخًا لنا , وإنه ذهب معنا البرية فهلك منا فيها , وكان أحبَّنا إلى أبينا . قال: فإلى من سكن أبوكم بعده؟ قالوا: إلى أخ لنا أصغر منه . قال: فكيف تخبروني أن أباكم صدِّيق، وهو يحب الصغير منكم دون الكبير؟ ائتوني بأخيكم هذا حتى أنظر إليه فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلا تَقْرَبُونِ * قَالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ ، قال: فضعُوا بعضكم رهينة حتى ترجعوا. فوضعوا شمعون.
19465- حدثنا محمد بن عبد الأعلى , قال: حدثنا محمد بن ثور , عن معمر , عن قتادة: (وهم له منكرون) قال: لا يعرفونه.
* * *
----------------------
الهوامش:
(11) في المطبوعة :" أسا بينهم" ، والصواب من المخطوطة . و" آسى بين القوم" ، سوى بينهم ، وجعل كل واحد أسوة لصاحبه ، أي مثله .
(12) " التقسيط" التفريق ، أعطى لكل امرئ قسطًا ، وهو من العدل بينهم .
(13) في المطبوعة :" ما أراد" ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهو صواب محض .
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features