رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128)

قوله تعالى حكاية لدعاء إبراهيم وإسماعيل ، عليهما السلام : ( ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم )
قال ابن جرير : يعنيان بذلك ، واجعلنا مستسلمين لأمرك ، خاضعين لطاعتك ، لا نشرك معك في الطاعة أحدا سواك ، ولا في العبادة غيرك .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا إسماعيل بن رجاء بن حيان الحصني القرشي ، حدثنا معقل بن عبيد الله ، عن عبد الكريم : ( واجعلنا مسلمين لك ) قال : مخلصين لك ، ( ومن ذريتنا أمة مسلمة لك ) قال : مخلصة .
وقال أيضا : حدثنا علي بن الحسين ، حدثنا المقدمي ، حدثنا سعيد بن عامر ، عن سلام بن أبي مطيع في هذه الآية ( واجعلنا مسلمين ) قال : كانا مسلمين ، ولكنهما سألاه الثبات .
وقال عكرمة : ( ربنا واجعلنا مسلمين لك ) قال الله : قد فعلت . ( ومن ذريتنا أمة مسلمة لك ) قال الله : قد فعلت .
وقال السدي : ( ومن ذريتنا أمة مسلمة لك ) يعنيان العرب .
قال ابن جرير : والصواب أنه يعم العرب وغيرهم ; لأن من ذرية إبراهيم بني إسرائيل ، وقد قال الله تعالى : ( ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون ) [ الأعراف : 159 ]
قلت : وهذا الذي قاله ابن جرير لا ينفيه السدي ; فإن تخصيصهم بذلك لا ينفي من عداهم ، والسياق إنما هو في العرب ; ولهذا قال بعده : ( ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم ) الآية ، والمراد بذلك محمد صلى الله عليه وسلم ، وقد بعث فيهم كما قال تعالى : ( هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم ) [ الجمعة : 2 ] ومع هذا لا ينفي رسالته إلى الأحمر والأسود ، لقوله تعالى : ( قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا ) [ الأعراف : 158 ] ، وغير ذلك من الأدلة القاطعة .
وهذا الدعاء من إبراهيم وإسماعيل ، عليهما السلام ، كما أخبر الله تعالى عن عباده المتقين المؤمنين ، في قوله : ( والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما ) [ الفرقان : 74 ] . وهذا القدر مرغوب فيه شرعا ، فإن من تمام محبة عبادة الله تعالى أن يحب أن يكون من صلبه من يعبد الله وحده لا شريك له ; ولهذا لما قال الله تعالى لإبراهيم ، عليه السلام : ( إني جاعلك للناس إماما ) قال : ( ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين ) وهو قوله : ( واجنبني وبني أن نعبد الأصنام ) [ إبراهيم : 35 ] . وقد ثبت في صحيح مسلم ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له "
" وأرنا مناسكنا " قال ابن جريج ، عن عطاء ( وأرنا مناسكنا ) أخرجها لنا ، علمناها .
وقال مجاهد ( وأرنا مناسكنا ) مذابحنا . وروي عن عطاء أيضا ، وقتادة نحو ذلك .
وقال سعيد بن منصور : حدثنا عتاب بن بشير ، عن خصيف ، عن مجاهد ، قال : قال إبراهيم : " أرنا مناسكنا " فأتاه جبرائيل ، فأتى به البيت ، فقال : ارفع القواعد . فرفع القواعد وأتم البنيان ، ثم أخذ بيده فأخرجه فانطلق به إلى الصفا ، قال : هذا من شعائر الله . ثم انطلق به إلى المروة ، فقال : وهذا من شعائر الله ؟ . ثم انطلق به نحو منى ، فلما كان من العقبة إذا إبليس قائم عند الشجرة ، فقال : كبر وارمه . فكبر ورماه . ثم انطلق إبليس فقام عند الجمرة الوسطى ، فلما جاز به جبريل وإبراهيم قال له : كبر وارمه . فكبر ورماه . فذهب إبليس وكان الخبيث أراد أن يدخل في الحج شيئا فلم يستطع ، فأخذ بيد إبراهيم حتى أتى به المشعر الحرام ، فقال : هذا المشعر الحرام . فأخذ بيد إبراهيم حتى أتى به عرفات . قال : قد عرفت ما أريتك ؟ قالها : ثلاث مرار . قال : نعم .
