قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُوا إِلَيْكَ ۖ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ ۖ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ ۚ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ ۚ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ (81)

( قالوا يالوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك ) وأمروه أن يسري بأهله من آخر الليل ، وأن يتبع أدبارهم ، أي : يكون ساقة لأهله ، ( ولا يلتفت منكم أحد ) أي : إذا سمعت ما نزل بهم ، ولا تهولنكم تلك الأصوات المزعجة ، ولكن استمروا ذاهبين [ كما أنتم ] .
( إلا امرأتك ) قال الأكثرون : هو استثناء من المثبت وهو قوله : ( فأسر بأهلك ) تقديره ( إلا امرأتك ) وكذلك قرأها ابن مسعود ونصب هؤلاء امرأتك; لأنه من مثبت ، فوجب نصبه عندهم .
وقال آخرون من القراء والنحاة : هو استثناء من قوله : ( ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك ) فجوزوا الرفع والنصب ، وذكر هؤلاء [ وغيرهم من الإسرائيليات ] أنها خرجت معهم ، وأنها لما سمعت الوجبة التفتت وقالت واقوماه . فجاءها حجر من السماء فقتلها .
ثم قربوا له هلاك قومه تبشيرا له; لأنه قال لهم : " أهلكوهم الساعة " ، فقالوا : ( إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب ) هذا وقوم لوط وقوف على الباب وعكوف قد جاءوا يهرعون إليه من كل جانب ، ولوط واقف على الباب يدافعهم ويردعهم وينهاهم عما هم فيه ، وهم لا يقبلون منه ، بل يتوعدونه ، فعند ذلك خرج عليهم جبريل ، عليه السلام ، فضرب وجوههم بجناحه ، فطمس أعينهم ، فرجعوا وهم لا يهتدون الطريق ، كما قال تعالى : ( ولقد راودوه عن ضيفه فطمسنا أعينهم فذوقوا عذابي ونذر [ ولقد صبحهم بكرة عذاب مستقر فذوقوا عذابي ونذر ] ) [ القمر : 37 - 39 ] .
وقال معمر ، عن قتادة ، عن حذيفة بن اليمان قال : كان إبراهيم - عليه السلام - يأتي قوم لوط ، فيقول : أنهاكم الله أن تعرضوا لعقوبته ؟ فلم يطيعوه ، حتى إذا بلغ الكتاب أجله [ لمحل عذابهم وسطوات الرب بهم قال ] انتهت الملائكة إلى لوط وهو يعمل في أرض له ، فدعاهم إلى الضيافة فقالوا : إنا ضيوفك الليلة ، وكان الله قد عهد إلى جبريل ألا يعذبهم حتى يشهد عليهم لوط ثلاث شهادات فلما توجه بهم لوط إلى الضيافة ، ذكر ما يعمل قومه من الشر [ والدواهي العظام ] ، فمشى معهم ساعة ، ثم التفت إليهم فقال : أما تعلمون ما يعمل أهل هذه القرية ؟ ما أعلم على وجه الأرض شرا منهم . أين أذهب بكم ؟ إلى قومي وهم [ من ] أشر خلق الله ، فالتفت جبريل إلى الملائكة فقال : احفظوها هذه واحدة . ثم مشى معهم ساعة ، فلما توسط القرية وأشفق عليهم واستحيا منهم قال : أما تعلمون ما يعمل أهل هذه القرية ؟ ما أعلم على وجه الأرض أشر منهم ، إن قومي أشر خلق الله . فالتفت جبريل إلى الملائكة فقال : احفظوا ، هاتان اثنتان ، فلما انتهى إلى باب الدار بكى حياء منهم وشفقة عليهم فقال إن قومي أشر من خلق الله ؟ أما تعلمون ما يعمل أهل هذه القرية ؟ ما أعلم على وجه الأرض أهل قرية شرا منهم . فقال جبريل للملائكة : احفظوا ، هذه ثلاث ، قد حق العذاب . فلما دخلوا ذهبت عجوز السوء فصعدت فلوحت بثوبها ، فأتاها الفساق يهرعون سراعا ، قالوا : ما عندك ؟ قالت : ضيف لوط قوما ما رأيت قط أحسن وجوها منهم ، ولا أطيب ريحا منهم . فهرعوا يسارعون إلى الباب ، فعالجهم لوط على الباب ، فدافعوه طويلا هو داخل وهم خارج ، يناشدهم الله ويقول : ( هؤلاء بناتي هن أطهر لكم ) فقام الملك فلز بالباب - يقول فسده - واستأذن جبريل في عقوبتهم ، فأذن الله له ، فقام في الصورة التي يكون فيها في السماء ، فنشر جناحه . ولجبريل جناحان ، وعليه وشاح من در منظوم ، وهو براق الثنايا ، أجلى الجبين ، ورأسه حبك حبك مثل المرجان وهو اللؤلؤ ، كأنه الثلج ، ورجلاه إلى الخضرة . فقال يا لوط : ( إنا رسل ربك لن يصلوا إليك ) امض يا لوط عن الباب ودعني وإياهم ، فتنحى لوط عن الباب ، فخرج إليهم ، فنشر جناحه ، فضرب به وجوههم ضربة شدخ أعينهم ، فصاروا عميا لا يعرفون الطريق [ ولا يهتدون بيوتهم ] ثم أمر لوط فاحتمل بأهله في ليلته قال : ( فأسر بأهلك بقطع من الليل ) .
وروي عن محمد بن كعب [ القرظي ] وقتادة ، والسدي نحو هذا .
قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُوا إِلَيْكَ ۖ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ ۖ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ ۚ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ ۚ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ (81)

قوله تعالى : قالوا يا لوط إنا رسل ربك لما رأت الملائكة حزنه واضطرابه ومدافعته عرفوه بأنفسهم ، فلما علم أنهم رسل مكن قومه من الدخول ، فأمر جبريل - عليه السلام - يده على أعينهم فعموا ، وعلى أيديهم فجفت .
" لن يصلوا إليك " أي بمكروه
" فأسر بأهلك " قرئ " فاسر " بوصل الألف وقطعها ; لغتان فصيحتان . قال الله تعالى : " والليل إذا يسر " وقال : " سبحان الذي أسرى " وقال النابغة : فجمع بين اللغتين :
أسرت عليه من الجوزاء سارية تزجي الشمال عليه جامد البرد
وقال الآخر :
حي النضيرة ربة الخدر أسرت إليك ولم تكن تسري
وقد قيل : " فأسر " بالقطع إذا سار من أول الليل ، وسرى إذا سار من آخره ; ولا يقال في النهار إلا سار . وقال لبيد :
إذا المرء أسرى ليلة ظن أنه قضى عملا والمرء ما عاش عامل
وقال عبد الله بن رواحة :
عند الصباح يحمد القوم السرى وتنجلي عنهم غيابات الكرى
" بقطع من الليل " قال ابن عباس : بطائفة من الليل . الضحاك : ببقية من الليل . قتادة : بعد مضي صدر من الليل . الأخفش : بعد جنح من الليل . ابن الأعرابي : بساعة من الليل . وقيل : بظلمة من الليل . وقيل : بعد هدء من الليل . وقيل : هزيع من الليل . وكلها متقاربة ; وقيل : إنه نصف الليل ; مأخوذ من قطعه نصفين ; ومنه قول الشاعر :
ونائحة تنوح بقطع ليل على رجل بقارعة الصعيد
فإن قيل : السرى لا يكون إلا بالليل ، فما معنى بقطع من الليل ؟ فالجواب : أنه لو لم يقل : بقطع من الليل جاز أن يكون أوله .
" ولا يلتفت منكم أحد " أي لا ينظر وراءه منكم أحد ; قاله مجاهد . ابن عباس : لا يتخلف منكم أحد . علي بن عيسى لا يشتغل منكم أحد بما يخلفه من مال أو متاع .
