لَهُمُ الْبُشْرَىٰ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۚ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (64)

وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا سفيان ، عن الأعمش ، عن ذكوان أبي صالح ، عن رجل ، عن أبي الدرداء ، رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : ( لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة ) قال : " الرؤيا الصالحة يراها المسلم ، أو ترى له " .
وقال ابن جرير : حدثني أبو السائب ، حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن عطاء بن يسار ، عن رجل من أهل مصر ، عن أبي الدرداء في قوله : ( لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة ) قال : سأل رجل أبا الدرداء عن هذه الآية ، فقال : لقد سألت عن شيء ما سمعت [ أحدا ] سأل عنه بعد رجل سأل عنه رسول الله ، فقال : " هي الرؤيا الصالحة يراها الرجل المسلم ، أو ترى له ، بشراه في الحياة الدنيا ، وبشراه في الآخرة [ الجنة ] .
ثم رواه ابن جرير من حديث سفيان ، عن ابن المنكدر ، عن عطاء بن يسار ، عن رجل من أهل مصر ، أنه سأل أبا الدرداء عن هذه الآية ، فذكر نحو ما تقدم .
وقال ابن جرير : حدثني المثنى : حدثنا الحجاج بن منهال ، حدثنا حماد بن زيد ، عن عاصم بن بهدلة ، عن أبي صالح قال : سمعت أبا الدرداء ، وسئل عن : ( الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى ) فذكر نحوه سواء .
وقال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا أبان ، حدثنا يحيى ، عن أبي سلمة ، عن عبادة بن الصامت ؛ أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، أرأيت قول الله تعالى : ( لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة ) ؟ فقال : " لقد سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد من أمتي - أو : أحد قبلك " قال : " تلك الرؤيا الصالحة ، يراها الرجل الصالح أو ترى له " .
وكذا رواه أبو داود الطيالسي ، عن عمران القطان ، عن يحيى بن أبي كثير ، به ورواه الأوزاعي ، عن يحيى بن أبي كثير ، فذكره . ورواه علي بن المبارك ، عن يحيى ، عن أبي سلمة قال : نبئنا عن عبادة بن الصامت ، سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية ، فذكره .
وقال ابن جرير : حدثني أبو حميد الحمصي ، حدثنا يحيى بن سعيد ، حدثنا عمر بن عمرو بن عبد الأحموسي ، عن حميد بن عبد الله المزني قال : أتى رجل عبادة بن الصامت فقال : آية في كتاب الله أسألك عنها ، قول الله تعالى : ( لهم البشرى في الحياة الدنيا ) ؟ فقال عبادة : ما سألني عنها أحد قبلك ، سألت عنها نبي الله فقال مثل ذلك : " ما سألني عنها أحد قبلك ، الرؤيا الصالحة ، يراها العبد المؤمن في المنام أو ترى له " .
ثم رواه من حديث موسى بن عبيدة ، عن أيوب بن خالد بن صفوان ، عن عبادة بن الصامت ؛ أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة ) فقد عرفنا بشرى الآخرة الجنة ، فما بشرى الدنيا ؟ قال : " الرؤيا الصالحة يراها العبد أو ترى له ، وهي جزء من أربعة وأربعين جزءا أو سبعين جزءا من النبوة " .
وقال [ الإمام ] أحمد أيضا : حدثنا بهز ، حدثنا حماد ، حدثنا أبو عمران ، عن عبد الله بن الصامت ، عن أبي ذر ؛ أنه قال : يا رسول الله ، الرجل يعمل العمل فيحمده الناس عليه ، ويثنون عليه به ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تلك عاجل بشرى المؤمن " . رواه مسلم .
وقال أحمد أيضا : حدثنا حسن - يعني الأشيب - حدثنا ابن لهيعة ، حدثنا دراج ، عن عبد الرحمن بن جبير ، عن عبد الله بن عمرو ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة ) قال : " الرؤيا الصالحة يبشرها المؤمن ، هي جزء من تسعة وأربعين جزءا من النبوة ، فمن رأى [ ذلك ] فليخبر بها ، ومن رأى سوى ذلك فإنما هو من الشيطان ليحزنه ، فلينفث عن يساره ثلاثا ، وليكبر ولا يخبر بها أحدا " لم يخرجوه .
وقال ابن جرير : حدثني يونس ، أنبأنا ابن وهب ، حدثني عمرو بن الحارث ، أن دراجا أبا السمح حدثه عن عبد الرحمن بن جبير ، عن عبد الله بن عمرو ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( لهم البشرى في الحياة الدنيا ) الرؤيا الصالحة يبشرها المؤمن ، جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة " .
وقال أيضا ابن جرير : حدثني محمد بن أبي حاتم المؤدب ، حدثنا عمار بن محمد ، حدثنا الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة ) قال : " هي في الدنيا الرؤيا الصالحة ، يراها العبد أو ترى له ، وهي في الآخرة الجنة " .
ثم رواه عن أبي كريب ، عن أبي بكر بن عياش ، عن أبي حصين ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة أنه قال : الرؤيا الحسنة بشرى من الله ، وهي من المبشرات .
هكذا رواه من هذه الطريق موقوفا .
وقال أيضا : حدثنا أبو كريب ، حدثنا أبو بكر ، حدثنا هشام ، عن ابن سيرين ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الرؤيا الحسنة هي البشرى ، يراها المسلم أو ترى له " .
وقال ابن جرير : حدثني أحمد بن حماد الدولابي ، حدثنا سفيان ، عن عبيد الله بن أبي يزيد ، عن أبيه ، عن سباع بن ثابت ، عن أم كرز الكعبية : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ذهبت النبوة ، وبقيت المبشرات " .
وهكذا روي عن ابن مسعود ، وأبي هريرة ، وابن عباس ، ومجاهد ، وعروة بن الزبير ، ويحيى بن أبي كثير ، وإبراهيم النخعي ، وعطاء بن أبي رباح : أنهم فسروا ذلك بالرؤيا الصالحة .
وقيل : المراد بذلك بشرى الملائكة للمؤمن عند احتضاره بالجنة والمغفرة كما في قوله تعالى : ( إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون نزلا من غفور رحيم ) [ فصلت : 30 - 32 ] .
وفي حديث البراء : " أن المؤمن إذا حضره الموت ، جاءه ملائكة بيض الوجوه ، بيض الثياب ، فقالوا : اخرجي أيتها الروح الطيبة إلى روح وريحان ، ورب غير غضبان . فتخرج من فمه ، كما تسيل القطرة من فم السقاء " .
وأما بشراهم في الآخرة ، فكما قال تعالى : ( لا يحزنهم الفزع الأكبر وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون ) [ الأنبياء : 103 ] . وقال تعالى : ( يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك هو الفوز العظيم ) [ الحديد : 12 ] .
وقوله : ( لا تبديل لكلمات الله ) أي : هذا الوعد لا يبدل ولا يخلف ولا يغير ، بل هو مقرر مثبت كائن لا محالة : ( ذلك هو الفوز العظيم )
لَهُمُ الْبُشْرَىٰ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۚ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (64)

