أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ ۖ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا ۗ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (96)

قال ابن أبي طلحة ، عن ابن عباس - في رواية عنه - وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير ، وغيرهم في قوله : يعني : ما يصطاد منه طريا ) وطعامه ) ما يتزود منه مليحا يابسا .
وقال ابن عباس في الرواية المشهورة عنه : صيده ما أخذ منه حيا ) وطعامه ) ما لفظه ميتا .
وهكذا روي عن أبي بكر الصديق وزيد بن ثابت وعبد الله بن عمرو وأبي أيوب الأنصاري ، رضي الله عنهم . وعكرمة وأبي سلمة بن عبد الرحمن وإبراهيم النخعي والحسن البصري .
قال سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن عكرمة ، عن أبي بكر الصديق أنه قال : ( وطعامه ) كل ما فيه . رواه ابن جرير وابن أبي حاتم .
وقال ابن جرير : حدثنا ابن حميد ، حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن سماك قال : حدثت عن ابن عباس قال : خطب أبو بكر الناس فقال : ( أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم ) وطعامه ما قذف .
قال : وحدثنا يعقوب ، حدثنا ابن علية ، عن سليمان التيمي ، عن أبي مجلز ، عن ابن عباس في قوله : ( أحل لكم صيد البحر وطعامه ) قال ) وطعامه ) ما قذف .
وقال عكرمة ، عن ابن عباس قال : ( وطعامه ) ما لفظ من ميتة . ورواه ابن جرير أيضا .
وقال سعيد بن المسيب : طعامه ما لفظه حيا ، أو حسر عنه فمات . رواه ابن أبي حاتم .
وقال ابن جرير : حدثنا ابن بشار ، حدثنا عبد الوهاب ، حدثنا أيوب ، عن نافع أن عبد الرحمن بن أبي هريرة سأل ابن عمر فقال : إن البحر قد قذف حيتانا كثيرا ميتا أفنأكله؟ فقال : لا تأكلوه . فلما رجع عبد الله إلى أهله أخذ المصحف فقرأ سورة المائدة ، فأتى هذه الآية ( وطعامه متاعا لكم وللسيارة ) فقال : اذهب فقل له فليأكله ، فإنه طعامه .
وهكذا اختار ابن جرير أن المراد بطعامه ما مات فيه ، قال : وقد روي في ذلك خبر ، وإن بعضهم يرويه موقوفا .
حدثنا هناد بن السري قال : حدثنا عبدة بن سليمان ، عن محمد بن عمرو ، حدثنا أبو سلمة ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم ) قال : طعامه ما لفظه ميتا " .
ثم قال : وقد وقف بعضهم هذا الحديث على أبي هريرة :
حدثنا هناد ، حدثنا ابن أبي زائدة ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة في قوله : ( أحل لكم صيد البحر وطعامه ) قال : طعامه : ما لفظه ميتا .
وقوله : ( متاعا لكم وللسيارة ) أي : منفعة وقوتا لكم أيها المخاطبون ) وللسيارة ) وهو جمع سيار . قال عكرمة : لمن كان بحضرة البحر ، وللسيارة : السفر .
وقال غيره : الطري منه لمن يصطاده من حاضرة البحر ، و ) طعامه ) ما مات فيه أو اصطيد منه وملح وقدد زادا للمسافرين والنائين عن البحر .
وقد روي نحوه عن ابن عباس ومجاهد والسدي وغيرهم . وقد استدل جمهور العلماء على حل ميتة البحر بهذه الآية الكريمة ، وبما رواه الإمام مالك بن أنس ، عن وهب بن كيسان ، عن جابر بن عبد الله قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثا قبل الساحل ، فأمر عليهم أبا عبيدة بن الجراح ، وهم ثلاثمائة ، قال : وأنا فيهم . قال : فخرجنا ، حتى إذا كنا ببعض الطريق فني الزاد ، فأمر أبو عبيدة بأزواد ذلك الجيش ، فجمع ذلك كله ، فكان مزودي تمر ، قال : فكان يقوتنا كل يوم قليلا قليلا حتى فني ، فلم يكن يصيبنا إلا تمرة تمرة . فقلت : وما تغني تمرة؟ فقال : فقد وجدنا فقدها حين فنيت ، قال : ثم انتهينا إلى البحر ، فإذا حوت مثل الظرب ، فأكل منه ذلك الجيش ثماني عشرة ليلة . ثم أمر أبو عبيدة بضلعين من أضلاعه فنصبا ، ثم أمر براحلة فرحلت ، ومرت تحتهما فلم تصبهما .
