وَمِن قَوْمِ مُوسَىٰ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (159)

يقول تعالى مخبرا عن بني إسرائيل أن منهم طائفة يتبعون الحق ويعدلون به ، كما قال تعالى : ( من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون ) [ آل عمران : 113 ] ، وقال تعالى : ( وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا أولئك لهم أجرهم عند ربهم إن الله سريع الحساب ) [ آل عمران : 199 ] ، وقال تعالى : ( الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا [ ويدرءون بالحسنة السيئة ومما رزقناهم ينفقون ] ) [ القصص : 52 - 54 ] ، وقال تعالى : ( الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به ) الآية [ البقرة : 121 ] ، وقال تعالى : ( إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا ) [ الإسراء : 107 - 109 ]
وقد ذكر ابن جرير في تفسيرها خبرا عجيبا ، فقال : حدثنا القاسم ، حدثنا الحسين ، حدثنا حجاج ، عن ابن جريج قوله : ( ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون ) قال : بلغني أن بني إسرائيل لما قتلوا أنبياءهم ، وكفروا - وكانوا اثني عشر سبطا - تبرأ سبط منهم مما صنعوا ، واعتذروا ، وسألوا الله ، عز وجل ، أن يفرق بينهم وبينهم ، ففتح الله لهم نفقا في الأرض ، فساروا فيه حتى خرجوا من وراء الصين ، فهم هنالك حنفاء مسلمين يستقبلون قبلتنا . قال ابن جريج : قال ابن عباس : فذلك قوله : ( وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا ) [ الإسراء : 104 ] و " وعد الآخرة " : عيسى ابن مريم - قال ابن جريج : قال ابن عباس : ساروا في السرب سنة ونصفا .
وقال ابن عيينة ، عن صدقة أبي الهذيل ، عن السدي : ( ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون ) قال : قوم بينكم وبينهم نهر من شهد
وَمِن قَوْمِ مُوسَىٰ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (159)

وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ أي: جماعة يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ أي: يهدون به الناس في تعليمهم إياهم وفتواهم لهم، ويعدلون به بينهم في الحكم بينهم، بقضاياهم، كما قال تعالى: وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ وفي هذا فضيلة لأمة موسى عليه الصلاة والسلام، وأن اللّه تعالى جعل منهم هداة يهدون بأمره. وكأن الإتيان بهذه الآية الكريمة فيه نوع احتراز مما تقدم، فإنه تعالى ذكر فيما تقدم جملة من معايب بني إسرائيل، المنافية للكمال المناقضة للهداية، فربما توهم متوهم أن هذا يعم جميعهم، فذكر تعالى أن منهم طائفة مستقيمة هادية مهدية.
وَمِن قَوْمِ مُوسَىٰ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (159)

قوله - عز وجل - : ( ومن قوم موسى ) يعني : بني إسرائيل ( أمة ) أي : جماعة ، ( يهدون بالحق ) أي : يرشدون ويدعون إلى الحق . وقيل : معناه يهتدون ويستقيمون عليه ، ( وبه يعدلون ) أي : بالحق يحكمون وبالعدل يقومون . قال الكلبي والضحاك والربيع : هم قوم خلف الصين ، بأقصى الشرق على نهر يجري الرمل يسمى نهر أوداف ، ليس لأحد منهم مال دون صاحبه ، يمطرون بالليل ويصحون بالنهار ، ويزرعون حتى لا يصل إليهم منا أحد ، وهم على الحق .
وذكر : أن جبرائيل عليه السلام ذهب بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ليلة أسري به ، فكلمهم فقال لهم جبريل : هل تعرفون من تكلمون؟ قالوا : لا فقال لهم : هذا محمد النبي الأمي فآمنوا به فقالوا : يا رسول الله إن موسى عليه السلام أوصانا أن من أدرك منكم أحمد فليقرأ عليه منا السلام ، فرد النبي - صلى الله عليه وسلم - على موسى وعليهم ، ثم أقرأهم عشر سور من القرآن أنزلت بمكة ، وأمرهم بالصلاة والزكاة ، وأمرهم أن يقيموا مكانهم ، وكانوا يسبتون ، فأمرهم أن يجمعوا ويتركوا السبت .
وقيل : هم الذين أسلموا من اليهود في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - . والأول أصح .
وَمِن قَوْمِ مُوسَىٰ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (159)

قوله تعالى ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون أي يدعون الناس إلى الهداية . و يعدلون معناه في الحكم . وفي التفسير : إن هؤلاء قوم من وراء الصين ، من وراء نهر الرمل ، يعبدون الله بالحق والعدل ، آمنوا بمحمد وتركوا السبت ، يستقبلون قبلتنا ، لا يصل إلينا منهم أحد ، ولا منا إليهم أحد . فروي أنه لما وقع الاختلاف بعد موسى كانت منهم أمة يهدون بالحق ، ولم يقدروا أن يكونوا بين ظهراني بني إسرائيل حتى أخرجهم الله إلى ناحية من أرضه في عزلة من الخلق ، فصار لهم سرب في الأرض ، فمشوا فيه سنة ونصف سنة حتى خرجوا وراء الصين ; فهم على الحق إلى الآن . وبين الناس وبينهم بحر لا يوصل إليهم بسببه . ذهب جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم إليهم ليلة المعراج فآمنوا به وعلمهم سورا من القرآن وقال لهم : هل لكم مكيال وميزان ؟ قالوا : لا ، قال : فمن أين معاشكم ؟ قالوا : نخرج إلى البرية فنزرع ، فإذا حصدنا وضعناه هناك ، فإذا احتاج أحدنا إليه يأخذ حاجته . قال : فأين نساؤكم ؟ قالوا : في ناحية منا ، فإذا احتاج أحدنا لزوجته صار إليها في وقت الحاجة . قال : فيكذب أحدكم في حديثه ؟ قالوا : لو فعل ذلك أحدنا أخذته لظى ، إن النار تنزل فتحرقه . قال : فما بال بيوتكم مستوية ؟ قالوا لئلا يعلو بعضنا على بعض . قال : فما بال قبوركم على أبوابكم ؟ قالوا : لئلا نغفل عن ذكر الموت . ثم لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الدنيا ليلة الإسراء أنزل عليه : وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون يعني أمة محمد عليه السلام . يعلمه أن الذي أعطيت موسى في قومه أعطيتك في أمتك . وقيل : هم الذين آمنوا بنبينا محمد عليه السلام من أهل الكتاب . وقيل : هم قوم من بني إسرائيل تمسكوا بشرع موسى قبل نسخه ، ولم يبدلوا ولم يقتلوا الأنبياء .
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features