قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا ۖ فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ ۖ إِنَّمَا تَقْضِي هَٰذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (72)

( قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات ) أي : لن نختارك على ما حصل لنا من الهدى واليقين . ( والذي فطرنا ) يحتمل أن يكون قسما ، ويحتمل أن يكون معطوفا على البينات .
يعنون : لا نختارك على فاطرنا وخالقنا الذي أنشأنا من العدم ، المبتدئ خلقنا من الطين ، فهو المستحق للعبادة والخضوع لا أنت .
( فاقض ما أنت قاض ) أي : فافعل ما شئت وما وصلت إليه يدك ، ( إنما تقضي هذه الحياة الدنيا ) أي : إنما لك تسلط في هذه الدار ، وهي دار الزوال ونحن قد رغبنا في دار القرار .
قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا ۖ فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ ۖ إِنَّمَا تَقْضِي هَٰذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (72)

قوله تعالى : قالوا يعني السحرة لن نؤثرك أي لن نختارك على ما جاءنا من البينات قال ابن عباس : يريد من اليقين والعلم . وقال عكرمة وغيره : لما سجدوا أراهم الله في سجودهم منازلهم في الجنة ؛ فلهذا قالوا لن نؤثرك . وكانت امرأة فرعون تسأل من غلب ، فقيل لها : غلب موسى وهارون ؛ فقالت : آمنت برب موسى وهارون . فأرسل إليها فرعون فقال : انظروا أعظم صخرة فإن مضت على قولها فألقوها عليها ؛ فلما أتوها رفعت بصرها إلى السماء فأبصرت منزلها في الجنة ، فمضت على قولها فانتزع روحها ، وألقيت الصخرة على جسدها وليس في جسدها روح . وقيل : قال مقدم السحرة لمن يثق به لما رأى من عصا موسى ما رأى : انظر إلى هذه الحية هل تخوفت فتكون جنيا أو لم تتخوف فهي من صنعة الصانع الذي لا يعزب عليه مصنوع ؛ فقال : ما تخوفت ؛ فقال : آمنت برب هارون وموسى .
والذي فطرنا قيل : هو معطوف على ما جاءنا من البينات أي لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات ولا على الذي فطرنا أي خلقنا . وقيل : هو قسم أي والله لن نؤثرك . فاقض ما أنت قاض التقدير ما أنت قاضيه . وليست ما هاهنا التي تكون مع الفعل بمنزلة المصدر ؛ لأن تلك توصل بالأفعال ، وهذه موصولة بابتداء وخبر . قال ابن عباس : فاصنع ما أنت صانع . وقيل : فاحكم ما أنت حاكم ؛ أي من القطع والصلب . وحذفت الياء من قاض في الوصل لسكونها وسكون التنوين . واختار سيبويه إثباتها في الوقف لأنه قد زالت علة الساكنين . إنما تقضي هذه الحياة الدنيا أي إنما ينفذ أمرك فيها . وهي منصوبة على الظرف ، والمعنى : إنما تقضي في متاع هذه الحياة الدنيا . أو وقت هذه الحياة الدنيا ، فتقدر حذف المفعول . ويجوز أن يكون التقدير : إنما تقضي أمور هذه الحياة الدنيا ، فتنتصب انتصاب المفعول وما كافة لإن . وأجاز الفراء الرفع على أن تجعل ما بمعنى الذي وتحذف الهاء من تقضي ورفعت هذه الحياة الدنيا .
قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا ۖ فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ ۖ إِنَّمَا تَقْضِي هَٰذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (72)

القول في تأويل قوله تعالى : قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (72)
يقول تعالى ذكره: قالت السحرة لفرعون لما توعدهم بما توعدهم به ( لَنْ نُؤْثِرَكَ ) فنتبعك ونكذب من أجلك موسى ( عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ ) يعني من الحجج والأدلة على حقيقة ما دعاهم إليه موسى ( وَالَّذِي فَطَرَنَا ) يقول: قالوا: لن نؤثرك على الذي جاءنا من البينات، وعلى الذي فطرنا، ويعني بقوله (فَطَرَنا) خلقنا، فالذي من قوله ( وَالَّذِي فَطَرَنَا ) خفض على قوله ( مَا جَاءَنَا ) وقد يحتمل أن يكون قوله ( وَالَّذِي فَطَرَنَا ) خفضا على القسم، فيكون معنى الكلام: لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والله، وقوله ( فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ ) يقول: فاصنع ما أنت صانع، واعمل بنا ما بدا لك ( إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ) يقول: إنما تقدر أن تعذّبنا في هذه الحياة الدنيا التي تفنى، ونصب الحياة الدنيا على الوقت وجعلت إنما حرفا واحدا.
وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: حُدثت عن وهب بن منبه ( لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا ) أي على الله على ما جاءنا من الحجج مع بينة ( فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ ) أي اصنع ما بدا لك ( إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ) أي ليس لك سلطان إلا فيها، ثم لا سلطان لك بعده.
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features