وهذا الحديث مخرج في الصحيحين وله طرق عن جابر .
وفي صحيح مسلم من رواية أبي الزبير ، عن جابر : فإذا على ساحل البحر مثل الكثيب الضخم ، فأتيناه فإذا بدابة يقال لها : العنبر قال : قال أبو عبيدة : ميتة ، ثم قال : لا نحن رسل رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي سبيل الله ، وقد اضطررتم فكلوا قال : فأقمنا عليه شهرا ونحن ثلاثمائة حتى سمنا . ولقد رأيتنا نغترف من وقب عينه بالقلال الدهن ، ونقتطع منه الفدر كالثور ، أو : كقدر الثور ، قال : ولقد أخذ منا أبو عبيدة ثلاثة عشر رجلا فأقعدهم في وقب عينه ، وأخذ ضلعا من أضلاعه فأقامها ، ثم رحل أعظم بعير معنا فمر من تحتها ، وتزودنا من لحمه وشائق . فلما قدمنا المدينة أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم . فذكرنا ذلك له ، فقال : " هو رزق أخرجه الله لكم ، هل معكم من لحمه شيء فتطعمونا؟ " قال : فأرسلنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منه فأكله . وفي بعض روايات مسلم : أنهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم حين وجدوا هذه السمكة . فقال بعضهم : هي واقعة أخرى ، وقال بعضهم : بل هي قضية واحدة ، ولكن كانوا أولا مع النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم بعثهم سرية مع أبي عبيدة ، فوجدوا هذه في سريتهم تلك مع أبي عبيدة ، والله أعلم .
وقال مالك ، عن صفوان بن سليم ، عن سعيد بن سلمة - من آل ابن الأزرق : أن المغيرة بن أبي بردة - وهو من بني عبد الدار - أخبره ، أنه سمع أبا هريرة يقول : سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، إنا نركب البحر ، ونحمل معنا القليل من الماء ، فإن توضأنا به عطشنا ، أفنتوضأ بماء البحر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هو الطهور ماؤه الحل ميتته " .
وقد روى هذا الحديث الإمامان الشافعي وأحمد بن حنبل ، وأهل السنن الأربعة ، وصححه البخاري والترمذي وابن خزيمة وابن حبان ، وغيرهم . وقد روي عن جماعة من الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه .
وقد روى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه ، من طرق ، عن حماد بن سلمة : حدثنا أبو المهزم - هو يزيد بن سفيان - سمعت أبا هريرة يقول : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حج - أو عمرة - فاستقبلنا رجل جراد ، فجعلنا نضربهن بعصينا وسياطنا فنقتلهن ، فأسقط في أيدينا ، فقلنا : ما نصنع ونحن محرمون؟ فسألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " لا بأس بصيد البحر "
أبو المهزم ضعيف ، والله أعلم .
وقال ابن ماجه : حدثنا هارون بن عبد الله الحمال ، حدثنا هاشم بن القاسم ، حدثنا زياد بن عبد الله عن علاثة ، عن موسى بن محمد بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن جابر وأنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دعا على الجراد قال : " اللهم أهلك كباره ، واقتل صغاره ، وأفسد بيضه ، واقطع دابره ، وخذ بأفواهه عن معايشنا وأرزاقنا ، إنك سميع الدعاء " . فقال خالد : يا رسول الله ، كيف تدعو على جند من أجناد الله بقطع دابره؟ فقال : " إن الجراد نثرة الحوت في البحر " . قال هاشم : قال زياد : فحدثني من رأى الحوت ينثره . تفرد به ابن ماجه .
وقد روى الشافعي ، عن سعيد ، عن ابن جريج ، عن عطاء ، عن ابن عباس : أنه أنكر على من يصيد الجراد في الحرم .
وقد احتج بهذه الآية الكريمة من ذهب من الفقهاء إلى أنه تؤكل دواب البحر ، ولم يستثن من ذلك شيئا . وقد تقدم عن الصديق أنه قال : ( طعامه ) كل ما فيه .
وقد استثنى بعضهم الضفادع وأباح ما سواها ; لما رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي من رواية ابن أبي ذئب ، عن سعيد بن خالد ، عن سعيد بن المسيب ، عن عبد الرحمن بن عثمان التيمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " نهى عن قتل الضفدع " .
