هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَن يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ ۚ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (210)

يقول تعالى مهددا للكافرين بمحمد صلوات الله وسلامه عليه : ( هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة ) يعني : يوم القيامة ، لفصل القضاء بين الأولين والآخرين ، فيجزي كل عامل بعمله ، إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر ، ولهذا قال : ( وقضي الأمر وإلى الله ترجع الأمور ) كما قال : ( كلا إذا دكت الأرض دكا دكا وجاء ربك والملك صفا صفا وجيء يومئذ بجهنم يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى ) [ الفجر : 21 23 ] ، وقال : ( هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك يوم يأتي بعض آيات ربك ) الآية [ الأنعام : 158 ] .
وقد ذكر الإمام أبو جعفر بن جرير هاهنا حديث الصور بطوله من أوله ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . وهو حديث مشهور ساقه غير واحد من أصحاب المسانيد وغيرهم ، وفيه : " أن الناس إذا اهتموا لموقفهم في العرصات تشفعوا إلى ربهم بالأنبياء واحدا واحدا ، من آدم فمن بعده ، فكلهم يحيد عنها حتى ينتهوا إلى محمد ، صلوات الله وسلامه عليه ، فإذا جاءوا إليه قال : أنا لها ، أنا لها . فيذهب فيسجد لله تحت العرش ، ويشفع عند الله في أن يأتي لفصل القضاء بين العباد ، فيشفعه الله ، ويأتي في ظلل من الغمام بعد ما تنشق السماء الدنيا ، وينزل من فيها من الملائكة ، ثم الثانية ، ثم الثالثة إلى السابعة ، وينزل حملة العرش والكروبيون ، قال : وينزل الجبار ، عز وجل ، في ظلل من الغمام والملائكة ، ولهم زجل من تسبيحهم يقولون : سبحان ذي الملك والملكوت ، سبحان رب العرش ذي الجبروت ، سبحان الحي الذي لا يموت ، سبحان الذي يميت الخلائق ولا يموت ، سبوح قدوس ، رب الملائكة والروح ، قدوس قدوس ، سبحان ربنا الأعلى ، سبحان ذي السلطان والعظمة ، سبحانه أبدا أبدا " .
وقد أورد الحافظ أبو بكر بن مردويه هاهنا أحاديث فيها غرابة والله أعلم ; فمنها ما رواه من حديث المنهال بن عمرو ، عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود ، عن مسروق ، عن ابن مسعود ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يجمع الله الأولين والآخرين لميقات يوم معلوم ، قياما شاخصة أبصارهم إلى السماء ، ينتظرون فصل القضاء ، وينزل الله في ظلل من الغمام من العرش إلى الكرسي " .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة ، حدثنا أبو بكر بن عطاء بن مقدم ، حدثنا معتمر بن سليمان ، سمعت عبد الجليل القيسي ، يحدث عن عبد الله بن عمرو : ( هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام ) الآية ، قال : يهبط حين يهبط ، وبينه وبين خلقه سبعون ألف حجاب ، منها : النور ، والظلمة ، والماء . فيصوت الماء في تلك الظلمة صوتا تنخلع له القلوب .
قال : وحدثنا أبي : حدثنا محمد بن الوزير الدمشقي ، حدثنا الوليد قال : سألت زهير بن محمد ، عن قول الله : ( هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام ) قال : ظلل من الغمام ، منظوم من الياقوت مكلل بالجوهر والزبرجد .
وقال ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( في ظلل من الغمام ) قال : هو غير السحاب ، ولم يكن قط إلا لبني إسرائيل في تيههم حين تاهوا .
وقال أبو جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية : ( هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة )
[ قال ] : يقول : والملائكة يجيئون في ظلل من الغمام ، والله تعالى يجيء فيما يشاء وهي في بعض القراءة : " هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله والملائكة في ظلل من الغمام " وهي كقوله : ( ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا ) [ الفرقان : 25 ] .
هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَن يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ ۚ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (210)

وهذا فيه من الوعيد الشديد والتهديد ما تنخلع له القلوب، يقول تعالى: هل ينتظر الساعون في الفساد في الأرض, المتبعون لخطوات الشيطان, النابذون لأمر الله إلا يوم الجزاء بالأعمال, الذي قد حشي من الأهوال والشدائد والفظائع, ما يقلقل قلوب الظالمين, ويحق به الجزاء السيئ على المفسدين. وذلك أن الله تعالى يطوي السماوات والأرض, وتنثر الكواكب, وتكور الشمس والقمر, وتنزل الملائكة الكرام, فتحيط بالخلائق, وينزل الباري [تبارك] تعالى: { فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ } ليفصل بين عباده بالقضاء العدل. فتوضع الموازين, وتنشر الدواوين, وتبيض وجوه أهل السعادة وتسود وجوه أهل الشقاوة, ويتميز أهل الخير من أهل الشر، وكل يجازى بعمله، فهنالك يعض الظالم على يديه إذا علم حقيقة ما هو عليه. وهذه الآية وما أشبهها دليل لمذهب أهل السنة والجماعة, المثبتين للصفات الاختيارية, كالاستواء, والنزول, والمجيء, ونحو ذلك من الصفات التي أخبر بها تعالى, عن نفسه, أو أخبر بها عنه رسوله صلى الله عليه وسلم، فيثبتونها على وجه يليق بجلال الله وعظمته, من غير تشبيه ولا تحريف، خلافا للمعطلة على اختلاف أنواعهم, من الجهمية, والمعتزلة, والأشعرية ونحوهم, ممن ينفي هذه الصفات, ويتأول لأجلها الآيات بتأويلات ما أنزل الله عليها من سلطان, بل حقيقتها القدح في بيان الله وبيان رسوله, والزعم بأن كلامهم هو الذي تحصل به الهداية في هذا الباب، فهؤلاء ليس معهم دليل نقلي, بل ولا دليل عقلي، أما النقلي فقد اعترفوا أن النصوص الواردة في الكتاب والسنة, ظاهرها بل صريحها, دال على مذهب أهل السنة والجماعة, وأنها تحتاج لدلالتها على مذهبهم الباطل, أن تخرج عن ظاهرها ويزاد فيها وينقص، وهذا كما ترى لا يرتضيه من في قلبه مثقال ذرة من إيمان. وأما العقل فليس في العقل ما يدل على نفي هذه الصفات، بل العقل دل على أن الفاعل أكمل من الذي لا يقدر على الفعل, وأن فعله تعالى المتعلق بنفسه والمتعلق بخلقه هو كمال، فإن زعموا أن إثباتها يدل على التشبيه بخلقه، قيل لهم: الكلام على الصفات, يتبع الكلام على الذات، فكما أن لله ذاتا لا تشبهها الذوات, فلله صفات لا تشبهها الصفات، فصفاته تبع لذاته, وصفات خلقه, تبع لذواتهم, فليس في إثباتها ما يقتضي التشبيه بوجه. ويقال أيضا, لمن أثبت بعض الصفات, ونفى بعضا, أو أثبت الأسماء دون الصفات: إما أن تثبت الجميع كما أثبته الله لنفسه, وأثبته رسوله، وإما أن تنفي الجميع, وتكون منكرا لرب العالمين، وأما إثباتك بعض ذلك, ونفيك لبعضه, فهذا تناقض، ففرق بين ما أثبته, وما نفيته, ولن تجد إلى الفرق سبيلا، فإن قلت: ما أثبته لا يقتضي تشبيها، قال لك أهل السنة: والإثبات لما نفيته لا يقتضي تشبيها، فإن قلت: لا أعقل من الذي نفيته إلا التشبيه، قال لك النفاة: ونحن لا نعقل من الذي أثبته إلا التشبيه، فما أجبت به النفاة, أجابك به أهل السنة, لما نفيته. والحاصل أن من نفى شيئا وأثبت شيئا مما دل الكتاب والسنة على إثباته, فهو متناقض, لا يثبت له دليل شرعي ولا عقلي, بل قد خالف المعقول والمنقول.
هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَن يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ ۚ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (210)

قوله تعالى : هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة وقضي الأمر وإلى الله ترجع الأمور هل ينظرون يعني التاركين الدخول في السلم ، و " هل " يراد به هنا الجحد ، أي ما ينتظرون . إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة نظرته وانتظرته بمعنى . والنظر الانتظار . وقرأ قتادة وأبو جعفر يزيد بن القعقاع والضحاك " في ظلال من الغمام " . وقرأ أبو جعفر " والملائكة " بالخفض عطفا على الغمام ، وتقديره مع الملائكة ، تقول العرب : أقبل الأمير في العسكر ، أي مع العسكر . ( ظلل ) جمع ظلة في التكسير ، كظلمة وظلم وفي التسليم ظللات ، وأنشد سيبويه : - للشاعر الجعدي -
إذا الوحش ضم الوحش في ظللاتها سواقط من حر وقد كان أظهرا
وظلات وظلال ، جمع ظل في الكثير ، والقليل أظلال . ويجوز أن يكون ظلال جمع ظلة ، مثل قوله : قلة وقلال ، كما قال الشاعر :
ممزوجة بماء القلال
