لَّابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا (23)

وقوله : ( لابثين فيها أحقابا ) أي : ماكثين فيها أحقابا ، وهي جمع " حقب " ، وهو : المدة من الزمان . وقد اختلفوا في مقداره . فقال ابن جرير ، عن ابن حميد ، عن مهران ، عن سفيان الثوري ، عن عمار الدهني ، عن سالم بن أبي الجعد قال : قال علي بن أبي طالب لهلال الهجري : ما تجدون الحقب في كتاب الله المنزل ؟ قال : نجده ثمانين سنة ، كل سنة اثنا عشر شهرا ، كل شهر ثلاثون يوما كل يوم ألف سنة .
وهكذا روي عن أبي هريرة ، وعبد الله بن عمرو ، وابن عباس ، وسعيد بن جبير ، وعمرو بن ميمون ، والحسن ، وقتادة ، والربيع بن أنس ، والضحاك . وعن الحسن والسدي أيضا : سبعون سنة كذلك . وعن عبد الله بن عمرو : الحقب أربعون سنة ، كل يوم منها كألف سنة مما تعدون . رواهما ابن أبي حاتم .
وقال بشير بن كعب : ذكر لي أن الحقب الواحد ثلاثمائة سنة ، كل سنة ثلاثمائة وستون يوما ، كل يوم منها كألف سنة . رواه ابن جرير ، وابن أبي حاتم .
ثم قال ابن أبي حاتم : ذكر عن عمر بن علي بن أبي بكر الأسفذني : حدثنا مروان بن معاوية الفزاري ، عن جعفر بن الزبير ، عن القاسم ، عن أبي أمامة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله : ( لابثين فيها أحقابا ) قال : فالحقب [ ألف ] شهر ، الشهر ثلاثون يوما ، والسنة اثنا عشر شهرا ، والسنة ثلاثمائة وستون يوما ، كل يوم منها ألف سنة مما تعدون ، فالحقب ثلاثون ألف ألف سنة . وهذا حديث منكر جدا ، والقاسم هو والراوي عنه وهو جعفر بن الزبير كلاهما متروك .
وقال البزار : حدثنا محمد بن مرداس ، حدثنا سليمان بن مسلم أبو المعلى قال : سألت سليمان التيمي : هل يخرج من النار أحد ؟ فقال حدثني نافع ، عن ابن عمر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " والله لا يخرج من النار أحد حتى يمكث فيها أحقابا " . قال : والحقب : بضع وثمانون سنة ، والسنة ثلاثمائة وستون يوما مما تعدون .
ثم قال : سليمان بن مسلم بصري مشهور .
وقال السدي : ( لابثين فيها أحقابا ) سبعمائة حقب ، كل حقب سبعون سنة ، كل سنة ثلاثمائة وستون يوما ، كل يوم كألف سنة مما تعدون .
وقد قال مقاتل بن حيان : إن هذه الآية منسوخة بقوله : ( فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا )
وقال خالد بن معدان : هذه الآية وقوله : ( إلا ما شاء ربك ) [ هود : 107 ] في أهل التوحيد . رواهما ابن جرير .
ثم قال : ويحتمل أن يكون قوله : ( لابثين فيها أحقابا ) متعلقا بقوله : ( لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا ) ثم يحدث الله لهم بعد ذلك عذابا من شكل آخر ونوع آخر . ثم قال : والصحيح أنها لا انقضاء لها ، كما قال قتادة والربيع بن أنس وقد قال قبل ذلك حدثني محمد بن عبد الرحيم البرقي ، حدثنا عمرو بن أبي سلمة ، عن زهير ، عن سالم : سمعت الحسن يسأل عن قوله : ( لابثين فيها أحقابا ) قال : أما الأحقاب فليس لها عدة إلا الخلود في النار ، ولكن ذكروا أن الحقب سبعون سنة ، كل يوم منها كألف سنة مما تعدون .
وقال سعيد ، عن قتادة : قال الله تعالى : ( لابثين فيها أحقابا ) وهو : ما لا انقطاع له ، كلما مضى حقب جاء حقب بعده ، وذكر لنا أن الحقب ثمانون سنة .
وقال الربيع بن أنس : ( لابثين فيها أحقابا ) لا يعلم عدة هذه الأحقاب إلا الله ، ولكن الحقب الواحد ثمانون سنة ، والسنة ثلاثمائة وستون يوما ، كل يوم كألف سنة مما تعدون . رواهما أيضا ابن جرير .
لَّابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا (23)