وللنسائي ، عن عبد الله بن عمرو قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل الضفدع ، وقال : نقيقها تسبيح .
وقال آخرون : يؤكل من صيد البحر السمك ، ولا يؤكل الضفدع . واختلفوا فيما سواهما ، فقيل : يؤكل سائر ذلك ، وقيل : لا يؤكل . وقيل : ما أكل شبهه من البر أكل مثله في البحر ، وما لا يؤكل شبهه لا يؤكل . وهذه كلها وجوه في مذهب الشافعي ، رحمه الله .
قال أبو حنيفة ، رحمه الله : لا يؤكل ما مات في البحر ، كما لا يؤكل ما مات في البر ; لعموم قوله : ( حرمت عليكم الميتة ) [ المائدة : 3 ] .
وقد ورد حديث بنحو ذلك ، فقال ابن مردويه :
حدثنا عبد الباقي - هو ابن قانع - حدثنا الحسين بن إسحاق التستري وعبد الله بن موسى بن أبي عثمان قالا : حدثنا الحسين بن زيد الطحان ، حدثنا حفص بن غياث ، عن ابن أبي ذئب ، عن أبي الزبير ، عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما صدتموه وهو حي فمات فكلوه ، وما ألقى البحر ميتا طافيا فلا تأكلوه " .
ثم رواه من طريق إسماعيل بن أمية ويحيى بن أبي أنيسة ، عن أبي الزبير ، عن جابر به . وهو منكر .
وقد احتج الجمهور من أصحاب مالك والشافعي وأحمد بن حنبل ، بحديث " العنبر " المتقدم ذكره ، وبحديث : " هو الطهور ماؤه الحل ميتته " ، وقد تقدم أيضا .
وروى الإمام أبو عبد الله الشافعي ، عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أحلت لنا ميتتان ودمان ، فأما الميتتان فالحوت والجراد ، وأما الدمان فالكبد والطحال " .
ورواه أحمد وابن ماجه والدارقطني والبيهقي . وله شواهد ، وروي موقوفا ، والله أعلم .
وقوله : ( وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما ) أي : في حال إحرامكم يحرم عليكم الاصطياد . ففيه دلالة على تحريم ذلك فإذا اصطاد المحرم الصيد متعمدا أثم وغرم ، أو مخطئا غرم وحرم عليه أكله ; لأنه في حقه كالميتة ، وكذا في حق غيره من المحرمين والمحلين عند مالك والشافعي - في أحد قوليه - وبه يقول عطاء والقاسم وسالم وأبو يوسف ومحمد بن الحسن ، وغيرهم . فإن أكله أو شيئا منه ، فهل يلزمه جزاء؟ فيه قولان للعلماء :
أحدهما : نعم ، قال عبد الرزاق ، عن ابن جريج ، عن عطاء ، قال : إن ذبحه ثم أكله فكفارتان ، وإليه ذهب طائفة .
والثاني : لا جزاء عليه بأكله . نص عليه مالك بن أنس .
قال أبو عمر بن عبد البر : وعلى هذا مذاهب فقهاء الأمصار ، وجمهور العلماء . ثم وجهه أبو عمر بما لو وطئ ثم وطئ ثم وطئ قبل أن يحد ، فإنما عليه حد واحد .
وقال أبو حنيفة : عليه قيمة ما أكل .
وقال أبو ثور : إذا قتل المحرم الصيد فعليه جزاؤه ، وحلال أكل ذلك الصيد ، إلا أنني أكرهه للذي قتله ، للخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " صيد البر لكم حلال ، ما لم تصيدوه
أو يصد لكم " .
وهذا الحديث سيأتي بيانه . وقوله بإباحته للقاتل غريب ، وأما لغيره ففيه خلاف . قد ذكرنا المنع عمن تقدم . وقال آخرون . بإباحته لغير القاتل ، سواء المحرمون والمحلون ; لهذا الحديث . والله أعلم .
وأما إذا صاد حلال صيدا فأهداه إلى محرم ، فقد ذهب ذاهبون إلى إباحته مطلقا ، ولم يستفصلوا بين أن يكون قد صاده لأجله أم لا . حكى هذا القول أبو عمر بن عبد البر ، عن عمر بن الخطاب وأبي هريرة والزبير بن العوام وكعب الأحبار ومجاهد وعطاء - في رواية - وسعيد بن جبير . قال : وبه قال الكوفيون .