قوله تعالى لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم
قوله تعالى لهم البشرى في الحياة الدنيا عن أبي الدرداء قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها فقال : ما سألني أحد عنها غيرك منذ أنزلت هي الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له خرجه الترمذي في جامعه . وقال الزهري وعطاء وقتادة : هي البشارة التي تبشر بها الملائكة المؤمن في الدنيا عند الموت . وعن محمد بن كعب القرظي قال : إذا استنقعت نفس العبد المؤمن جاءه ملك الموت فقال : السلام عليك ولي الله ، الله يقرئك السلام . ثم نزع بهذه الآية : الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ذكره ابن المبارك . وقال قتادة والضحاك : هي أن يعلم أين هو من قبل أن يموت . وقال الحسن : هي ما يبشرهم الله تعالى في كتابه من جنته وكريم ثوابه ; لقوله : يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان ، وقوله : وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات . وقوله : وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون ولهذا قال : لا تبديل لكلمات الله أي لا خلف لمواعيده ، وذلك لأن مواعيده بكلماته .
وفي الآخرة قيل : بالجنة إذا خرجوا من قبورهم . وقيل : إذا خرجت الروح بشرت برضوان الله . وذكر أبو إسحاق الثعلبي : سمعت أبا بكر محمد بن عبد الله الجوزقي يقول : رأيت أبا عبد الله الحافظ في المنام راكبا برذونا عليه طيلسان وعمامة ، فسلمت عليه وقلت له : أهلا بك ، إنا لا نزال نذكرك ونذكر محاسنك ; فقال : ونحن لا نزال نذكرك ونذكر محاسنك ، قال الله تعالى : لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة الثناء الحسن : وأشار بيده .
لا تبديل لكلمات الله أي لا خلف لوعده . وقيل : لا تبديل لأخباره ، أي لا ينسخها بشيء ، ولا تكون إلا كما قال .
ذلك هو الفوز العظيم أي ما يصير إليه أولياؤه فهو الفوز العظيم .
لَهُمُ الْبُشْرَىٰ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۚ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (64)

فكل من كان مؤمنًا تقيًا كان لله ‏[‏تعالى‏]‏ وليًا، و ‏{‏لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ‏}
أما البشارة في الدنيا، فهي‏:‏ الثناء الحسن، والمودة في قلوب المؤمنين، والرؤيا الصالحة، وما يراه العبد من لطف الله به وتيسيره لأحسن الأعمال والأخلاق، وصرفه عن مساوئ الأخلاق‏.‏
وأما في الآخرة، فأولها البشارة عند قبض أرواحهم، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ‏}
وفي القبر ما يبشر به من رضا الله تعالى والنعيم المقيم‏.‏
وفي الآخرة تمام البشرى بدخول جنات النعيم، والنجاة من العذاب الأليم‏.‏
{‏لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ‏}‏ بل ما وعد الله فهو حق، لا يمكن تغييره ولا تبديله، لأنه الصادق في قيله، الذي لا يقدر أحد أن يخالفه فيما قدره وقضاه‏.‏
{‏ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ‏}‏ لأنه اشتمل على النجاة من كل محذور، والظفر بكل مطلوب محبوب، وحصر الفوز فيه، لأنه لا فوز لغير أهل الإيمان والتقوى‏.‏
والحاصل أن البشرى شاملة لكل خير وثواب، رتبه الله في الدنيا والآخرة، على الإيمان والتقوى، ولهذا أطلق ذلك، فلم يقيده‏.‏
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features