" إلا امرأتك " بالنصب ; وهي القراءة الواضحة البينة المعنى ; أي فأسر بأهلك إلا امرأتك . وكذا في قراءة ابن مسعود فأسر بأهلك إلا امرأتك فهو استثناء من الأهل . وعلى هذا لم يخرج بها معه . وقد قال الله - عز وجل - : كانت من الغابرين أي من الباقين . وقرأ أبو عمرو وابن كثير : " إلا امرأتك " بالرفع على البدل من أحد . وأنكر هذه القراءة جماعة منهم أبو عبيد ; وقال : لا يصح ذلك إلا برفع " يلتفت " ويكون نعتا ; لأن المعنى يصير - إذا أبدلت وجزمت - أن المرأة أبيح لها الالتفات ، وليس المعنى كذلك . قال النحاس : وهذا الحمل من أبي عبيد وغيره على مثل أبي عمرو مع جلالته ومحله من العربية لا يجب أن يكون ; والرفع على البدل له معنى صحيح ، والتأويل له على ما حكىمحمد بن الوليد عن محمد بن يزيد أن يقول الرجل لحاجبه : لا يخرج فلان ; فلفظ النهي لفلان ومعناه للمخاطب ; أي لا تدعه يخرج ; ومثله قولك : لا يقم أحد إلا زيد ; يكون معناه : انههم عن القيام إلا زيدا ; وكذلك النهي للوط ولفظه لغيره ; كأنه قال : انههم لا يلتفت منهم أحد إلا امرأتك ، ويجوز أن يكون استثناء من النهي عن الالتفات لأنه كلام تام ; أي لا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك فإنها تلتفت وتهلك ، وأن لوطا خرج بها ، ونهى من معه ممن أسرى بهم ألا يلتفت ، فلم يلتفت منهم أحد سوى زوجته ; فإنها لما سمعت هدة العذاب التفتت وقالت : واقوماه ! فأدركها حجر فقتلها .
" إنه مصيبها " أي من العذاب ، والكناية في " إنه " ترجع إلى الأمر والشأن ; أي فإن الأمر والشأن والقصة
مصيبها ما أصابهم إن موعدهم الصبح لما قالت الملائكة : إنا مهلكو أهل هذه القرية قال لوط : الآن الآن . استعجلهم بالعذاب لغيظه على قومه ; فقالوا : " أليس الصبح بقريب " وقرأ عيسى بن عمر " أليس الصبح " بضم الباء وهي لغة . ويحتمل أن يكون جعل الصبح ميقاتا لهلاكهم ; لأن النفوس فيه أودع ، والناس فيه أجمع . وقال بعض أهل التفسير : إن لوطا خرج بابنتيه ليس معه غيرهما عند طلوع الفجر ; وأن الملائكة قالت له : إن الله قد وكل بهذه القرية ملائكة معهم صوت رعد ، وخطف برق ، وصواعق عظيمة ، وقد ذكرنا لهم أن لوطا سيخرج فلا تؤذوه ; وأمارته أنه لا يلتفت ، ولا تلتفت ابنتاه فلا يهولنك ما ترى . فخرج لوط وطوى الله له الأرض في وقته حتى نجا ووصل إلى إبراهيم .
قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُوا إِلَيْكَ ۖ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ ۖ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ ۚ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ ۚ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ (81)

{ قَالُوا } له: { إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ } أي: أخبروه بحالهم ليطمئن قلبه، { لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ } بسوء.
ثم قال جبريل بجناحه، فطمس أعينهم، فانطلقوا يتوعدون لوطا بمجيء الصبح، وأمر الملائكة لوطا، أن يسري بأهله { بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ } أي: بجانب منه قبل الفجر بكثير، ليتمكنوا من البعد عن قريتهم.
{ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ } أي: بادروا بالخروج، وليكن همكم النجاة ولا تلتفتوا إلى ما وراءكم.
{ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا } من العذاب { مَا أَصَابَهُمُ } لأنها تشارك قومها في الإثم، فتدلهم على أضياف لوط، إذا نزل به أضياف.
{ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ } فكأن لوطا، استعجل ذلك، فقيل له: { أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ }
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features