لابثين فيها أحقابا أي ماكثين في النار ما دامت الأحقاب ، وهي لا تنقطع ، فكلما مضى حقب جاء حقب . والحقب بضمتين : الدهر والأحقاب الدهور . والحقبة بالكسر : السنة ; والجمع حقب ; قال متمم بن نويرة التميمي :
وكنا كندماني جذيمة حقبة من الدهر حتى قيل لن يتصدعا فلما تفرقنا كأني ومالكا
لطول اجتماع لم نبت ليلة معا
والحقب بالضم والسكون : ثمانون سنة . وقيل : أكثر من ذلك وأقل ، على ما يأتي ، والجمع : أحقاب . والمعنى في الآية ; لابثين فيها أحقاب الآخرة التي لا نهاية لها ; فحذف الآخرة لدلالة الكلام عليه ; إذ في الكلام ذكر الآخرة ، وهو كما يقال : أيام الآخرة ; أي أيام بعد أيام إلى غير نهاية ، وإنما كان يدل على التوقيت لو قال خمسة أحقاب أو عشرة أحقاب . ونحوه وذكر الأحقاب لأن الحقب كان أبعد شيء عندهم ، فتكلم بما تذهب إليه أوهامهم ويعرفونها ، وهي كناية عن التأبيد ، أي يمكثون فيها أبدا . وقيل : ذكر الأحقاب دون الأيام ; لأن الأحقاب أهول في القلوب ، وأدل على الخلود . والمعنى متقارب ; وهذا الخلود في حق المشركين . ويمكن حمل الآية على العصاة الذين يخرجون من النار بعد أحقاب .
وقيل : الأحقاب وقت لشربهم الحميم والغساق ، فإذا انقضت فيكون لهم نوع آخر من العقاب ; ولهذا قال : لابثين فيها أحقابا لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا إلا حميما وغساقا . و ( لابثين ) اسم فاعل من لبث ، ويقويه أن المصدر منه اللبث بالإسكان ، كالشرب . وقرأ حمزة والكسائي ( لبثين ) بغير ألف وهو اختيار أبي حاتم وأبي عبيد ، وهما لغتان ; يقال : رجل لابث ولبث ، مثل طمع وطامع ، وفره وفاره . ويقال : هو لبث بمكان كذا : أي قد صار اللبث شأنه ، فشبه بما هو خلقة في الإنسان نحو : حذر وفرق ; لأن باب فعل إنما هو لما يكون خلقة في الشيء في الأغلب ، وليس كذلك اسم الفاعل من لبث .
والحقب : ثمانون سنة في قول ابن عمر وابن محيصن وأبي هريرة ، والسنة ثلاثمائة يوم وستون يوما ، واليوم ألف سنة من أيام الدنيا ، قاله ابن عباس . وروى ابن عمر هذا مرفوعا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال أبو هريرة : والسنة ثلاثمائة يوم وستون يوما كل يوم مثل أيام الدنيا . وعن ابن عمر أيضا : الحقب : أربعون سنة . السدي : سبعون سنة . وقيل : إنه ألف شهر . رواه أبو أمامة مرفوعا . بشير بن كعب : ثلاثمائة سنة . الحسن : الأحقاب لا يدري أحد كم هي ، ولكن ذكروا أنها مائة حقب ، والحقب الواحد منها سبعون ألف سنة ، اليوم منها كألف سنة مما تعدون . وعن أبي أمامة أيضا ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : إن الحقب الواحد ثلاثون ألف سنة ذكره المهدوي . والأول الماوردي . وقال قطرب : هو الدهر الطويل غير المحدود . وقال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : والله لا يخرج من النار من دخلها حتى يكون فيها أحقابا ، الحقب بضع وثمانون سنة ، والسنة ثلاثمائة وستون يوما ، كل يوم ألف سنة مما تعدون ; فلا يتكلن أحدكم على أن يخرج من النار . ذكره الثعلبي . القرظي : الأحقاب : ثلاثة وأربعون حقبا كل حقب سبعون خريفا ، كل خريف سبعمائة سنة ، كل سنة ثلاثمائة وستون يوما ، كل يوم ألف سنة .
قلت : هذه أقوال متعارضة ، والتحديد في الآية للخلود ، يحتاج إلى توقيف يقطع العذر ، وليس ذلك بثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - . وإنما المعنى - والله أعلم - ما ذكرناه أولا ; أي لابثين فيها أزمانا ودهورا ، كلما مضى زمن يعقبه زمن ، ودهر يعقبه دهر ، هكذا أبد الآبدين من غير انقطاع . وقال ابن كيسان : معنى لابثين فيها أحقابا لا غاية لها انتهاء ، فكأنه قال أبدا . وقال ابن زيد ومقاتل : إنها منسوخة بقوله تعالى : فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا يعني أن العدد قد انقطع والخلود قد حصل .
قلت : وهذا بعيد ; لأنه خبر ، وقد قال تعالى : ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط على ما تقدم . هذا في حق الكفار ، فأما العصاة الموحدون فصحيح ويكون النسخ بمعنى التخصيص . والله أعلم . وقيل : المعنى لابثين فيها أحقابا أي في الأرض ; إذ قد تقدم ذكرها ويكون الضمير في لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا لجهنم . وقيل : واحد الأحقاب حقب وحقبة ; قال :
فإن تنأ عنها حقبة لا تلاقها فأنت بما أحدثته بالمجرب
وقال الكميت :
مر لها بعد حقبة حقب
لَّابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا (23)

( لابثين ) قرأ حمزة ويعقوب : " لبثين " بغير ألف ، وقرأ العامة " لابثين " [ بالألف ] وهما لغتان . ( فيها أحقابا ) جمع حقب ، والحقب الواحد : ثمانون سنة ، كل سنة اثنا عشر شهرا ، كل شهر ثلاثون يوما ، كل يوم ألف سنة . روي ذلك عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - .
وقال مجاهد : " الأحقاب " ثلاثة وأربعون حقبا كل حقب سبعون خريفا ، كل خريف سبعمائة سنة ، كل سنة ثلاثمائة وستون يوما ، كل يوم ألف سنة .
قال الحسن : إن الله لم يجعل لأهل النار مدة ، بل قال : " لابثين فيها أحقابا " فوالله ما هو إلا [ إذا ] مضى حقب دخل آخر ثم آخر إلى الأبد ، فليس للأحقاب عدة إلا الخلود .
وروى السدي عن مرة عن عبد الله قال : لو علم أهل النار أنهم يلبثون في النار عدد حصى الدنيا لفرحوا ، ولو علم أهل الجنة أنهم يلبثون في الجنة عدد حصى الدنيا لحزنوا .
وقال مقاتل بن حيان : الحقب الواحد سبع عشرة ألف سنة . قال : وهذه الآية منسوخة نسختها فلن نزيدكم إلا عذابا يعني أن العدد قد ارتفع والخلود قد حصل .
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features