قال ابن جرير : حدثنا محمد بن عبد الله بن بزيع ، حدثنا بشر بن المفضل ، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، أن سعيد بن المسيب حدثه ، عن أبي هريرة ; أنه سئل عن لحم صيد صاده حلال ، أيأكله المحرم؟ قال : فأفتاهم بأكله . ثم لقي عمر بن الخطاب فأخبره بما كان من أمره ، فقال : لو أفتيتهم بغير هذا لأوجعت لك رأسك .
وقال آخرون : لا يجوز أكل الصيد للمحرم بالكلية ، ومنعوا من ذلك مطلقا ; لعموم هذه الآية الكريمة .
وقال عبد الرزاق ، عن معمر ، عن ابن طاوس وعبد الكريم بن أبي أمية ، عن طاوس ، عن ابن عباس ; أنه كره أكل لحم الصيد للمحرم . وقال : هي مبهمة . يعني قوله : ( وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما ) .
قال : وأخبرني معمر ، عن الزهري ، عن ابن عمر ; أنه كان يكره للمحرم أن يأكل من لحم الصيد على كل حال .
قال معمر : وأخبرني أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر ، مثله .
قال ابن عبد البر : وبه قال طاوس وجابر بن زيد ، وإليه ذهب الثوري وإسحاق ابن راهويه - في رواية - وقد روي نحوه عن علي بن أبي طالب ، رواه ابن جرير من طريق سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن سعيد بن المسيب : أن عليا كره لحم الصيد للمحرم على كل حال .
وقال مالك والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق ابن راهويه - في رواية - والجمهور : إن كان الحلال قد قصد المحرم بذلك الصيد ، لم يجز للمحرم أكله ; لحديث الصعب بن جثامة : أنه أهدى للنبي - صلى الله عليه وسلم - حمارا وحشيا ، وهو بالأبواء - أو : بودان - فرده عليه ، فلما رأى ما في وجهه قال : " إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم " .
وهذا الحديث مخرج في الصحيحين ، وله ألفاظ كثيرة قالوا : فوجهه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ظن أن هذا إنما صاده من أجله ، فرده لذلك . فأما إذا لم يقصده بالاصطياد فإنه يجوز له الأكل منه ; لحديث أبي قتادة حين صاد حمار وحش ، كان حلالا لم يحرم ، وكان أصحابه محرمين ، فتوقفوا في أكله . ثم سألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : " هل كان منكم أحد أشار إليها ، أو أعان في قتلها؟ " قالوا : لا . قال : " فكلوا " . وأكل منها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
وهذه القصة ثابتة أيضا في الصحيحين بألفاظ كثيرة .
وقال الإمام أحمد : حدثنا سعيد بن منصور وقتيبة بن سعيد قالا حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن ، عن عمرو بن أبي عمرو ، عن المطلب بن عبد الله بن حنطب ، عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله - - صلى الله عليه وسلم - - وقال قتيبة في حديثه : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - - يقول : " صيد البر لكم حلال - قال سعيد : وأنتم حرم - ما لم تصيدوه أو يصد لكم " .
وكذا رواه أبو داود والترمذي والنسائي جميعا ، عن قتيبة . وقال الترمذي : لا نعرف للمطلب سماعا من جابر .
ورواه الإمام محمد بن إدريس الشافعي ، من طريق عمرو بن أبي عمرو ، عن مولاه المطلب ، عن جابر ثم قال : وهذا أحسن حديث روي في هذا الباب وأقيس .
وقال مالك ، عن عبد الله بن أبي بكر عن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال : رأيت عثمان بن عفان بالعرج ، وهو محرم في يوم صائف ، قد غطى وجهه بقطيفة أرجوان ، ثم أتي بلحم صيد فقال لأصحابه : كلوا ، فقالوا : أولا تأكل أنت؟ فقال : إني لست كهيئتكم ، إنما صيد من أجلي .
أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ ۖ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا ۗ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (96)

أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ
هذا حكم بتحليل صيد البحر , وهو كل ما صيد من حيتانه والصيد هنا يراد به المصيد , وأضيف إلى البحر لما كان منه بسبب , وقد مضى القول في البحر في " البقرة " والحمد لله .
