قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىٰ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ (22)

أي : اعتذروا بأن في هذه البلدة - التي أمرتنا بدخولها وقتال أهلها - قوما جبارين ، أي : ذوي خلق هائلة ، وقوى شديدة ، وإنا لا نقدر على مقاومتهم ولا مصاولتهم ، ولا يمكننا الدخول إليها ما داموا فيها ، فإن يخرجوا منها دخلناها وإلا فلا طاقة لنا بهم .
وقد قال ابن جرير : حدثني عبد الكريم بن الهيثم حدثنا إبراهيم بن بشار حدثنا سفيان قال : قال أبو سعيد قال عكرمة عن ابن عباس قال : أمر موسى أن يدخل مدينة الجبارين . قال : فسار موسى بمن معه حتى نزل قريبا من المدينة - وهي أريحا - فبعث إليهم اثني عشر عينا ، من كل سبط منهم عين ، ليأتوه بخبر القوم . قال : فدخلوا المدينة فرأوا أمرا عظيما من هيئتهم وجثثهم وعظمهم ، فدخلوا حائطا لبعضهم ، فجاء صاحب الحائط ليجتني الثمار من حائطه ، فجعل يجتني الثمار . وينظر إلى آثارهم ، فتتبعهم فكلما أصاب واحدا منهم أخذه فجعله في كمه مع الفاكهة ، حتى التقط الاثني عشر كلهم ، فجعلهم في كمه مع الفاكهة ، وذهب إلى ملكهم فنثرهم بين يديه فقال لهم الملك : قد رأيتم شأننا وأمرنا ، فاذهبوا فأخبروا صاحبكم . قال : فرجعوا إلى موسى فأخبروه بما عاينوا من أمرهم .
وفي هذا الإسناد نظر .
وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : لما نزل موسى وقومه ، بعث منهم اثني عشر رجلا - وهم النقباء الذين ذكر الله ، فبعثهم ليأتوه بخبرهم ، فساروا ، فلقيهم رجل من الجبارين ، فجعلهم في كسائه ، فحملهم حتى أتى بهم المدينة ، ونادى في قومه فاجتمعوا إليه ، فقالوا : من أنتم؟ قالوا : نحن قوم موسى ، بعثنا نأتيه بخبركم . فأعطوهم حبة من عنب تكفي الرجل ، فقالوا لهم : اذهبوا إلى موسى وقومه فقولوا لهم : اقدروا قدر فاكهتهم فلما أتوهم قالوا : يا موسى ( فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون )
رواه ابن أبي حاتم ثم قال : حدثنا أبي ، حدثنا ابن أبي مريم حدثنا يحيى بن أيوب عن يزيد بن الهاد حدثني يحيى بن عبد الرحمن قال : رأيت أنس بن مالك أخذ عصا ، فذرع فيها بشيء ، لا أدري كم ذرع ، ثم قاس بها في الأرض خمسين أو خمسا وخمسين ، ثم قال : هكذا طول العماليق .
وقد ذكر كثير من المفسرين هاهنا أخبارا من وضع بني إسرائيل في عظمة خلق هؤلاء الجبارين ، وأنه كان فيهم عوج بن عنق بنت آدم عليه السلام ، وأنه كان طوله ثلاثة آلاف ذراع وثلاثمائة وثلاثة وثلاثون ذراعا وثلث ذراع ، تحرير الحساب ! وهذا شيء يستحى من ذكره . ثم هو مخالف لما ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله [ تعالى ] خلق آدم وطوله ستون ذراعا ، ثم لم يزل الخلق ينقص حتى الآن " .
ثم قد ذكروا أن هذا الرجل كان كافرا ، وأنه كان ولد زنية ، وأنه امتنع من ركوب السفينة ، وأن الطوفان لم يصل إلى ركبته وهذا كذب وافتراء ، فإن الله ذكر أن نوحا دعا على أهل الأرض من الكافرين ، فقال ( رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا ) [ نوح : 26 ] وقال تعالى : ( فأنجيناه ومن معه في الفلك المشحون ثم أغرقنا بعد الباقين ) [ الشعراء : 119 - 120 ] وقال تعالى : [ قال ] ( لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم ) [ هود : 43 ] وإذا كان ابن نوح الكافر غرق ، فكيف يبقى عوج بن عنق وهو كافر وولد زنية؟! هذا لا يسوغ في عقل ولا شرع . ثم في وجود رجل يقال له : " عوج بن عنق نظر والله أعلم.
قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىٰ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ (22)

قوله تعالى : قالوا ياموسى إن فيها قوما جبارين أي : عظام الأجسام طوال ، وقد تقدم ; يقال : نخلة جبارة أي : طويلة ، والجبار المتعظم الممتنع من الذل والفقر . وقال الزجاج : الجبار من الآدميين العاتي ، وهو الذي يجبر الناس على ما يريد ; فأصله على هذا من الإجبار وهو الإكراه ; فإنه يجبر غيره على ما يريده ; وأجبره أي : أكرهه . وقيل : هو مأخوذ من جبر العظم ; فأصل الجبار على هذا المصلح أمر نفسه ، ثم استعمل في كل من جر لنفسه نفعا بحق أو باطل ، وقيل : إن جبر العظم راجع إلى معنى الإكراه . قال الفراء : لم أسمع فعالا من أفعل إلا في حرفين ; جبار من أجبر ودراك من أدرك . ثم قيل : كان هؤلاء من بقايا عاد ، وقيل : هم من ولد عيصوا بن إسحاق ، وكانوا من الروم ، وكان معهم عوج الأعنق ، وكان طوله ثلاثة آلاف ذراع وثلثمائة وثلاثة وثلاثين ذراعا ; قاله ابن عمر ، وكان يحتجن السحاب أي : يجذبه بمحجنه ويشرب منه ، ويتناول الحوت من قاع البحر فيشويه بعين الشمس يرفعه إليها ثم يأكله ، وحضر طوفان نوح عليه السلام ولم يجاوز ركبتيه وكان عمره ثلاثة آلاف وستمائة سنة ، وأنه قلع صخرة على قدر عسكر موسى ليرضخهم بها ، فبعث الله طائرا فنقرها ووقعت في عنقه فصرعته ، وأقبل موسى عليه السلام وطوله عشرة أذرع ; وعصاه عشرة أذرع وترقى في السماء عشرة أذرع فما أصاب إلا كعبه وهو مصروع فقتله ، وقيل : بل ضربه في العرق الذي تحت كعبه فصرعه فمات ووقع على نيل مصر فجسرهم سنة . ذكر هذا المعنى باختلاف ألفاظ محمد بن إسحاق والطبري ومكي وغيرهم ، وقال الكلبي : عوج من ولد هاروت وماروت حيث وقعا بالمرأة فحملت ، والله أعلم .
قوله تعالى : إنا لن ندخلها يعني البلدة إيلياء ، ويقال : أريحاء حتى يخرجوا منها أي : حتى يسلموها لنا من غير قتال ، وقيل : قالوا ذلك خوفا من الجبارين ولم يقصدوا العصيان ; فإنهم قالوا :فإن يخرجوا منها فإنا داخلون
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features