فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَٰذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20)

فعند ذلك حسدهما الشيطان ، وسعى في المكر والخديعة والوسوسة ليسلبا ما هما فيه من النعمة واللباس الحسن ، وقال كذبا وافتراء : ما نهاكما ربكما عن أكل الشجرة إلا لتكونا ملكين أي : لئلا تكونا ملكين ، أو خالدين هاهنا ولو أنكما أكلتما منها لحصل لكما ذلكما كقوله : ( قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى ) [ طه : 120 ] أي : لئلا تكونا ملكين ، كقوله : ( يبين الله لكم أن تضلوا ) [ النساء : 176 ] أي : لئلا تضلوا ، ( وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم ) [ النحل : 15 ] أي : لئلا تميد بكم .
وكان ابن عباس ويحيى بن أبي كثير يقرءان : " إلا أن تكونا ملكين " بكسر اللام . وقرأه الجمهور بفتحها .
فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَٰذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20)

قوله تعالى فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوآتهما وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين
قوله تعالى فوسوس لهما الشيطان أي إليهما . قيل : داخل الجنة بإدخال الحية إياه وقيل : من خارج ، بالسلطنة التي جعلت له . وقد مضى هذا في " البقرة " والوسوسة : الصوت الخفي . والوسوسة : حديث النفس ; يقال : وسوست إليه نفسه وسوسة ووسواسا " بكسر الواو " . والوسواس " بالفتح " : اسم ، مثل الزلزال . ويقال لهمس الصائد والكلاب وأصوات الحلي : وسواس . قالالأعشى :
تسمع للحلي وسواسا إذا انصرفت كما استعان بريح عشرق زجل
والوسواس : اسم الشيطان .
قال الله تعالى : من شر الوسواس الخناس .
ليبدي لهما أي ليظهر لهما . واللام لام العاقبة ; كما قال : ليكون لهم عدوا وحزنا . وقيل : لام كي .
ما ووري عنهما أي ستر وغطي عنهما . ويجوز في غير القرآن أوري ، مثل أقتت
من سوآتهما من عوراتهما وسمي الفرج عورة ; لأن إظهاره يسوء صاحبه . ودل هذا على قبح كشفها فقيل : إنما بدت سوآتهما لهما لا لغيرهما ; كان عليهما نور لا ترى عوراتهما فزال النور . وقيل : ثوب ; فتهافت ، والله أعلم .
إلا أن تكونا ملكين أن في موضع نصب ، بمعنى إلا ، كراهية أن ; فحذف المضاف . هذا قول البصريين . والكوفيون يقولون : لئلا تكونا . وقيل : أي إلا ألا تكونا ملكين تعلمان الخير والشر . وقيل : طمع آدم في الخلود ; لأنه علم أن الملائكة لا يموتون إلى يوم القيامة . قال النحاس : وبين الله عز وجل فضل الملائكة على جميع الخلق في غير موضع من القرآن ; فمنها هذا ، وهو إلا أن تكونا ملكين . ومنه ولا أقول إني ملك . ومنه ولا الملائكة المقربون . وقال الحسن : فضل الله الملائكة بالصور والأجنحة والكرامة . وقال غيره : فضلهم جل وعز بالطاعة وترك المعصية ; فلهذا يقع التفضيل في كل شيء . وقال ابن فورك . لا حجة في هذه الآية ; لأنه يحتمل أن يريد ملكين في ألا يكون لهما شهوة في طعام . واختيار ابن عباس والزجاج وكثير من العلماء تفضيل المؤمنين على الملائكة ; وقد مضى في البقرة وقال الكلبي : فضلوا على الخلائق كلهم ، غير طائفة من الملائكة : جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت ; لأنهم من جملة رسل الله . وتمسك كل فريق بظواهر من الشريعة ، والفضل بيد الله . وقرأ ابن عباس ( ملكين ) بكسر اللام ، وهي قراءة يحيى بن أبي كثير والضحاك . وأنكر أبو عمرو بن العلاء كسر اللام وقال : لم يكن قبل آدم صلى الله عليه وسلم ملك فيصيرا ملكين . قال النحاس : ويجوز على هذه القراءة إسكان اللام ، ولا يجوز على القراءة الأولى لخفة الفتحة . قال ابن عباس : أتاهما الملعون من جهة الملك ; ولهذا قال : هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى . وزعم أبو عبيد أن احتجاج يحيى بن أبي كثير بقوله : وملك لا يبلى حجة بينة ، ولكن الناس على تركها فلهذا تركناها . قال النحاس : ( إلا أن تكونا ملكين ) قراءة شاذة . وقد أنكر على أبي عبيد هذا الكلام ، وجعل من الخطأ الفاحش . وهل يجوز أن يتوهم آدم عليه السلام أنه يصل إلى أكثر من ملك الجنة ; وهو غاية الطالبين . وإنما معنى وملك لا يبلى المقام في ملك الجنة ، والخلود فيه .
فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَٰذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20)

فلم يزالا ممتثلين لأمر اللّه، حتى تغلغل إليهما عدوهما إبليس بمكره، فوسوس لهما وسوسة خدعهما بها، وموه عليهما وقال: { مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ } أي: من جنس الملائكة { أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ } كما قال في الآية الأخرى: { هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى }
فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَٰذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20)

( فوسوس لهما الشيطان ) أي : إليهما . والوسوسة : حديث يلقيه الشيطان في قلب الإنسان ( ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوآتهما ) أي : أظهر لهما ما غطي وستر عنهما من عوراتهما . قيل : اللام فيه لام العاقبة وذلك أن إبليس لم يوسوس بهذا ولكن كان عاقبة أمرهم ذلك ، وهو ظهور عورتهما ، كقوله تعالى : " فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا " ( القصص 8 ) ، ثم بين الوسوسة فقال : ( وقال ) يعني : إبليس لآدم وحواء ( ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين ) يعني : لئلا تكونا ، كراهية أن تكونا ملكين من الملائكة يعلمان الخير والشر ، ( أو تكونا من الخالدين ) من الباقين الذين لا يموتون كما قال في موضع آخر : " هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى " ( طه 120 ) .
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features