و " متاعا " نصب على المصدر أي متعتم به متاعا .
وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ
الطعام لفظ مشترك يطلق على كل ما يطعم , ويطلق على مطعوم خاص كالماء وحده , والبر وحده , والتمر وحده , واللبن وحده , وقد يطلق على النوم كما تقدم ; وهو هنا عبارة عما قذف به البحر وطفا عليه ; أسند الدارقطني عن ابن عباس في قول الله عز وجل : " أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة " الآية صيده ما صيد وطعامه ما لفظ البحر , وروي عن أبي هريرة مثله ; وهو قول جماعة كثيرة من الصحابة والتابعين , وروي عن ابن عباس ميتته وهو في ذلك المعنى , وروي عنه أنه قال : طعامه ما ملح منه وبقي ; وقاله معه جماعة , وقال قوم : طعامه ملحه الذي ينعقد من مائه وسائر ما فيه من نبات وغيره .
قال أبو حنيفة : لا يؤكل السمك الطافي ويؤكل ما سواه من السمك , ولا يؤكل شيء من حيوان البحر إلا السمك وهو قول الثوري في رواية أبي إسحاق الفزاري عنه , وكره الحسن أكل الطافي من السمك .
وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه كرهه , وروي عنه أيضا أنه كره أكل الجري وروي عنه أكل ذلك كله وهو أصح ; ذكره عبد الرزاق عن الثوري عن جعفر بن محمد عن علي قال : الجراد والحيتان ذكي ; فعلي مختلف عنه في أكل الطافي من السمك ولم يختلف عن جابر أنه كرهه , وهو قول طاوس ومحمد بن سيرين وجابر بن زيد , واحتجوا بعموم قوله تعالى : " حرمت عليكم الميتة " [ المائدة : 3 ] , وبما رواه أبو داود والدارقطني عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( كلوا ما حسر عنه البحر وما ألقاه وما وجدتموه ميتا أو طافيا فوق الماء فلا تأكلوه ) .
قال الدارقطني : تفرد به عبد العزيز بن عبيد الله عن وهب بن كيسان عن جابر , وعبد العزيز ضعيف لا يحتج به .
وروى سفيان الثوري عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه ; قال الدارقطني : لم يسنده عن الثوري غير أبي أحمد الزبيري وخالفه وكيع والعدنيان , وعبد الرزاق ومؤمل وأبو عاصم وغيرهم ; رووه عن الثوري موقوفا وهو الصواب , وكذلك رواه أيوب السختياني , وعبيد الله بن عمر وابن جريج , وزهير وحماد بن سلمة وغيرهم عن أبي الزبير موقوفا قال أبو داود : وقد أسند هذا الحديث من وجه ضعيف عن ابن أبي ذئب عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم , قال الدارقطني : وروي عن إسماعيل بن أمية وابن أبي ذئب عن أبي الزبير مرفوعا , ولا يصح رفعه , رفعه يحيى بن سليم عن إسماعيل بن أمية ووقفه غيره , وقال مالك والشافعي وابن أبي ليلى والأوزاعي والثوري في رواية الأشجعي : يؤكل كل ما في البحر من السمك والدواب , وسائر ما في البحر من الحيوان , وسواء اصطيد أو وجد ميتا , واحتج مالك ومن تابعه بقوله عليه الصلاة والسلام في البحر : ( هو الطهور ماؤه الحل ميتته ) وأصح ما في هذا الباب من جهة الإسناد حديث جابر في الحوت الذي يقال له : ( العنبر ) وهو من أثبت الأحاديث خرجه الصحيحان , وفيه : فلما قدمنا المدينة أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرنا ذلك له فقال : ( هو رزق أخرجه الله لكم فهل معكم من لحمه شيء فتطعمونا ) فأرسلنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منه فأكله ; لفظ مسلم وأسند الدارقطني عن ابن عباس أنه قال أشهد على أبي بكر أنه قال : السمكة الطافية حلال لمن أراد أكلها , وأسند عنه أيضا أنه قال : أشهد على أبي بكر أنه أكل السمك الطافي على الماء , وأسند عن أبي أيوب أنه ركب البحر في رهط من أصحابه , فوجدوا سمكة طافية على الماء فسألوه عنها فقال : أطيبة هي لم تتغير ؟ قالوا : نعم قال : فكلوها وارفعوا نصيبي منها ; وكان صائما , وأسند عن جبلة بن عطية أن أصحاب أبي طلحة أصابوا سمكة طافية فسألوا عنها أبا طلحة فقال : أهدوها إلي , وقال عمر بن الخطاب : الحوت ذكي والجراد ذكي كله ; رواه عنه الدارقطني فهذه الآثار ترد قول من كره ذلك وتخصص عموم الآية , وهو حجة للجمهور ; إلا أن مالكا كان يكره خنزير الماء من جهة اسمه ولم يحرمه وقال : أنتم تقولون خنزيرا ! وقال الشافعي : لا بأس بخنزير الماء وقال الليث : ليس بميتة البحر بأس .