وروي عن أبي مجلز وقتادة نحو ذلك . وقال أبو داود الطيالسي : حدثنا حماد بن سلمة ، عن أبي العاصم الغنوي ، عن أبي الطفيل ، عن ابن عباس ، قال : إن إبراهيم لما أري أوامر المناسك ، عرض له الشيطان عند المسعى ، فسابقه إبراهيم ، ثم انطلق به جبريل حتى أتى به منى ، فقال : مناخ الناس هذا . فلما انتهى إلى جمرة العقبة تعرض له الشيطان ، فرماه بسبع حصيات حتى ذهب ، ثم أتى به الجمرة الوسطى ، فعرض له الشيطان فرماه بسبع حصيات ، حتى ذهب ، ثم أتى به الجمرة القصوى ، فعرض له الشيطان ، فرماه بسبع حصيات حتى ذهب ، فأتى به جمعا . فقال : هذا المشعر . ثم أتى به عرفة . فقال : هذه عرفة . فقال له جبريل : أعرفت ؟ .
رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128)

قوله تعالى : ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم
قوله تعالى : ربنا واجعلنا مسلمين لك أي صيرنا ، ومسلمين مفعول ثان ، سألا التثبيت والدوام . والإسلام في هذا الموضع : الإيمان والأعمال جميعا ، ومنه قوله تعالى : إن الدين عند الله الإسلام ففي هذا دليل لمن قال : إن الإيمان والإسلام شيء واحد ، وعضدوا هذا بقوله تعالى في الآية الأخرى : فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين . وقرأ ابن عباس وعوف الأعرابي " مسلمين " على الجمع .
قوله تعالى : ومن ذريتنا أمة مسلمة لك أي ومن ذريتنا فاجعل ، فيقال : إنه لم يدع نبي إلا لنفسه ولأمته إلا إبراهيم فإنه دعا مع دعائه لنفسه ولأمته ولهذه الأمة . ومن في قوله : ومن ذريتنا للتبعيض ; لأن الله تعالى قد كان أعلمه أن منهم ظالمين . وحكى الطبري : أنه أراد بقوله ومن ذريتنا العرب خاصة . قال السهيلي : وذريتهما العرب ; لأنهم بنو نبت بن إسماعيل ، أو بنو تيمن بن إسماعيل ، ويقال : قيدر بن نبت بن إسماعيل . أما العدنانية فمن نبت ، وأما القحطانية فمن قيدر بن نبت بن إسماعيل ، أو تيمن على أحد القولين . قال ابن عطية : وهذا ضعيف ; لأن دعوته ظهرت في العرب وفيمن آمن من غيرهم . والأمة : الجماعة هنا ، وتكون واحدا إذا كان يقتدى به في الخير ، ومنه قوله تعالى : إن إبراهيم كان أمة قانتا لله ، وقال صلى الله عليه وسلم في زيد بن عمرو بن نفيل : ( يبعث أمة وحده ) لأنه لم يشرك في دينه غيره ، والله أعلم . وقد يطلق لفظ الأمة على غير هذا المعنى ، ومنه قوله تعالى :إنا وجدنا آباءنا على أمة أي على دين وملة ، ومنه قوله تعالى : إن هذه أمتكم أمة واحدة . وقد تكون بمعنى الحين والزمان ، ومنه قوله تعالى وادكر بعد أمة أي بعد حين وزمان . ويقال : هذه أمة زيد ، أي أم زيد . والأمة أيضا : القامة ، يقال : فلان حسن الأمة ، أي حسن القامة ، قال [ هو الأعشى ] :
وإن معاوية الأكرمين حسان الوجوه طوال الأمم
وقيل : الأمة الشجة التي تبلغ أم الدماغ ، يقال : رجل مأموم وأميم .
قوله تعالى : وأرنا مناسكنا أرنا من رؤية البصر ، فتتعدى إلى مفعولين ، وقيل : من رؤية القلب ، ويلزم قائله أن يتعدى الفعل منه إلى ثلاثة مفاعيل . قال ابن عطية : وينفصل بأنه يوجد معدى بالهمزة من رؤية القلب إلى مفعولين [ كغير المعدى ] قال حطائط بن يعفر أخو الأسود بن يعفر :
أريني جوادا مات هزلا لأنني أرى ما ترين أو بخيلا مخلدا
وقرأ عمر بن عبد العزيز وقتادة وابن كثير وابن محيصن والسدي وروح عن يعقوب ورويس والسوسي " أرنا " بسكون الراء في القرآن ، واختاره أبو حاتم . وقرأ أبو عمرو باختلاس كسرة الراء ، والباقون بكسرها ، واختاره أبو عبيد . وأصله أرئنا بالهمز ، فمن قرأ بالسكون قال : ذهبت الهمزة وذهبت حركتها وبقيت الراء ساكنة على حالها ، واستدل بقول الشاعر :
أرنا إداوة عبد الله نملؤها من ماء زمزم إن القوم قد ظمئوا
ومن كسر فإنه نقل حركة الهمزة المحذوفة إلى الراء وأبو عمرو طلب الخفة . وعن شجاع بن أبي نصر وكان أمينا صادقا أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فذاكره أشياء من حروف أبي عمرو فلم يرد عليه إلا حرفين : هذا ، والآخر " ما ننسخ من آية أو ننسأها " مهموزا .