قال الأخفش سعيد : و " الملائكة " بالخفض بمعنى وفي الملائكة . قال : والرفع أجود ، كما قال : هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة ، وجاء ربك والملك صفا صفا . قال الفراء : وفي قراءة عبد الله : " هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله والملائكة في ظلل من الغمام " . قال قتادة : " الملائكة " يعني تأتيهم لقبض أرواحهم ، ويقال يوم القيامة ، وهو أظهر . قال أبو العالية والربيع : تأتيهم الملائكة في ظلل من الغمام ، ويأتيهم الله فيما شاء . وقال الزجاج : التقدير في ظلل من الغمام ومن الملائكة . وقيل : ليس الكلام على ظاهره في حقه سبحانه ، وإنما المعنى يأتيهم أمر الله وحكمه . وقيل : أي بما وعدهم من الحساب والعذاب في ظلل ، مثل : فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا ؛ أي بخذلانه إياهم ، هذا قول الزجاج ، والأول قول الأخفش سعيد . وقد يحتمل أن يكون معنى الإتيان راجعا إلى الجزاء ، فسمى الجزاء إتيانا كما سمى التخويف والتعذيب في قصة نمروذ إتيانا فقال : فأتى الله بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم . وقال في قصة النضير : فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب ، وقال : وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها . وإنما احتمل الإتيان هذه المعاني لأن أصل الإتيان عند أهل اللغة هو القصد إلى الشيء ، فمعنى الآية : هل ينظرون إلا أن يظهر الله تعالى فعلا من الأفعال مع خلق من خلقه يقصد إلى مجازاتهم ويقضي في أمرهم ما هو قاض ، وكما أنه سبحانه أحدث فعلا سماه نزولا واستواء كذلك يحدث فعلا يسميه إتيانا ، وأفعاله بلا آلة ولا علة ، سبحانه! وقال ابن عباس في رواية أبي صالح : هذا من المكتوم الذي لا يفسر . وقد سكت بعضهم عن تأويلها ، وتأولها بعضهم كما ذكرنا . وقيل : الفاء بمعنى الباء ، أي يأتيهم بظلل ، ومنه الحديث : يأتيهم الله في صورة أي بصورة امتحانا لهم ولا يجوز أن يحمل هذا وما أشبهه مما جاء في القرآن والخبر على وجه الانتقال والحركة والزوال ؛ لأن ذلك من صفات الأجرام والأجسام ، تعالى الله الكبير المتعال ، ذو الجلال والإكرام عن مماثلة الأجسام علوا كبيرا . " والغمام " : السحاب الرقيق الأبيض ، سمي بذلك لأنه يغم ، أي يستر ، كما تقدم . وقرأ معاذ بن جبل : " وقضاء الأمر " . وقرأ يحيى بن يعمر " وقضي الأمور " بالجمع . والجمهور وقضي الأمر فالمعنى وقع الجزاء وعذب أهل العصيان . وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي " ترجع الأمور " على بناء الفعل للفاعل ، وهو الأصل ، دليله ألا إلى الله تصير الأمور ، إلى الله مرجعكم . وقرأ الباقون ترجع على بنائه للمفعول ، وهي أيضا قراءة حسنة ، دليله ثم تردون ، ثم ردوا إلى الله ، ولئن رددت إلى ربي . والقراءتان حسنتان بمعنى ، والأصل الأولى ، وبناؤه للمفعول توسع وفرع ، والأمور كلها راجعة إلى الله قبل وبعد . وإنما نبه بذكر ذلك في يوم القيامة على زوال ما كان منها إلى الملوك في الدنيا .
هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَن يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ ۚ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (210)

قوله تعالى ( هل ينظرون ) أي هل ينظر التاركون الدخول في السلم والمتبعون خطوات الشيطان يقال : نظرته وانتظرته بمعنى واحد فإذا كان النظر مقرونا بذكر الله أو بذكر الوجه أو إلى لم يكن إلا بمعنى الرؤية ( إلا أن يأتيهم الله في ظلل ) جمع ظلة ( من الغمام ) السحاب الأبيض الرقيق سمي غماما لأنه يغم أي يستر وقال مجاهد : هو غير السحاب ولم يكن إلا لبني إسرائيل في تيههم : قال مقاتل : كهيئة الضباب أبيض قال الحسن : في سترة من الغمام فلا ينظر [ إليه ] أهل الأرض ) ( والملائكة ) قرأ أبو جعفر بالخفض عطفا على الغمام تقديره : مع الملائكة تقول العرب : أقبل الأمير في العسكر أي مع العسكر وقرأ الباقون بالرفع على معنى : إلا أن يأتيهم الله والملائكة في ظلل من الغمام والأولى في هذه الآية وما شاكلها أن يؤمن الإنسان بظاهرها ويكل علمها إلى الله تعالى ويعتقد أن الله عز اسمه منزه عن سمات الحدث على ذلك مضت أئمة السلف وعلماء السنة .
قال الكلبي : هذا من المكتوم الذي لا يفسر وكان مكحول والزهري والأوزاعي ومالك وابن المبارك وسفيان الثوري والليث بن سعد وأحمد وإسحاق يقولون فيها وفي أمثالها : أمروها كما جاءت بلا كيف قال سفيان بن عيينة : كل ما وصف الله به نفسه في كتابه فتفسيره قراءته والسكوت عليه ليس لأحد أن يفسره إلا الله تعالى ورسوله .
قوله تعالى : ( وقضي الأمر ) أي وجب العذاب وفرغ من الحساب وذلك فصل ) ( الله ) القضاء بالحق بين الخلق يوم القيامة ( وإلى الله ترجع الأمور ) قرأ ابن عامر وحمزة والكسائي ويعقوب بفتح التاء وكسر الجيم وقرأ الباقون بضم التاء وفتح الجيم .
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features