قال : وكذلك كلب الماء وفرس الماء .
قال : ولا يؤكل إنسان الماء ولا خنزير الماء .
اختلف العلماء في الحيوان الذي يكون في البر والبحر هل يحل صيده للمحرم أم لا ؟ فقال مالك وأبو مجلز وعطاء وسعيد بن جبير وغيرهم : كل ما يعيش في البر وله فيه حياة فهو صيد البر , إن قتله المحرم وداه , وزاد أبو مجلز في ذلك الضفادع والسلاحف والسرطان .
الضفادع وأجناسها حرام عند أبي حنيفة ولا خلاف عن الشافعي في أنه لا يجوز أكل الضفدع , واختلف قوله فيما له شبه في البر مما لا يؤكل كالخنزير والكلب وغير ذلك , والصحيح أكل ذلك كله ; لأنه نص على الخنزير في جواز أكله , وهو له شبه في البر مما لا يؤكل , ولا يؤكل عنده التمساح ولا القرش والدلفين , وكل ما له ناب لنهيه عليه السلام عن أكل كل ذي ناب .
قال ابن عطية : ومن هذه أنواع لا زوال لها من الماء فهي لا محالة من صيد البحر , وعلى هذا خرج جواب مالك في الضفادع في " المدونة " فإنه قال : الضفادع من صيد البحر , وروي عن عطاء بن أبي رباح خلاف ما ذكرناه , وهو أنه يراعى أكثر عيش الحيوان ; سئل عن ابن الماء أصيد بر هو أم صيد بحر ؟ فقال : حيث يكون أكثر فهو منه , وحيث يفرخ فهو منه ; وهو قول أبي حنيفة , والصواب في ابن الماء أنه صيد بر يرعى ويأكل الحب .
قال ابن العربي : الصحيح في الحيوان الذي يكون في البر والبحر منعه ; لأنه تعارض فيه دليلان , دليل تحليل ودليل تحريم , فيغلب دليل التحريم احتياطا , والله أعلم .
وَلِلسَّيَّارَةِ
فيه قولان : أحدهما للمقيم والمسافر كما جاء في حديث أبي عبيدة أنهم أكلوه وهم مسافرون وأكل النبي صلى الله عليه وسلم وهو مقيم , فبين الله تعالى أنه حلال لمن أقام , كما أحله لمن سافر .
الثاني : أن السيارة هم الذين يركبونه , كما جاء في حديث مالك والنسائي : أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إنا نركب البحر ونحمل معنا القليل من الماء , فإن توضأنا به عطشنا أفنتوضأ بماء البحر ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( هو الطهور ماؤه الحل ميتته ) قال ابن العربي قاله علماؤنا : فلو قال له النبي صلى الله عليه وسلم ( نعم ) لما جاز الوضوء به إلا عند خوف العطش ; لأن الجواب مرتبط بالسؤال , فكان يكون محالا عليه , ولكن النبي صلى الله عليه وسلم ابتدأ تأسيس القاعدة , وبيان الشرع فقال : ( هو الطهور ماؤه الحل ميتته ) .
قلت : وكان يكون الجواب مقصورا عليهم لا يتعدى لغيرهم , لولا ما تقرر من حكم الشريعة أن حكمه على الواحد حكمه على الجميع , إلا ما نص بالتخصيص عليه , كقوله لأبي بردة في العناق : ( ضح بها ولن تجزئ عن أحد غيرك ) .
وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا
فيه سبع مسائل : الأولى : التحريم ليس صفة للأعيان , إنما يتعلق بالأفعال فمعنى قوله : " وحرم عليكم صيد البر " أي فعله الصيد , وهو المنع من الاصطياد , أو يكون الصيد بمعنى المصيد , على معنى تسمية المفعول بالفعل كما تقدم , وهو الأظهر لإجماع العلماء على أنه لا يجوز للمحرم قبول صيد وهب له , ولا يجوز له شراؤه ولا اصطياده ولا استحداث ملكه بوجه من الوجوه , ولا خلاف بين علماء المسلمين في ذلك ; لعموم قوله تعالى : " وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما " ولحديث الصعب بن جثامة على ما يأتي .
الثانية : اختلف العلماء فيما يأكله المحرم من الصيد فقال مالك والشافعي وأصحابهما وأحمد وروي عن إسحاق , وهو الصحيح عن عثمان بن عفان : إنه لا بأس بأكل المحرم الصيد إذا لم يصد له , ولا من أجله , لما رواه الترمذي والنسائي والدارقطني عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( صيد البر لكم حلال ما لم تصيدوه أو يصد لكم ) قال أبو عيسى : هذا أحسن حديث في الباب ; وقال النسائي : عمرو بن أبي عمرو ليس بالقوي في الحديث , وإن كان قد روى عنه مالك .
فإن أكل من صيد صيد من أجله فداه , وبه قال الحسن بن صالح والأوزاعي , واختلف قول مالك فيما صيد لمحرم بعينه , والمشهور من مذهبه عند أصحابه أن المحرم لا يأكل مما صيد لمحرم معين أو غير معين ولم يأخذ بقول عثمان لأصحابه حين أتي بلحم صيد وهو محرم : كلوا فلستم مثلي لأنه صيد من أجلي ; وبه قالت طائفة من أهل المدينة , وروي عن مالك , وقال أبو حنيفة وأصحابه : أكل الصيد للمحرم جائز على كل حال إذا اصطاده الحلال , سواء صيد من أجله أو لم يصد لظاهر قوله تعالى : " لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم " فحرم صيده وقتله على المحرمين , دون ما صاده غيرهم .
واحتجوا بحديث البهزي - واسمه زيد بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم في حمار الوحش العقير أنه أمر أبا بكر فقسمه في الرفاق , من حديث مالك وغيره .
وبحديث أبي قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه ( إنما هي طعمة أطعمكموها الله ) , وهو قول عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان في رواية عنه , وأبي هريرة والزبير بن العوام ومجاهد وعطاء وسعيد بن جبير , وروي عن علي بن أبي طالب وابن عباس وابن عمر أنه لا يجوز للمحرم أكل صيد على حال من الأحوال , سواء صيد من أجله أو لم يصد ; لعموم قوله تعالى : " وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما " .
قال ابن عباس : هي مبهمة وبه قال طاوس وجابر بن زيد أبو الشعثاء وروي ذلك عن الثوري وبه قال إسحاق .
واحتجوا بحديث الصعب بن جثامة الليثي , أنه أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حمارا وحشيا , وهو بالأبواء أو بودان فرده عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ; قال : فلما أن رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما في وجهي قال : ( إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم ) خرجه الأئمة واللفظ لمالك .
قال أبو عمر : وروى ابن عباس من حديث سعيد بن جبير ومقسم وعطاء وطاوس عنه , أن الصعب بن جثامة أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم لحم حمار وحش ; وقال سعيد بن جبير في حديثه : عجز حمار وحش فرده يقطر دما كأنه صيد في ذلك الوقت ; وقال مقسم في حديثه رجل حمار وحش .
وقال عطاء في حديثه : أهدى له عضد صيد فلم يقبله وقال : ( إنا حرم ) وقال طاوس في حديثه : عضدا من لحم صيد ; حدث به إسماعيل عن علي بن المديني , عن يحيى بن سعيد عن ابن جريج , عن الحسن بن مسلم , عن طاوس , عن ابن عباس , إلا أن منهم من يجعله عن ابن عباس عن زيد بن أرقم .
قال إسماعيل : سمعت سليمان بن حرب يتأول هذا الحديث على أنه صيد من أجل النبي صلى الله عليه وسلم , ولولا ذلك لكان أكله جائزا ; قال سليمان : ومما يدل على أنه صيد من أجل النبي صلى الله عليه وسلم قولهم في الحديث : فرده يقطر دما كأنه صيد في ذلك الوقت .