قوله تعالى : مناسكنا يقال : إن أصل النسك في اللغة الغسل ، يقال منه : نسك ثوبه إذا غسله . وهو في الشرع اسم للعبادة ، يقال : رجل ناسك إذا كان عابدا .
واختلف العلماء في المراد بالمناسك هنا ، فقيل : مناسك الحج ومعالمه ، قاله قتادة والسدي . وقال مجاهد وعطاء وابن جريج : المناسك المذابح ، أي مواضع الذبح . وقيل : جميع المتعبدات . وكل ما يتعبد به إلى الله تعالى يقال له منسك ومنسك . والناسك : العابد . قال النحاس : يقال نسك ينسك ، فكان يجب أن يقال على هذا : منسك ، إلا أنه ليس في كلام العرب مفعل . وعن زهير بن محمد قال : لما فرغ إبراهيم عليه السلام من بناء البيت الحرام قال : أي رب ، قد فرغت فأرنا مناسكنا ، فبعث الله تعالى إليه جبريل فحج به ، حتى إذا رجع من عرفة وجاء يوم النحر عرض له إبليس ، فقال له : أحصبه ، فحصبه بسبع حصيات ، ثم الغد ثم اليوم الثالث ، ثم علا ثبيرا فقال : يا عباد الله ، أجيبوا ، فسمع دعوته من بين الأبحر ممن في قلبه مثقال ذرة من إيمان ، فقال : لبيك ، اللهم لبيك ، قال : ولم يزل على وجه الأرض سبعة مسلمون فصاعدا ، لولا ذلك لأهلكت الأرض ومن عليها . وأول من أجابه أهل اليمن .
وعن أبي مجلز قال : لما فرغ إبراهيم من البيت جاءه جبريل عليه السلام فأراه الطواف بالبيت - قال : وأحسبه قال : " والصفا والمروة - ثم انطلقا إلى العقبة فعرض لهما الشيطان ، فأخذ جبريل سبع حصيات وأعطى إبراهيم سبع حصيات ، فرمى وكبر ، وقال لإبراهيم : ارم وكبر ، فرميا وكبرا مع كل رمية حتى أفل الشيطان . ثم انطلقا إلى الجمرة الوسطى ، فعرض لهما الشيطان ، فأخذ جبريل سبع حصيات وأعطى إبراهيم سبع حصيات ، وقال : ارم وكبر ، فرميا وكبرا مع كل رمية حتى أفل الشيطان . ثم أتيا الجمرة القصوى فعرض لهما الشيطان ، فأخذ جبريل سبع حصيات وأعطى إبراهيم سبع حصيات وقال : ارم وكبر ، فرميا وكبرا مع كل رمية حتى أفل الشيطان . ثم أتى به جمعا فقال : ها هنا يجمع الناس الصلوات . ثم أتى به عرفات فقال : عرفت ؟ فقال نعم ، فمن ثم سمي عرفات . وروي أنه قال له : عرفت ، عرفت ، عرفت ؟ أي منى والجمع وهذا ، فقال نعم ، فسمي ذلك المكان عرفات . وعن خصيف بن عبد الرحمن أن مجاهدا حدثه قال : لما قال إبراهيم عليه السلام : وأرنا مناسكنا أي الصفا والمروة ، وهما من شعائر الله بنص القرآن ، ثم خرج به جبريل ، فلما مر بجمرة العقبة إذا إبليس عليها ، فقال له جبريل : كبر وارمه ، فارتفع إبليس إلى الوسطى ، فقال جبريل : كبر وارمه ، ثم في الجمرة القصوى كذلك . ثم انطلق به إلى المشعر الحرام ، ثم أتى به عرفة فقال له : هل عرفت ما أريتك ؟ قال نعم ، فسميت عرفات لذلك فيما قيل ، قال : فأذن في الناس بالحج ، قال : كيف أقول ؟ قال قل : يا أيها الناس ، أجيبوا ربكم ، ثلاث مرات ، ففعل ، فقالوا : لبيك ، اللهم لبيك . قال : فمن أجاب يومئذ فهو حاج . وفي رواية أخرى : أنه حين نادى استدار فدعا في كل وجه ، فلبى الناس من كل مشرق ومغرب ، وتطأطأت الجبال حتى بعد صوته . وقال محمد بن إسحاق : لما فرغ إبراهيم خليل الرحمن صلوات الله عليه من بناء البيت الحرام جاءه جبريل عليه السلام فقال له : طف به سبعا ، فطاف به سبعا هو وإسماعيل عليهما السلام ، يستلمان الأركان كلها في كل طواف ، فلما أكملا سبعا صليا خلف المقام ركعتين . قال : فقام جبريل فأراه المناسك كلها : الصفا والمروة ومنى والمزدلفة . قال : فلما دخل منى وهبط من العقبة تمثل له إبليس . . . . ، فذكر نحو ما تقدم . قال ابن إسحاق : وبلغني أن آدم عليه السلام كان يستلم الأركان كلها قبل إبراهيم عليه السلام . وقال : حج إسحاق وسارة من الشام ، وكان إبراهيم عليه السلام يحجه كل سنة على البراق ، وحجته بعد ذلك الأنبياء والأمم . وروى محمد بن سابط عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : كان النبي من الأنبياء إذا هلكت أمته لحق مكة فتعبد بها هو ومن آمن معه حتى يموتوا فمات بها نوح وهود وصالح وقبورهم بين زمزم والحجر .