قال إسماعيل : إنما تأول سليمان هذا الحديث لأنه يحتاج إلى تأويل ; فأما رواية مالك فلا تحتاج إلى التأويل ; لأن المحرم لا يجوز له أن يمسك صيدا حيا ولا يذكيه ; قال إسماعيل : وعلى تأويل سليمان بن حرب تكون الأحاديث المرفوعة كلها غير مختلفة فيها إن شاء الله تعالى .
الثالثة : إذا أحرم وبيده صيد أو في بيته عند أهله فقال مالك : إن كان في يده فعليه إرساله , وإن كان في أهله فليس عليه إرساله , وهو قول أبي حنيفة وأحمد بن حنبل , وقال الشافعي في أحد قوليه : سواء كان في يده أو في بيته ليس عليه أن يرسله , وبه قال أبو ثور , وروي عن مجاهد وعبد الله بن الحارث مثله وروي عن مالك , وقال ابن أبي ليلى والثوري والشافعي في القول الآخر : عليه أن يرسله , سواء كان في بيته أو في يده فإن لم يرسله ضمن , وجه القول بإرساله قوله تعالى : " وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما " وهذا عام في الملك والتصرف كله , ووجه القول بإمساكه : أنه معنى لا يمنع من ابتداء الإحرام فلا يمنع من استدامة ملكه , أصله النكاح .
الرابعة : فإن صاده الحلال في الحل فأدخله الحرم جاز له التصرف فيه بكل نوع من ذبحه , وأكل لحمه , وقال أبو حنيفة : لا يجوز .
ودليلنا أنه معنى يفعل في الصيد فجاز في الحرم للحلال , كالإمساك والشراء ولا خلاف فيها .
الخامسة : إذا دل المحرم حلا على صيد فقتله الحلال اختلف فيه , فقال مالك والشافعي وأبو ثور : لا شيء عليه , وهو قول ابن الماجشون , وقال الكوفيون وأحمد وإسحاق وجماعة من الصحابة والتابعين : عليه الجزاء ; لأن المحرم التزم بإحرامه ترك التعرض ; فيضمن بالدلالة كالمودع إذا دل سارقا على سرقة .
السادسة : واختلفوا في المحرم إذا دل محرما آخر ; فذهب الكوفيون وأشهب من أصحابنا إلى أن على كل واحد منهما جزاء , وقال مالك والشافعي وأبو ثور : الجزاء على المحرم القاتل ; لقوله تعالى : " ومن قتله منكم متعمدا " فعلق وجوب الجزاء بالقتل , فدل على انتفائه بغيره ; ولأنه دال فلم يلزمه بدلالته غرم كما لو دل الحلال في الحرم على صيد في الحرم , وتعلق الكوفيون وأشهب بقوله عليه السلام في حديث أبي قتادة : ( هل أشرتم أو أعنتم ) ؟ وهذا يدل على وجوب الجزاء , والأول أصح , والله أعلم .
السابعة : إذا كانت شجرة نابتة في الحل وفرعها في الحرم فأصيب ما عليه من الصيد ففيه الجزاء ; لأنه أخذ في الحرم وإن كان أصلها في الحرم وفرعها في الحل فاختلف علماؤنا فيما أخذ عليه على قولين : الجزاء نظرا إلى الأصل , ونفيه نظرا إلى الفرع .
وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ
تشديد وتنبيه عقب هذا التحليل والتحريم , ثم ذكر بأمر الحشر والقيامة مبالغة في التحذير , والله أعلم .
أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ ۖ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا ۗ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (96)

ولما كان الصيد يشمل الصيد البري والبحري، استثنى تعالى الصيد البحري فقال: { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ } أي: أحل لكم -في حال إحرامكم- صيد البحر، وهو الحي من حيواناته، وطعامه، وهو الميت منها، فدل ذلك على حل ميتة البحر. { مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ } أي: الفائدة في إباحته لكم أنه لأجل انتفاعكم وانتفاع رفقتكم الذين يسيرون معكم. { وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا } ويؤخذ من لفظ "الصيد" أنه لا بد أن يكون وحشيا، لأن الإنسي ليس بصيد. ومأكولا، فإن غير المأكول لا يصاد ولا يطلق عليه اسم الصيد. { وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } أي: اتقوه بفعل ما أمر به، وترك ما نهى عنه، واستعينوا على تقواه بعلمكم أنكم إليه تحشرون. فيجازيكم، هل قمتم بتقواه فيثيبكم الثواب الجزيل، أم لم تقوموا بها فيعاقبكم؟.
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features