وذكر ابن وهب أن شعيبا مات بمكة هو ومن معه من المؤمنين ، فقبورهم في غربي مكة بين دار الندوة وبين بني سهم . وقال ابن عباس : في المسجد الحرام قبران ليس فيه غيرهما ، قبر إسماعيل وقبر شعيب عليهما السلام ، فقبر إسماعيل في الحجر ، وقبر شعيب مقابل الحجر الأسود . وقال عبد الله بن ضمرة السلولي : ما بين الركن والمقام إلى زمزم قبور تسعة وتسعين نبيا جاءوا حجاجا فقبروا هنالك ، صلوات الله عليهم أجمعين .
قوله تعالى : وتب علينا
اختلف في معنى قول إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام : وتب علينا وهم أنبياء معصومون ، فقالت طائفة : طلبا التثبيت والدوام ، لا أنهما كان لهما ذنب .
قلت : وهذا حسن ، وأحسن منه أنهما لما عرفا المناسك وبنيا البيت أرادا أن يبينا للناس ويعرفاهم أن ذلك الموقف وتلك المواضع مكان التنصل من الذنوب وطلب التوبة . وقيل : المعنى وتب على الظلمة منا . وقد مضى الكلام في عصمة الأنبياء عليهم السلام في قصة آدم عليه السلام . وتقدم القول في معنى قوله : إنك أنت التواب الرحيم فأغنى عن إعادته .
رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128)

ودعوا لأنفسهما, وذريتهما بالإسلام, الذي حقيقته, خضوع القلب, وانقياده لربه المتضمن لانقياد الجوارح. { وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا } أي: علمناها على وجه الإراءة والمشاهدة, ليكون أبلغ. يحتمل أن يكون المراد بالمناسك: أعمال الحج كلها, كما يدل عليه السياق والمقام، ويحتمل أن يكون المراد ما هو أعم من ذلك وهو الدين كله, والعبادات كلها, كما يدل عليه عموم اللفظ, لأن النسك: التعبد, ولكن غلب على متعبدات الحج, تغليبا عرفيا، فيكون حاصل دعائهما, يرجع إلى التوفيق للعلم النافع, والعمل الصالح، ولما كان العبد - مهما كان - لا بد أن يعتريه التقصير, ويحتاج إلى التوبة قالا: { وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ }
رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128)

{ربنا واجعلنا مسلمين لك} موحدين مطيعين مخلصين خاضعين لك.
{ومن ذريتنا} أي أولادنا.
{أمة} جماعة والأمة أتباع الأنبياء.
{مسلمة لك} خاضعة لك.
{وأرنا} علمنا وعرفنا، قرأ ابن كثير ساكنة الراء و أبو عمرو بالاختلاس والباقون بكسرها ووافق ابن عامر و أبو بكر في الاسكان في حم السجدة، وأصله أرئنا فحذفت الهمزة طلباً للخفة ونقلت حركتها إلى الراء، ومن سكنها قال: ذهبت الهمزة فذهبت حركتها.
{مناسكنا} شرائع ديننا وألام حجنا، وقيل: مواضع حجنا، وقال مجاهد: "مذابحنا، والنسك الذبيحة"، وقيل: متعبداتنا.
وأصل النسك العبادة، والناسك العابد فأجاب الله تعالى دعاءهما فبعث جبريل فأراهما المناسك في يوم عرفة فلما بلغ عرفات قال: عرفت يا إبراهيم؟ قال: نعم فسمى الوقت عرفة والموضع عرفات.
{وتب علينا} تجاوز عنا.
{إنك أنت التواب الرحيم }.
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features